تحاول دول أوروبا فى سابقة من نوعها أن تقوم بنقل وتصدير اللاجئين القادمين إليها إلى دول أخرى كحل غير تقليدى ومثير للدهشة لأزمة اللاجئين، فقد ذكر مدون فرنسى نشر على «موقع ميديا بارت» أن فضيحة نقل الغرب لنفاياته إلى دول يحولها إلى مكبات أمر معروف، لكن الجديد الآن هو أن رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك حصل على رخصة تصدير المهاجرين، وتم شحنهم إلى رواندا مثل الملابس المستعملة. وأضاف الصحفى إيڤ جيلرولت فى مدونته أن 5 مهاجرين مفعمين بالأمل من بينهم طفل غرقوا أثناء محاولتهم الوصول إلى الساحل الإنجليزى على متن قارب صغير، وعاشوا المصير نفسه الذى عاشه عشرات الآلاف من المهاجرين الذين ابتلعتهم المياه المظلمة والجليدية للقناة الإنجليزية. أشار المدون إلى أن هذه نهاية مأساوية لطريق طويل من الموت بين الناس الذين فروا من الجوع والفقر والحرب والعبودية والديكتاتورية، ومن طالبى الفدية وتجار العبيد، وبلطجية وكالة فرونتكس. وقد حاول ريشى سوناك تسويق مشروعه غير العادل للبرلمانيين البريطانيين منذ أشهر، وقد استسلموا لقلقهم حول امتيازاتهم قبيل الانتخابات التشريعية، وبذلك تحقق حلم اليمين المتطرف فى أوروبا وأماكن أخرى، على يد سوناك، الذى ولد فى إنجلترا منحدرا من سلسلة طويلة من المهاجرين. ونبه إيڤ جيلرولت إلى أن سوناك المليونير نتاج خالص للرأسمالية الغربية الناطقة باللغة الإنجليزية الخالية من الأخلاق والتعاطف ومن الإنسانية. وذكر الكاتب بما تعانيه بلدان الجنوب من تلوث بالنفايات الغربية، متسائلا: من ذا سيهتم بالفقراء الذين تعصف بهم أمراض الحضارة، وويلات الاضطرابات المناخية الناتجة فى المقام الأول عن إنتاج هذه البلدان المتقدمة لجبال من النفايات؟ ومع ذلك يشعر الغرب الآن بالاستياء عندما يرى هؤلاء الضحايا الأبرياء يأتون، وبالتالى تفضل الرأسمالية الغربية كنس هذه المشكلة تحت سجادة مستعمراتها السابقة. وسيقوم الثرى ريشى سوناك بشحن مهاجريه مثل حزم الملابس المستعملة إلى رواندا، مهما كان أصلهم، فى نوع من إعادة الهجرة المصحوبة ببضع حقائب من الأوراق المالية إلى نظام لا يقل عنه استبدادا. وخلص إيڤ جيلرولت إلى أن مصير هؤلاء هو أقل ما يقلق سوناك ورفاقه الأثرياء، مؤكدا أن وزير الداخلية الفرنسى جيرالد دارمانان يراقب التجربة البريطانية باهتمام كبير، فى حين أن اليمين الفرنسى المتطرف مستعد لفتح وكالة سفر قسرى لأى شخص لا يذهب إلى القداس أو لديه لون مختلف. ومن ناحية أخرى، فقد اهتمت صحيفتا فايننشال تايمز وجارديان البريطانيتان بموافقة البرلمان البريطانى على مشروع القانون المثير للجدل والذى يتيح للحكومة ترحيل اللاجئين غير النظاميين إلى رواندا. ووصفت هيئة تحرير فايننشال تايمز فى مقال افتتاحى القانون بأنه أحد أشنع التشريعات البريطانية فى السنوات الأخيرة. وقالت إن تسليم رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك بأن الرحلات الجوية الناقلة للاجئين غير النظاميين إلى رواندا لن تبدأ قبل يوليو القادم يكشف عما تنطوى عليه هذه الخطوة من إشكاليات. غير أن الصحيفة ترى أن القضية لا تقتصر على أن هذه الخطة غير الإنسانية والباهظة التكاليف قد لا تحقق الهدف منها، مضيفة أن الوسائل القانونية التى لجأت إليها الحكومة لإبطال قرار المحكمة العليا فى بريطانيا، تؤسس لسابقة ضارة بالديمقراطية فى البلاد. وكانت المحكمة العليا البريطانية قد عرقلت فى نوڤمبر الماضى تنفيذ الخطة حين قضت بالإجماع بعدم قانونية ترحيل طالبى اللجوء إلى رواندا، واعتبرتها مخالفة للقانون الدولى والإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وبعدما أعاد أعضاء مجلس اللوردات إلى مجلس العموم مشروع القانون لتعديله المرة بعد الأخرى، وافق مجلس اللوردات فى نهاية المطاف على عدم إدخال أى تعديلات إضافية إلى النص، مما أتاح إقراره. وبإقراره فى البرلمان بمجلسيه، سيدخل مشروع القانون حيز التنفيذ طالما يصادق عليه الملك تشارلز الثالث. إن الأكثر إثارة للقلق برأى فايننشال تايمز أن الحكومة البريطانية تسن تشريعات لتعلن أن الحقائق ليست كتلك التى استندت عليها المحاكم فى قراراتها. وزعمت هيئة تحرير الصحيفة أن الحكومة حاولت بالفعل تغيير الحقائق حين رفعت اتفاقيتها مع كيجالى إلى معاهدة ملزمة، وأدرجت ضمانات تنص على عدم إبعاد أى طالب لجوء من رواندا إلا إلى بريطانيا. ومن جانبها، انتهت صحيفة الجارديان فى مقال افتتاحى لهيئة تحريرها، إلى أن قانون ترحيل طالبى اللجوء يعد نموذجا سيئا، ويفتقر إلى أى دليل يثبت إدعاء الحكومة بأن عمليات الترحيل إلى رواندا ستوقف الزوارق التى تنقل المهاجرين غير النظاميين إلى بريطانيا. وقالت إن القانون البريطانى يقر بأن رواندا دولة آمنة، مما يسمح للحكومة إرسال طالبى اللجوء إليها، وهكذا انتهى مسار العمل المخزى الذى بدأ فى أواخر العام الماضى، بعد أن حكمت المحكمة العليا بأن سياسة الترحيل غير قانونية. وذكرت أن التركيز سيعود مرة أخرى الآن إلى المحاكم، حيث سيحاول المحامون إزالة بعض طالبى اللجوء من قوائم السفر إلى رواندا، مشيرة إلى أن القانون يسمح بذلك فى حال واجهوا خطرا حقيقيا وشيكا ومنظورا يعرضهم لضرر جسيم غير قابل للجبر بسبب ترحيلهم. كل لاجئ يكلف 2.2 مليون دولار وأشارت إلى أن تقديرات سوناك هى أن هذه السياسة منطقية من الناحية السياسية على الرغم من أنها تكلف الحكومة 2.2 مليون دولار أمريكى مبدئيا عن كل شخص مُرحَّل. والحقيقة، كما تراها الجارديان، أنه لا يوجد ما يمنع الناس من السفر إلى بريطانيا، إما لأنه لا أمل لهم سوى الفرار من الاضطهاد، أو أنهم مصرون على السفر إلى أماكن أخرى على أمل أن تتحسن أحوالهم القاسية. وختمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول إن قانون رواندا ليست بادرة غير مفيدة فقط بل تمثل تخبطا متهورا ومشينا ولا يحترم نظام حقوق الإنسان الذى تم التوصل إليه بشق الأنفس. أما رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك فقد أكد أنه سيتم تنفيذ خطط ترحيل طالبى اللجوء إلى رواندا مهما حدث، فى إشارة إلى التعطيلات التشريعية بالبرلمان التى حالت دون تمرير مشروع القانون المثير للجدل. وخلال مؤتمر صحفى بمكتبه فى مقر إقامته ب«داونينج ستريت» فى لندن، عرض فيه الوسائل التى استخدمتها الحكومة لتنظيم عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين، قال رئيس الوزراء إن الرحلات ستقلع مهما حدث. وفى تصريحاته التى جاءت قبل يوم حاسم فى البرلمان يمكن أن يتبنى خلاله مشروع القانون، قال سوناك: «لقد طفح الكيل، كفى المزيد من المراوغة، وكفى المزيد من التأخير، لا استثناءات أو تحفظات، هذه الرحلات ستتجه إلى رواندا مهما حدث». ونقلت وكالة بلومبيرج عن سوناك قوله إن «الرحلة الأولى ستغادر خلال 10 إلى 12 أسبوعا، وهذا الموعد يأتى متأخرا عما كنا نريده». وتعتمد الحكومة على هذه السياسة لردع المهاجرين غير النظاميين عن الإبحار فى قوارب صغيرة إلى الشواطئ الجنوبية للمملكة المتحدة عبر القنال الإنجليزى، قادمين من شمال فرنسا. ويعتبر هدف ترحيل طالبى اللجوء من أهم الوعود الانتخابية لحكومة المحافظين وعليه يراهن سوناك لزيادة شعبيته فى صفوف حزبه. وبعد تمرير البرلمان هذا القانون، فإن الحكومة البريطانية ستبدأ فى دراسة ملفات طالبى اللجوء الذين سوف ترحلهم إلى رواندا، رغم علمها بأنها ستواجه معارك قضائية جديدة، فهل أصبح طالبو اللجوء فى بريطانيا أمام خطر حقيقى للترحيل؟ ينص قانون الترحيل على أن كل شخص يصل إلى بريطانيا عبر القناة البحرية وبشكل غير قانونى سيتم ترحيله إلى رواندا وهناك يمكنه تقديم طلب اللجوء، وفى حال قبول طلبه سيحصل على حق الإقامة فى رواندا فى إقامات تمولها الحكومة البريطانية، ولن يكون باستطاعته العودة إلى لندن تحت أى ظرف. وفى حال تم رفض طلب اللجوء، فبإمكان المعنى تقديم طلب لجوء إلى رواندا أو دولة أخرى يرى أنها آمنة. كان هناك عائقان يقفان دائما أمام الحكومة البريطانية لترحيل طالبى اللجوء: الأول مرتبط بقرار المحكمة العليا الصادر العام الماضى والذى اعتبر خطة الترحيل غير قانونية لأنها لا تقدم الضمانات بأن طالبى اللجوء قد يتم ترحيلهم إلى دولهم الأصلية، وقضت المحكمة بأن رواندا وجهة غير آمنة. أما العائق الثانى فكان المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية التى تحمى حقوق اللاجئين، ذلك أن للمحكمة الأوروبية الحق فى إبطال أى قرار ترحيل وسبق لها أن قامت بهذا الأمر. وتنص الوثيقة الجديدة على أن رواندا وجهة آمنة للاجئين؛ لسد الباب أمام اعتراض القضاء، كما وقعت وزارة الداخلية البريطانية اتفاقية مع نظيرتها فى كيجالى تتعهد فيها الأخيرة بعدم ترحيل أى طالب لجوء يصل إليها إلى بلده الأصلى. أما التعديل الآخر فى الوثيقة فيمنح الحكومة صلاحيات تجاوز الاتفاقيات الدولية والتحرك دون احترام هذه القوانين، وذلك لتحصين قرارات الترحيل من أى حكم قد تصدره المحكمة الأوروبية يمنع ترحيل طالبى اللجوء إلى رواندا. وستوجه وزارة الداخلية البريطانية خطابات إلى طالبى اللجوء الذين وصلوا البلاد عبر القناة البحرية منذ يناير 2022 تخبرهم بأنه سيتم ترحيلهم دون تحديد التاريخ، وبعدها ستختار الأشخاص الذين سيسافرون فى أولى الرحلات إلى رواندا. ووفقا للوزارة فإن الأولوية ستكون للشباب الذين وصلوا بريطانيا دون أُسرهم، وسيتم ترحيل طالبى اللجوء إلى رواندا وهناك سيقدمون ملفات اللجوء، ويقيمون فى أماكن مولتها الحكومة البريطانية وبدأ العمل بها منذ أكثر من سنتين. هل أصبحت عملية الترحيل واقعا لا يمكن تغييره؟ يحق لكل شخص تلقى رسالة من وزارة الداخلية تخبره بأنه سيتم ترحيله إلى رواندا أن يرفع دعوى أمام المحاكم البريطانية من أجل إلغاء القرار، كما أن المؤسسات الحقوقية التى سبق وأن قامت برفع دعوى قضائية ضد هذه الخطة ستتبنى ملفات عدد من طالبى اللجوء أمام المحاكم. وتقول الحكومة البريطانية إنها تتوقع سيلا من القضايا أمام المحاكم للمتضررين من قرار الترحيل، وكذلك من طرف المؤسسات الحقوقية. ولولا أن المهمة هذه المرة ستكون صعبة أمام هؤلاء لأن القانون أصبح ينص على كون رواندا وجهة آمنة وكذلك يمنع ترحيل طالبى اللجوء إلى دولهم الأصلية، وسيكون على كل شخص يريد إلغاء قرار ترحيله أن يثبت للمحكمة أن حياته فى خطر فى حال تم ترحيله إلى كيجالى. أما ردود الفعل الحقوقية، فقد وجهت أكثر من 250 منظمة حقوقية بما فيها هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات العاملة فى مجال حماية حقوق اللاجئين والمهاجرين، رسالة إلى رئيس الوزراء البريطانى تقول فيها إن الخطة تناقض القانون الدولى وعدتها تخلِيا من لندن عن واجبها فى توفير الأمان لأشخاص فى وضع خطر. واعتبرت هذه المنظمات أن الخطة هى أمر مخجل ومحتال ضد أشخاص يريدون حماية أرواحهم، ووعدت بأنها ستواجه هذا القانون من خلال اللجوء إلى القضاء من جديد. ووفقا للمعطيات الرسمية، فإن الحكومة البريطانية سوف تدفع ما بين 370 إلى 457 مليون جنيه إسترلينى بنهاية سنة 2024، مع توقع ارتفاع تكلفة هذه الخطة فى حال بدأت الرحلات الجوية تنطلق فعليا من بريطانيا إلى رواندا. وسيكون عليها دفع 20 ألف جنيه إسترلينى مقابل أى شخص يتم ترحيله من أجل تمويل تكاليف إقامته، إضافة إلى 150 ألفا أخرى لبقية تكاليف إقامة طالب اللجوء فى رواندا، ومباشرة بعد إرسال 300 شخص ستحول لندن 120 مليون جنيه إسترلينى إضافية للحكومة الرواندية. 2