استكمالا لما كتبته في مقالي السابق حول الظهور المزعج للسلفيين الذي شهده ميدان التحرير ، حيث أطلوا من جديد محاولين تصدر المشهد والبروز في أمامية الكادر .. ذلك بعد توحد شباب التحرير منضما إليهم الملايين من الشعب المصري منصهرين في بوتقة واحدة مندمجين في نسيج متجانس يعلي من شأن المواطنة ويقتل الفتنة مطالبا بدولة مدنية معاصرة حرة دون شعارات دينية تبث الفرقة في صفوف وطن ينهض ويتغير ويحلم .. وقد أتي هذا الظهور ممثلا في ارتفاع شعارات (الشعب يريد تحكيم الكتاب.. لا مدنية .. لا علمانية .. إسلامية إسلامية) .. كما نزع سلفي صورة الشهيدة الشابة (سالي زهران) من بين صور الشهداء لأنها سافرة .. في نفس الوقت الذي بدأ فيه (الإخوان الأقباط) في المطالبة بإلغاء المادة الثانية من الدستور.. واحتدم الجدل من حولها من جديد بين قلة مثقفة معارضة، وأغلبية مؤيدة تعاني من (بانوراما الاضطهاد) خوفا من تطبيق الشريعة عليهم . ورغم أن تغيير المادة الثانية من الدستور غير مطروح وغير مقبول في الوقت الحالي، فقد نبهت الأصوات الوطنية إلي خطورة تواطؤ فلول النظام السابق وأذنابه مع مباحث أمن الدولة ب (تدبير الثورة المضادة) في مصر عن طريق استخدام أدواتها وسيطرتها علي ملفات كثيرة منها ملفات الجماعات الدينية التي تحركها.. تلك الملفات التي لا نعرف حتي الآن هل تم التخلص منها بالفرم أو الحرق أم لا؟ ذلك في نفس الوقت الذي تجري فيه الصحف الرسمية الاستفتاء علي المادة الثانية.. ويتزامن ذلك - كما يقول الأستاذ (حسام تمام) - أنه من المفارقات أن النظام السابق الذي كان قد أوقف بث القنوات السلفية وأفسح لها مجالا علي قمر (نايل سات) عاد ليوظف رموزها وشيوخها في حربه علي الثورة.. وهذه المرة علي قنواته الرسمية والخاصة المرتبطة بها هيكليا.. وهكذا استضافت قنواته الإعلامية عددا كبيرا من رموز السلفية. أطلقوا سيلا من الدعوات والفتاوي لوقف التظاهر مزينة بحديث طويل عن نعمة الأمن والأمان وخطر الفتنة وحرمة الخروج عن الطاعة حتي وصل الأمر إلي الطعن الصريح في وطنية من يحركون الثورة.. يؤكد الشيخ «محمد حسان»: أنا مستعد لحمل السيف والاقتتال للحفاظ علي وجود المادة الثانية واعتبارها خطا أحمر لا يمكن تجاوزه.. إن مصر دولة إسلامية والشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع والأقباط أقلية لهم حقوقهم المشروعة كاملة ولهم منا البر والإحسان كما أمرنا القرآن ولن نسمح أبدا بكونها مدنية علمانية.. ولو كان ذلك علي جثثنا ودمائنا. -- كما أكد الشيخ «الزغبي» أن السلفيين يحترمون حقوق الأقباط المشروعة، لكن لن نسمح لهم أن يتدخلوا في إلغاء المادة الثانية من الدستور لأن ذلك معناه تدمير الهوية الإسلامية لمصر وتذويب الشريعة الإسلامية.. وهذا يعتبر تدخلا سافرا وقبيحا في شأن أعظم دولة إسلامية فهي بلد الأزهر قبلة العلم والعلماء في كل زمان ومكان.. وأشار إلي أن الأقباط لن يجدوا أمنا ولا أمانا ولا سلاما أو عدلا إلا في ظل الإسلام وأهله، والتاريخ يشهد علي ذلك علي مر السنين.. وأعظم شاهد علي ذلك ما قام به الموجودون بحراسة الكنائس في أيام فوضي السلب والنهب، فالمسلمون حرسوا الكنائس والقساوسة وعوام الشعب القبطي. كما عقدت الجماعة السلفية بطنطا أول مؤتمر لها عقب ثورة «25 يناير» وطالب المشاركون في المؤتمر بتطبيق الشريعة الإسلامية بشكل كلي وعدم المساس بالمادة الثانية من الدستور.. كما طالبوا بتحويل مصلحة الضرائب إلي مصلحة «الزكاة المصرية» موضحين أن هذا أنفع للبلاد والعباد.. -- هذا بينما أكد الشيخ «أحمد فريد» القيادي السلفي علي أن الفترة المقبلة سوف تشهد امتدادا للسلفية بجميع محافظات مصر بعد انتهاء عصر التصنيفات الأمنية لرغبة الشعب المصري الذي طالما راهن علي دور الدعوة السلفية في الحفاظ علي ثوابت الإسلام، ذلك في الوقت الذي كان يسعي فيه «الإخوان المسلمون» إلي تحقيق مكاسب سياسية مؤكدا : «إذا لم تكن «موسي» فكن «هارون».. لذلك يجب أن يقترن التعليم في المسجد بالخروج إلي كل مكان بداية بالمدارس والجامعات والأسواق.. ويجب أن يسمع الناس منا بعد أن كانوا يسمعون عنا.. كما أكد أن جميع الاحتمالات واردة بشأن إنشاء حزب سياسي.. وهذا يوضح عزم الدعوة السلفية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.. أما الاشتراك في الثورة نفسها فهم لديهم الكثير من التحفظات عليها، حيث يري قيادات الجماعة أن الثورة تخلط بين الرجال والنساء.. كما تتضمن شعارات غير مرغوب فيها مثل رفع الصليب.. المفارقة أن القيادي السلفي.. يتفق مع «الليبراليين» و«الديمقراطيين» والمثقفين المستنيرين.. والثوار الشباب حول رأيهم في جهاز أمن الدولة حيث يؤكد أن الدعوة السلفية مع حل الجهاز، لأنها انكوت بنيرانه كثيرا.. كما يرحب بعودة الداخلية لكن في ثوبها الجديد بعد التخلص من مقولة : «أنا عبد المأمور فالعبودية لله وحده.. ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.. وعلي الضباط أن يعتبروا بما حدث للمأمور «يقصد حبيب العادلي وزير الداخلية السابق الذي يمكث خلف القضبان حاليا». المفارقة الأكثر إدهاشا أن السلفيين الذين يحاولون «تعبئة وحشد الشارع المصري حول عدم المساس بالمادة الثانية من الدستور» يتفقون تماما مع الأقباط «الذين يطالبون بإلغاء المادة الثانية من الدستور أو تعديلها» في الخوف من الثورة الوليدة .. وعدم الترحاب بها والارتياب في نواياها.. وهو ما يعني تفضيلهم للحياة في كنف النظام البائد الفاسد.. فالسلفيون يتصورون أن نظام «مبارك» كان يحمي الشريعة ويدافع عن الإسلام.. وكأن ثورة «25 يناير» هي ضد الشريعة وضد الإسلام.. والكنيسة تتصور أن نظام مبارك كان يحمي حقوق الأقباط ويدافع عن وجودهم في مجتمع الأغلبية المسلمة دون المساس بشريعتهم.. وإن حدث في بعض الأحيان عكس ذلك فإن فزاعة «أمريكا» وأقباط المهجر جاهزة وقادرة علي الضغط علي النظام للتراجع عن غلوائه أو تعنته ضدهم.. المضحك في الأمر أن النظام الجديد المعني بتعديل الدستور لم يتطرق من قريب أو بعيد للمادة الثانية من الدستور.. ولم يطرحها للنقاش أي أن المواجهة هي مجرد لغو غير ذي تأثير. المهم أن الطرفين لا يباليان إذن إن الثورة .. هي ثورة مصر الوطن غير العنصرية ضد الظلم والفساد والقهر والطغيان.. والطرفان لا يشغلهما إذن إلا طائفية التوجه شكلا ومضمونا.. «إنهما يحبان الفساد.. أليس كذلك!!» -- أما نحن فيزعجنا ظهور ثعابين الطائفية من جديد .. ويزعجنا إحياء خطاب كريه يهدف إلي تقويض دولة مدنية ليبرالية حديثة تمحو ظلالا كثيفة من التخلف والجاهلية تكونت في العقود الماضية وتسعي إلي إطفاء نور التقدم والحضارة.