يوم الاستفتاء علي التعديلات الدستورية كان يوما مشهوداً في تاريخ مصر والمصريين،لن ينساه أحد منا لقد تسابق الجميع للذهاب للإدلاء بأصواتهم.. الكثيرون ذهبوا في الصباح الباكر قبل أن تبدأ اللجان عملها لأنه كان هناك توقع أن الازدحام سيكون شديداً ولكن الواقع فاق كل التوقعات، جميع اللجان لم يكن بها موضع لقدم، حتي إن الكثيرين وأنا ومنهم ذهبنا إلي أكثر من لجنة كي نجد مكانا في طابور الاستفتاء وبالرغم من ارتفاع حرارة الجو هذا اليوم إلا أنها لم تحد من الأعداد الهائلة أن تقف عدة ساعات في الشمس للإدلاء بأصواتهم بل إنه مع مرور الوقت كانت الاعداد تزداد والغريب أنه طوال الفترة الطويلة التي وقفت فيها أنتظر دوري لم أر تجاوزا من أي شخص بل إن الجميع يقف ملتزما في الطابور والجميع سعداء تعلو وجوههم ابتسامة يملؤها الأمل لم يحدث أن تجاوز أحد دوره بل إننا كنا نتنازل عن دورنا للأمهات والأباء الذين اصطحبوا معهم أطفالهم، وقد لاحظت أنه لم يأت إلي الاستفتاء شخص بمفرده بل كانوا يأتون مجموعات من الأصدقاء أو الزملاء في العمل لقد تحول وقت الانتظار إلي وقت ممتع، الجميع يتكلم ويتناقش مع الآخر دون أن يعرف بعضهم البعض الكل يعرض وجهة نظره لماذا يقول نعم ولماذا يقول لا. إن الكثيرين خرجوا بصداقات وتبادلوا التليفونات للتواصل بعد ذلك، لقد تحول المجتمع المصري إلي كتلة من الحب والتفاهم وتبادل الرأي، وقد تعجبت لذلك ماذا حدث لنا نحن المصريين؟ أين العصبية والتجاوزات التي كنا نراها في كل مكان قبل 25 يناير ورحيل النظام الفاسد.. كان الكل يكره الكل ولكن الآن الجميع اجتمع علي شيء واحد هو حب مصر بالفعل وليس بالقول والأغاني فقط، وكان بداية الفعل هو التواجد يوم الاستفتاء.. لقد شعر كل مصري أنه حر يقول رأيه دون خوف أو قلق ودون حسابات لفلان أو علان، الجميع تأكد أن صوته له قيمة وهو الذي سيقود مصر إلي الأمام وبغض النظر عن نتيجة الاستفتاء فالذين قالوا نعم للتعديلات الدستورية حسموا الموقف في مواجهة الذين قالو لا.. إلا أن ذلك لا يعني أن كل الذين قالوا نعم ينتمون إلي جماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية، حقيقة أنه كان هناك استغلال لمنابر المساجد لدفع الناس إلي قول نعم وهؤلاء لا شك شكلوا نسبة لابأس بها ولكني أؤكد وطبقا لتجربتي الشخصية قبل وأثناء وقوفي في طابور الاستفتاء والحوارات التي تمت معي وأمامي بين مختلف المواطنين ومن شرائح مختلفة أنه ليس كل من قال نعم ينتمي للجماعات الإسلامية.. فكثير من أقاربي وأصدقائي وزملائي قالوا نعم ولا تربطهم بهذه الجماعات أي علاقة وليسوا من الذين يتأثرون بهذه الجماعات، بل إن البعض فضلوا أن يقولوا نعم لأنهم يعتقدون أن كلمة نعم هي أقصر الطرق وصولا للاستقرار ويريدون أن تعود الحياة إلي طبيعتها بعد أن توقفت في كثير من الأماكن، فكثير من الأعمال خاصة القطاع الخاص الصغير يعاني الآن من توقف العمل، فالفئة البسيطة أيضا من عمال اليومية لا يجدون عملا فالبناء متوقف والفنادق فارغة من السائحين والعاملون بهذه الفنادق لا يحصلون علي دخولهم المعتادة إلا الحد الأدني، وعلي جانب آخر بعض الذين قالوا نعم يريدون أن تسلم القوات المسلحة السلطة العسكرية إلي السلطة المدنية وتتفرغ لأداء دورها الأساسي وهو المحافظة علي أمن البلاد، ولذلك أقول للذين يرددون ويروجون مقولة أن نتيجة الاستفتاء بنعم تعني نجاح وسيطرة الجماعات الإسلامية علي المجتمع هذا غير صحيح ولن يكون، فالجماعات الإسلامية شريحة في المجتمع المصري وتمثل نسبة ونحن نعترف بوجودها. ولكن ليس بالشكل الذي يروج له المنتمون إليها ويحاولون تضخيم حجم هذه الجماعات ولذلك أقول لهم لا تعطوا هذه الجماعات أكثر من حقها أو حجمها.لقد حان الوقت أن تعرف كل شريحة حجمها الحقيقي في المجتمع لا بالزيادة أو بالنقصان، فنحن جميعا ننتمي لمصر وليس لجماعة من الجماعات.