مصرع 3 أشقاء ونجل أحدهم في معركة على قطعة أرض بأسيوط    ارتفاع الناتج الصناعي لكوريا الجنوبية في أغسطس لأول مرة في 4 شهور    الاحتلال يستهدف العاصمة اللبنانية بيروت    البيت الأبيض: قمنا بتأمين قوات طوارئ إضافية في الشرق الأوسط    الحوثيون باليمن: مقتل وإصابة 37شخصا في قصف إسرائيلي بالحديدة    كولر يرفض تعيين مديراً للكرة بالنادي الأهلي بعد رحيل خالد بيبو    ناصر ماهر: ربنا عوضني وكرمني بنادي الزمالك.. والسوبر الأفريقي أغلى بطولة    أستاذ اقتصاد: بعض حراس العقارات يتجاوز راتبهم 10 آلاف جنيه ويطالبون بالدعم    «شغلوا الكشافات».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الاثنين: 4 ظواهر جوية مؤثرة    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    لبنان: استشهاد 53 شخصا وإصابة العشرات في أحدث الهجمات الإسرائيلية    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 30-9-2024 مع بداية التعاملات    «لو كنتب موجود مكنش هياخد هداف الدوري».. سيف الجزيري يتحدى وسام أبوعلى    بعد الهزيمة أمام الزمالك.. 4 أسماء مرشحة لمنصب مدير الكرة ب النادي الأهلي    شراكة استراتيجية مع «الصحة العالمية» لتعزيز نظام الرقابة على الأدوية في مصر    محمد أسامة: جوميز من أفضل المدربين الذين مروا على الزمالك.. والونش سيعود قريبًا    موعد مباريات اليوم الإثنين 30 سبتمبر 2024.. إنفوجراف    نقيب الفلاحين: الطماطم ب 50جنيها.. واللي يشتريها ب "أكثر من كدا غلطان"    التعليم تزف بشرى سارة ل "معلمي الحصة"    إصابه 4 أشخاص إثر اصطدام دراجتين ناريتين في المنوفية    العثور على جثة حارس مهشم الرأس في أرض زراعية بالبحيرة    أحلام هاني فرحات بين القاهرة ولندن    10 تغييرات في نمط الحياة لتجعل قلبك أقوى    5 علامات للتعرف على نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم    مستقبل وطن البحيرة يطلق مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار    السعودية تعرب عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع الأمنية في لبنان    أسعار شقق جنة مصر المنصورة الجديدة.. التفاصيل كاملة    سعر استمارة الرقم القومي يصل ل 800 جنيه.. إجراءات جديدة لاستخراج البطاقة في دقائق    انطلاق أولى ندوات صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    من خلال برنامج القائد| 300 ألف يورو لاستكمال المركز الثقافي بالقسطنطينية    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    المفتي: الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    صالون التنسيقية يفتح نقاشا موسعا حول ملف التحول إلى الدعم النقدي    طبيب الزمالك يكشف آخر تطورات علاج أحمد حمدي    مكون في مطبخك يقوي المناعة ضد البرد.. واظبي عليه في الشتاء    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الفرح بقى جنازة، مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم جنوب الأقصر    السفيرة الأمريكية لدى مصر تشارك في فعاليات برنامج "هى الفنون" بالقاهرة    نابولي يفوز على مونزا 0/2 ويتصدر الدوري الإيطالي مؤقتا    محافظ جنوب سيناء: 15% زيادة متوقعة بحجم الإقبال السياحي في أكتوبر ونوفمبر المقبلين    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    زوج أمام محكمة الأسرة: «كوافير مراتي سبب خراب البيت» (تفاصيل)    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    تامر عبدالمنعم بعد رئاسة "الفنون الشعبية": طالما لدي شباك تذاكر فالمسرح يهدف للربح    4 شهداء ومصابون في قصف للاحتلال وسط وجنوب قطاع غزة    فصائل عراقية مسلحة تعلن تنفيذ هجوم على هدفين في إسرائيل    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شمعة «نور» على شاشات الإبداع

لم يكن يخطر فى بالي أبدا أنه سيأتي يوم أكتب فيه عن رحيل صديق العمر الفنان الذي لا عوض عنه نور الشريف. ربما كان السبب الذي ملأني بهذا الإحساس لأنني أكبر منه بسبع سنوات وأنني أيضا كنت دائما أراه أمامي شابا يمتلئ حيوية ونضارة حتي عندما اشتعل رأسه شيبا. فعندما كان يتحدث كنت أحب أن أسمع حديثه الذي يبدو دائما متحمسا متوهج الفكر، كانت الابتسامة قلما تفارق شفتيه، حاضر البديهة في دعابته، محبا للحياة، واثق النفس ويتطلع دوما إلي الغد حيث يأتي الجديد. ولكن الإنسان يقف عاجزا أمام القدر الغاشم عندما يداهم ضحيته فجأة بالمرض اللعين فلا يملك أمام وحشيته سوي الاستسلام لقضاء الله.
ترجع معرفتي الوثيقة بمحمد جابر محمد عبدالله وشهرته نور الشريف إلي أكثر من أربعين عاما من منتصف الستينيات تقريبا حيث كان يسكن بالقرب مني عندما كنت أقيم مع عائلتي في بركة الفيل في السيدة زينب. وفي الحقيقة بدأت هذه الجيرة قبل ذلك عندما كان يسكن محمد جابر أو نور الشريف في شارع جامع أزبك وكنت أسكن أنا الآخر في أول هذا الشارع من ناحية بركة الفيل ، أذكر أن والده أو عمه لا أتذكر بالضبط كان يملك داكاناً صغيراً لبيع الجاز وبعض أصناف البقالة. وبعد وفاة أبيه ثم عمه انتقل ليعيش مع شقيقته في عمارة صغيرة بيضاء اللون مازالت موجودة حتي الآن خلف دار عرض سينما الهلال الصيفية في حي السيدة زينب. ثم انتقلت أنا أيضا مع عائلتي إلي عمارة تتوسط حي بركة الفيل حيث كان يسكن بالقرب منى النجوم عبدالمنعم إبراهيم وعزت العلايلى وفريد شوقي وعبدالحليم حافظ والدكتور فوزي فهمي.
كان أخي الأصغر طالبا في معهد الفنون المسرحية بقسم النقد في الوقت الذي كان نور الشريف يسبقه بعام وفي السنة النهائية بالمعهد وهو لم يكن يبلغ العشرين من عمره.. وكان نور صديقا للمخرج عبداللطيف زكي الذي كان هو الآخر في ذلك الوقت طالبا في معهد السينما وكان نور الشريف يتردد علي عبداللطيف زكي الذي كان يسكن في الشقة المجاورة لشقتنا.
ومن هنا كنت أقابله أحيانا. كان نور الشريف يحرص علي الحديث معي، حيث كنت أعمل في ذلك الوقت في الشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائي في قسم القراءة والسيناريو وكان المخرج الكبير صلاح أبو سيف رئيسا لتلك الشركة. كان الشاب القصير الضامر الجسد المتألق العينين يحاول أن يتقرب إلي صحبتي من أجل أن يعرف أخبار الأفلام التي تقوم الشركة بإنتاجها وأخبار النجوم.
وكانت مفاجأة وفرحة لي عندما اشترك نور الشريف في أحد الأفلام المهمة التي أنتجتها الشركة وهي فيلم (قصر الشوق) من إخراج حسن الإمام في دور كمال في الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ.
وربما كانت هذه البداية هي التي جعلته يهتم بأدب نجيب محفوظ ويحرص على قراءة كل ما كتب إلا أنني اكتشفت أثناء مخالطتي له في بداية صداقتنا شغفه الكبير بالقراءة حتي أنني عندما كنت أسأل عن بعض الكتب التي كنت قرأتها وهل قرأها فأجده قد التهم أكثرها فأناقشه فيها ويناقشني هو الآخر فيها.
وقد لفت نور الشريف أنظار المخرج محمد فاضل والكاتبين عاصم توفيق ومصطفي كامل عندما كانوا يعدون لمسلسل (القاهرة والناس) فأسندوا دور (عادل) إلي نور الشريف وهو أحد الأدوار المهمة، فكان في كل حلقة يلفت النظر بموهبته وأدائه المتميز، وأصبح نور الشريف من خلال هذا المسلسل نجما صغيرا يحيطه الناس بلهفتهم علي مشاهدته وحبهم الشديد لما يقوم به.
ظل نور الشريف يداوم علي القراءة وطرح القضايا الفنية والسياسية وإيمانه الشديد بعبدالناصر، ورغم معرفته بكراهيتي لعبدالناصر إلا أن ذلك لم يبعد ما بينى وبينه في يوم من الأيام. كان يجيد الاستماع ويتروى في التفكير وكانت ثقافته تساعده علي توضيح رأيه. ولم أجد هذا النوع من الممثلين طوال حياتى في الوسط الفني سوي مع محمود مرسي الذي كان يتمتع هو الآخر بثقافة عالية شاملة.
ظل نور الشريف يعمل في السينما في بداية حياته لمدة عشر سنوات ، ولكني لم أكن معجبا بما كان يقدمه في ذلك الوقت إلا بالقليل من هذه الأفلام مثل (بئر الحرمان) و(السراب) و(زوجتي والكلب) و(دمي ودموعي وابتسامتي). وربما كان هذا العدد الكبير من الأفلام متوسطة أو قليلة القيمة رغبة منه في الانتشار أو يعمل في أفلام مهمة رغم أن أدواره فيها صغيرة وتبتعد عن البطولة، ولكنه وفقا لذكائه الفني وثقافته كان يدرك أهمية أفلام مثل فيلم (زوجتي والكلب) وهو أول فيلم روائي طويل للمخرج (سعيد مرزوق) وفيلم (دمي ودموعي وابتسامتي) للمخرج حسين كمال الذي كان نور الشريف يعشقه ويتمني العمل معه دائما حتي أنه أنتج له فيلم (حبيبي دائما) وهو فيلم مأخوذ عن الفيلم الأمريكي الشهير (قصة حب).
كانت بداية نور الشريف للعمل في فيلم قمت بكتابته هو فيلم (مع سبق الإصرار) من إخراج اشرف فهمي في عام 7891 ، كان المرشح في البداية هو فريد شوقي في دور الرجل الريفي الذي خانته زوجته مع صديقه أو بمعني أدق مع واحد من أصدقائه فأخذ يبحث عن هذا الصديق وعندما تأكد أنه هو أخذ يطارده من أجل أن يعترف له بالحقيقة. كان هذا الدور يستغرق ستة وثلاثين مشهدا من السيناريو الذي يبلغ مائة وعشرين مشهدا ويقوم محمود يس بتمثيل الجزء الأكبر منها. وحيث كانت زوجة مصيلحي شابة صغيرة فكان أن اخترنا فريد شوقي للقيام بهذا الدور ولم نكن قد اتصلنا به. واستولت علي فكرة أو اقتراح أو ترشيح آخر وهو أن يقدم نور الشريف هذا الدور. وبرقت عينا اشرف فهمي وسرعان ما تحمس لهذا الاقتراح ، ولكن ما لبث أن ساورني القلق لصغر الدور، وكان نور الشريف في ذلك الوقت يقوم ببطولة الأفلام بمفرده ، ولكن أشرف فهمي صمم علي المحاولة وقام بإرسال السيناريو إلي نور الشريف. وفي اليوم التالي علي الفور أخبرنا نور الشريف بموافقته علي القيام بدور مصيلحي وأنه لا يمانع إذا ما أضفنا مشاهد أخري لدور محمود يس ولكن بشرط ألا نقترب من الست والثلاثين مشهداً المكتوبين لدوره. وفي الحقيقة لم نكن في حاجة إلي إضافة أي شيء أو حذف أي شيء.
فوجئ محمود يس بنور الشريف في دور مصيلحي وذلك في أول يوم للتصوير بعد أن كان يظن أنه فريد شوقي. وكاد أن يتراجع محمود يس عن العمل في الفيلم ، ولكن المخرج أشرف فهمي استطاع أن يقنعه بالعدول عن ذلك ولست أعلم حتي الآن ما الذي دار بين أشرف فهمي ومحمود يس.
حصل نور الشريف في فيلم (مع سبق الإصرار) علي جميع الجوائز السينمائية التي كانت تمنح في ذلك الوقت وكذلك حصلت أنا علي كل جوائز السيناريو. وسافر الفيلم للاشتراك في مهرجان مونتريال بكندا وأثناء وجودنا هناك قام الملحق الثقافي في سفارتنا في واشنطن محمد غنيم بالاتصال بنا حيث أخبرنا بأن السفير محمد شفيق غربال يدعونا للسفر إلي واشنطن لعرض الفيلم هناك وبالفعل سافرنا وتم عرض الفيلم في أكبر قاعة عرض رسمية في واشنطن وذلك للمصريين وكثير من الأمريكيين، وأبدي الجميع إعجابهم بعبقرية تمثيل نور الشريف لدور مصيلحي.
كان الفيلم الثاني الذي قمت بكتابته لنور الشريف هو فيلم (الحب وحده لا يكفي) وكان علي ما أظن باكورة إنتاج (شركة فينوس) التي يمتلكها المنتج الصديق محسن علم الدين.
كتب هذا الفيلم في البداية عن رواية للصديق الأديب أحمد فريد السيناريست أحمد عبدالوهاب.
ولكن نورالشريف لم يعجبه السيناريو واشترط لكي يعمل في هذا الفيلم أن أقوم بكتابة السيناريو والحوار ولم أوافق في البداية ، ولكن محسن علم الدين والمخرج علي عبدالخالق أخبراني بألا أقف في طريق إنتاج هذا الفيلم وأنهما سوف يستأذنان من السيناريست أحمد عبدالوهاب ودفع مستحقاته المادية فاضطررت أن أوافق وقمت بإعادة كتابة السيناريو وقابل الفيلم نجاحا كبيرا علي المستوي الجماهيري والنقدي وجري ترشيحه لمهرجان طشقند.
توالت كتابتى بعد ذلك لعدد كبير من الأفلام التي قام ببطولتها نور الشريف أذكر منها أهل القمة وعندما يبكي الرجال ويا رب توبة وانحراف والسكاكيني وصمة عار(وهو إعادة لفيلم الطريق) والوحل وعنبر الموت وغيرها من الأفلام التي لقيت نجاحاً كبيراً.
يتميز نور الشريف بدراسته لكل مدارس التمثيل ولكنه ابتعد عن مدرسة الاندماج وقد أيدني في إحدي المناقشات بأن الاندماج جنون.. فقد مارس منهج الاحتراف الذي يري بأن علي الممثل أن يكون واعيا لكل ما يفعله أثناء أداء الدور ويستطيع أن يقيس الانفعال ويحدد مداه وذلك اثناء البروفات وذلك بعد دراسة أبعاد الشخصية دراسة دقيقة وإضافة اللوازم في الحركة والكلام بحيث.
عندما بدأت كتابة المسلسلات التاريخية أو بمعنى آخر مسلسلات تاريخ الإسلام اخترت الجانب الفكرى فبدأت بمسلسل «ابن سينا» الذى أخرجه سيد مرزوق لتليفزيون الكويت وقام بدور ابن سينا نجم النجوم محمود يس فأضاف الكثير للشخصية بأدائه الرائع. ثم كتبت بعد ذلك مسلسل «ابن خلدون» رائد علم الاجتماع واخترت له نور الشريف الذى تحمس كثيرا لهذا المسلسل وشكرنى لاختيارى له لأداء دور هذا المفكر العظيم. وقام بإخراجه فى البداية إبراهيم الصحن ثم اعتذر لسابق ارتباطه بمسلسل آخر فاختار نور الشريف زميله فى الدراسة فى معهد الفنون المسرحية المخرج محمد عبدالسلام، وكان نور الشريف يعلم مدى إعجابى وتقديرى لمحمود يس فى أداء شخصية ابن سينا فإذا بى أفاجأ بأداء أكثر من رائع لنور الشريف فى قيامه بشخصية ابن خلدون. ولكن هذا المسلسل لم توافق الرقابة للأسف على عرضه فى مصر لأنه ينتقد نظم الحكم وينطق أحد الآسفين على حكام مصر بأن مصر منكوبة بحكامها. والغريب أن المسلسل جرى عرضه فى كل البلدان العربية التى كانت منكوبة هى الأخرى بحكامها أكثر من مصر ولكن الرقابة الحمقاء منعت عرض المسلسل.
وفى منتصف التسعينيات تقريبا قمت بكتابة مسلسل عن قصة لإحسان عبدالقدوس بعنوان «لن أعيش فى جلباب أبى». واخترت أنا والمخرج أحمد توفيق بأن يقوم نور الشريف بدور البطولة واخترت له اسم عبدالغفور البرعى، حيث لم يذكر إحسان عبدالقدوس اسما له فى القصة واكتفى بأنه الأب. أرسلنا لنور الشريف ملخصا للقصة فإذا به يتصل بى ويخبرنى بأنه لم يجد لنفسه دورا. فطلبت منه أن ينتظر حتى أقوم بكتابة معالجة وثلاث حلقات. وبالفعل أرسلت له المعالجة وثلاث حلقات وبعد يومين قام بالاتصال بى وأخبرنى فى حماس بأنه معنا.
كان نور الشريف يقرأ بعد ذلك كل حلقة انتهى من كتابتها ومعه المخرج أحمد توفيق. وكانت الملاحظات طفيفة والإعجاب كبيرا.
اختار المخرج الممثلة عبلة كامل ولكن لم أكن متحمسا لها فلم أكن شاهدت لها حتى تلك اللحظة عملا متميزا، ولكن بعد أن شاهدتها فى الحلقات أيقنت أنها بالفعل أفضل من تقوم بهذا الدور.
كنت أعتقد بينى وبين نفسى بعد أن انتهيت من كتابة حلقات مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» أنه مسلسل عادى مثل بقية المسلسلات التى يعرضها التليفزيون. لم أكن أظنه يعتبر فتحاً جديداً فى عالم الدراما التليفزيونية ولم أعتقد أنه سوف يقلب الأمور رأسا على عقب ويزلزل عروش كتاب الدراما التليفزيونية، حيث قدم نور الشريف أداء مبهرا فى دور الحاج عبدالغفور البرعى نال إعجاب أهل مصر وأهالى الدول العربية جميعها وأثار الأحقاد والغيرة من أهل الدراما السائدة وتربع نور الشريف على عرش الدراما التليفزيونية منذ تلك الواقعة.
أيقظنى نور الشريف ليخبرنى بعد فترة قصيرة من مسلسل جلباب أبى بأنه يبحث عن موضوع جديد وطلب منى بالبدء فى الكتابة وأن أختار المنتج الذى أريده.
أعطيت الموضوع لصديقى المنتج ممدوح يوسف فتقدم على الفور بالموضوع إلى قطاع الإنتاج، حيث كان يتولى رئاسته فى ذلك الوقت مدحت زكى وعلى الفور وافق مدحت زكى على المشروع بعناصره واعترض فى بادئ الأمر على المخرج محمد النقلى الذى كنت وعدته بإخراج هذا المسلسل «عائلة الحاج متولى» فقد كان مدحت يرى أن المسلسل أكبر من النقلى ويحتاج إلى مخرج متمرس ولكنى أصريت أن يقوم محمد النقلى بالإخراج ووقف نور الشريف إلى جوارى فى هذا الأمر.
ذهبت أنا ونور الشريف وممدوح يوسف ومدحت زكى وقابلنا صفوت الشريف وزير الإعلام فى ذلك الوقت وعرضنا عليه المشروع فوافق الرجل على الفور وتمنى له التوفيق.
بصراحة شديدة كنت أظن أننى لن أكتب مسلسلا آخر سوف يلقى نجاحا مثل الذى لقيه مسلسل لن أعيش فى جلباب أبى، فقد حقق لى هذا المسلسل شهرة لم أكن أحلم بها ولم أكن أتوقع لمسلسل «عائلة الحاج متولى» سوى نجاحا معقولا، خاصة أنه لم يتعبنى فى كتابته أو ربما متعة كتابته هونت على نفسى التعب. ولكن ما حدث خلال وبعد عرض المسلسل يفوق كل توقع من جانبى ومن جانب نور الشريف ولم نكن نتخيل أبدا أن يحقق نصف هذا النجاح وأقل ما يقال عن نجاح هذا المسلسل أنه أقام الدنيا ولم يقعدها حتى الآن وقضى على شهرة أى مسلسل منذ بداية المسلسلات التليفزيونية حتى وقتنا هذا فكان بل ومازال يمثل عصا موسى التى ألقاها فابتلعت جميع الحيات.
وكان المسلسل الرابع الذى كتبته لنور الشريف هو مسلسل «العطار والسبع بنات» حيث يقوم فيه بدورين مختلفين وهما دور الأب التاجر المتصوف ودور الابن وهو مسلسل فى رأيى أكبر قيمة من مسلسل «عائلة الحاج متولى» ثم أعقبته بمسلسل «عيش أيامك» الذى يعالج قضية مهمة وهى الفتور الذى يعترى الزوج بعد سن الخمسين ويصل إلى مرحلة مراهقة متأخرة. والغريب فى الأمر أننى فوجئت بعد عرض المسلسل بفيلم أمريكى بعنوان «كل سنرقص» من بطولة ريتشارد جير يعالج نفس الموضوع قريب منه جدا فأدركت أن توارد الخواطر بين المؤلفين حقيقة لاتقبل الشك.
قام نور الشريف بطل هذه الشخصيات المتنوعة فى الخمسة مسلسلات التى كتبتها له باقتدار لايفوقه أى اقتدار وأصبح أداؤه لها بمثابة دروس مهمة فى فن التمثيل يجب تدريسه فى المعاهد الفنية.
كان الاتفاق بينى وبين نور الشريف على أن أكتب له مسلسلا مأخوذا من رواية «الإخوة كرامازوف» للكاتب الروسى العظيم دوستويفسكى وتحمس المنتج محمد فوزى لذلك. وبالفعل تعاقدنا وقمت بالكتابة واخترت للمسلسل عنوان «أولاد منصور التهامى» وفى أثناء الكتابة تسلل المرض اللعين إلى جسد نور الشريف، ولكن هذا لم يمنعه من مواصلة الجلسات بيننا ومناقشة الحلقات وإصراره على أن أنتهى من الحلقات. وبالفعل انتهيت من كتابة الحلقات والأمل يحدونى على أن يتغلب نور على محنته ويقهر المرض ولكنى كنت أراه يزوى أمامى وبدأت صورته التى كانت تتمثل أمامى دائما تتغير فبعد أن كنت أراه شابا يمتلئ حيوية ونضارة حتى عندما اشتعل رأسه شيبا فإذا بالمرض اللعين يتوغل فى افتراسه ولم يتركه سوى حطاما، ولكن الغريب أننى رغم كل هذا كنت أحب أن أسمع حديثه الذى يبدو دائما متوهج الفكر ويشير إلى حبه للحياة والتطلع دائما إلى الغد، حيث يأتى الجديد. ولكن ماذا نقول وإرادة الله فوق فى كل شىء.
رحل عنا نور الشريف بجسده ولكنه ترك لنا ما سوف يذكرنا به دائما وجعله شمعة تضىء من التمثيل فى السينما والمسرح والدراما التليفزيونية.∎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.