فجأة اكتشفت إثيوبيا أن سيناء ليست فى قارة إفريقيا، بعد أن استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو استقبال الفاتحين ضمن جولته الإفريقية الأخيرة، فتقدمت بشكوى إلى الأممالمتحدة، تدين فيها مصر بسبب مد ترعة السلام من نهر النيل إلى شبه الجزيرة التى تدخل فى نطاق قارة آسيا، واستغلت تجميد القاهرة لعضويتها فى «مبادرة حوض النيل»، لتقود بقية الدول إلى رسم أطلس مائى للنهر لا يشمل سيناء، وتناست أن النيل كان له عدة أفرع أحدها يصل إلى هناك بشكل طبيعى قبل أن تجف كلها. فى الوقت الذى أجمع فيه الساسة وخبراء المياه فى مصر، على أن زيارة نتنياهو إلى دول حوض النيل، تضر بالأمن القومى المصري، ظهرت نتائج تلك الزيارة وتأثيراتها المباشرة بالفعل، بعد أن أقرت دول منابع النيل، فى اجتماع مبادرة حوض النيل بالعاصمة الأوغندية «عنتيبي»، خريطة أطلس حوض النيل، والتى سجلت منطقة سيناء بالكامل خارج حدود منطقة حوض النيل، بتظليلها بلون آخر، على اعتبارها جزءا من قارة آسيا. ويتضمن الأطلس المائى الذى أطلقته مبادرة حوض النيل الملامح الجيولوجية والسكانية ومعاملات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والهيدرولوجية والمناخية والبنية الأساسية والمنشآت المقامة على النهر، والتى تعد نواة لإنشاء خريطة تنموية متكاملة للنهر تشمل عدد السكان ونوعية الأنشطة القائمة والطبيعة الجغرافية للنهر، ويهدف إلى وضع صورة متكاملة عن حياة النيل على مدار السنوات، وهو الأمر الذى يدعم القدرة على اتخاذ القرار الملائم من قبل المسئولين عن إدارة النهر. مصدر حكومى مسئول كشف ل«روزاليوسف» أن هذا الأطلس المائي، هو أولى خطوات إعادة توزيع حصص مياه النيل، وفقا لاتفاقية عنتيبى التى وقعت عليها 6 من دول الحوض فى 2010 وتسعى لإدخالها حيز التنفيذ، رغم معارضة مصر والسودان والكونغو لها، ولفت ذات المصدر إلى أن هناك مفوضية جديدة لشئون النيل ستنشأ بناء على الاتفاقية، وستتولى إعادة تقسيم مياه النيل، وهو ما جعل دول المنبع تطلق الأطلس المائى الذى يحدد سكان منطقة حوض النيل، لتقاسم المياه بينها، بينما خروج سيناء من المنطقة يهضم حقوق سكانها فى الشرب من مياه النيل أو أى حقوق تنموية أخري. ووفقا للمصدر فإن إثيوبيا كانت قد تقدمت بشكوى للأمم المتحدة سابقا، تشكو من التوسعات الزراعية بسيناء وتوشكى على مياه النيل، إذ تعتبر أديس أبابا منطقة سيناء ليست ضمن منطقة حوض النيل وأنها جزء من قارة آسيا ولا يحق لمصر مد ترعة السلام بها، باعتبارها مخالفة للقانون الدولى بنقل مياه النيل إلى خارج حوضه، بل إلى قارة أخري. المصدر أشار أيضا إلى أن وزير الموارد المائية والرى الدكتور محمد عبدالعاطى الذى كان مشاركا بالاجتماع مع وفد رفيع المستوى من مصر، وفوجئ بالأمر بينما كان موقفه فى غاية الصعوبة نظرا لمشاركته كمراقب فقط، بسبب قرار مصر السابق منذ 2010 بتجميد عضويتها بالمبادرة، وعدم المشاركة فى أى أنشطة لها، منوها بأنه تم رفع تقرير بالأمر لرئيس الوزراء والقيادة السياسية، لسرعة اتخاذ الإجراءات المناسبة. وعقب عودته من الاجتماع مباشرة، كلف وزير الري، قطاع مياه النيل بالوزارة، بسرعة الدراسة والمراجعة الفنية الدقيقة لنسخة الأطلس التى تم توزيعها على وزراء المياه بدول حوض النيل بعنتيبي، لتحديد الملاحظات المصرية على الأطلس تمهيدًا لإرسالها إلى المبادرة، التى لم تقر الخريطة بشكل نهائي. من جانبه، قال وليد حقيقى المتحدث الرسمى لوزارة الموارد المائية والرى ل«روزاليوسف» إن الأطلس لم يحذف سيناء من الحدود المصرية كما أشيع، ولكنه اعتبر سيناء خارج حدود منطقة حوض النيل، وهو ما حدث مع جميع الدول، حيث خرجت أجزاء كبيرة من دولة إثيوبيا نفسها، عن حدود منطقة حوض النيل، لكنها دخلت فى أحواض مياه أخري. ووفقا للمتحدث الرسمى باسم وزارة الري، فإن اللجنة المشكلة لإعداد الملاحظات المصرية على خريطة الأطلس المائي، جمعت عددا من الخرائط التى تثبت أن سيناء جزء من منطقة حوض النيل. ويؤكد حقيقى أن هيئة المساحة المصرية، تمتلك خرائط قديمة جدا، توضح أن نهر النيل كان يصل إلى سيناء، بفرع أطلق عليه «البيلوزي»، نسبة إلى بلدة بيلزيوم فى سيناء، وهذا الفرع اختفى واندثر مثله مثل 4 أفرع أخرى للنيل، لافتا إلى أن مصر تسعى لإعداد دراسة متكاملة بشأنه، والتقدم بمذكرة اعتراض رسمية لمبادرة حوض النيل. وحول عدم قدرة مصر على الاعتراض على الأطلس، لتجميد عضويتها بمبادرة حوض النيل، علق المتحدث باسم الري، بأن مصر حاليا تشارك فقط بالحضور كمراقب فى بعض اجتماعات المبادرة، ولكن من حقها أن تبدى اعتراضها على أى قرارات لدول الحوض، تمس حقوقها المائية. ويعتبر الدكتور هيثم عوض، رئيس قسم الرى وهيدروليكا المياه بجامعة الإسكندرية، أن هذا التصرف الإثيوبى الأخير، بالضغط على دول منابع النيل من أجل إخراج سيناء من خريطة أطلس النيل، دون إبلاغ مصر، يعد خرقا لاتفاقية المبادئ، وبصفة خاصة بند دعم أواصر الثقة، وكذا البند المتعلق بتبادل المعلومات، لأن هذا التصرف فى هذا التوقيت بالذات، يعد نوعا من هز الثقة المتبادلة بين البلدين، ولا سيما أنه يأتى قبل أيام من توقيع عقد استشارات دراسات سد النهضة الإثيوبي. وبدوره تحدث الدكتور خالد وصيف، خبير الموارد المائية ل«روزاليوسف» عن دور المؤلفات التاريخية فى إثبات وقوع سيناء ضمن منطقة حوض النيل، مؤكدا أن المؤرخ اليونانى هيرودوت، الذى عشق الحضارة المصرية ووضع فيها مؤلفات فى القرن الخامس قبل الميلاد، تحدث عن 5 أفرع لنهر النيل، من بينها الفرع البيلوزى الذى جرى فى أراضى سيناء منذ 7 آلاف سنة. ويضيف وصيف أنه «من المهم العودة إلى عمدة كتب الجغرافيا السياسية فى تاريخنا الحديث، وأعنى كتاب شخصية مصر للراحل جمال حمدان، الذى أفرد مساحات واسعة لقصة النيل وفروعه ودلتاه، ويقول إن فروع الدلتا تعرضت لعملية اختزال إلى عدد أقل من الفروع الأعمق والأوسع، فانقرض بعضها وأهمل البعض الآخر، أو ردم». على صعيد آخر، فإن نواب البرلمان تعاملوا مع الأزمة الأخيرة بشأن استقطاع سيناء من خريطة حوض النيل، بطريقة «ودن من طين وودن من عجين»، بينما كان هناك موقف للجنة الشئون العربية، على استحياء، حيث اعتبر اللواء سعد الجمال رئيس اللجنة ورئيس ائتلاف «دعم مصر»، أن زيارة رئيس وزراء إسرائيل لقلب إفريقيا، تخالف معاهدة السلام التى عقدتها تل أبيب مع القاهرة منذ عشرات السنوات، وقال إن حديث نتنياهو لزعماء الدول الإفريقية، بشأن تقاربه معهم وسعيه لتحريرهم ودعمهم على جميع المستويات، مثير للدهشة، خاصة أنه تناسى أنه يمثل دولة محتلة، واستطرد: «إسرائيل تسعى للتواصل مع دول إفريقيا على حساب مصر». وتعقيبا على زيارة وزير الخارجية السفير سامح شكرى، لإسرائيل، قال الجمال إنها جاءت تلبية لنداء الرئيس عبدالفتاح السيسي، بشأن السلام بين فلسطين وإسرائيل، وأوضح أنه تمنى أن يوجه شكرى لنتنياهو سؤالا بشأن تحركاته فى إفريقيا، ويلفت انتباهه إلى أنها مخالفة لمعاهدة السلام، وتعد مساسًا بحقوق المصريين فى مياه النيل.