يبدو أن إيران التى تحاول تحقيق أطماعها التوسعية تعتمد فى سياستها فى محاولة منها لاستعادة دولة الفرس الكبرى على استراتيجيات متعددة ومخادعة ليس من بينها المواجهة المباشرة، سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» الذراع العسكرية للقاعدة، والممول من إيران على مدينة الموصل ثانى أكبر المدن العراقية إلا أكبر دليل على أن الدولة الصفوية عازمة على تحقيق أهدافها مستغلة حالة الوهن والضعف التى استشرت فى المشرق العربى، وفشل المشروع التركى فى إحياء دولة الخلافة بعد سقوط الإخوان فى مصر المهمومة بترتيب أولوياتها، والمشغولة بتلمس طريقها بعد تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسى الأسبوع الماضى. لاشك أن إيران من خلال عملائها، وحلفائها، وتنظيماتها التى صنعتها فى المنطقة من حزب الله فى لبنان، و داعش فى سورياوالعراق، إلى دامس فى بلاد الجزائر والمغرب، وغيرها من التنظيمات العنقودية اللامتناهية تريد أن تحكم الخناق وتطبق على دول الخليج العربى، وتستأثر بالعراق ونفطه بعد أن مهدت لها أمريكا الأوضاع فى بغداد، وتستخدم إيران فى تنفيذ مخططاتها نظرية الأوانى المستطرقة للضغط على دول الخليج العربية بكل السبل والوسائل.
وكأن قدر دول الخليج العربية خصوصا المملكة والإمارات والكويت أن تظل فى حالة من التأهب لصد الأطماع الإيرانية التوسعية المستمرة، لكن السؤال الذى يفرض نفسه، هل مايحدث فى المنطقة يتم بعيدا عن الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ الإجابة بالتأكيد هى لا، فأمريكا التى منيت بهزيمة سياسية مروعة فى مصر تريد العودة الى المنطقة من جديد من خلال البوابة العراقية، أمريكا التى تريد أن تحكم العالم لقرن من الزمان كما قال جورج بوش الأب أثناء زيارته لجنوده فى منطقة حفر الباطن (شرق السعودية)عام 1991إبان الاستعداد لحرب تحرير الكويت، تدرك ان مصر هى بوابة انهيار الامبراطوريات، ومقبرة الدول العظمى، لقد فعلتها مصر مرات ومرات عبر التاريخ، مع فرنسا وعودة نابليون بونابرت مهزوما مدحورا فى نهايات القرن الثامن عشر، وبريطانيا العظمى التى أفل نجمها بعد حرب 1956م، والاتحاد السوفييتى الذى انتهى وتفتت وتشرذمت دوله بعدما طرد الرئيس السادات الخبراء الروس فى سبعينيات القرن الماضى وحول بوصلته الى الغرب إيذانا ببدء عصر جديد تفردت به الولاياتالمتحدةالأمريكية بقيادة العالم، والآن تخشى أمريكا من اللعنة المصرية فهى تحاول جاهدة أن تضع لها موطئ قدم من جديد بعدما تعرت سياساتها وانكشفت أمام كل دول المنطقة، لقد فقدت أمريكا حلفاءها التقليديين فى المنطقة وباتت تعتمد فى سياساتها على تنظيمات إرهابية متطرفة بغرض تغيير هوية المنطقة وبنيتها السكانية والجغرافية.
أمريكا، إيران، إسرائيل، تركيا، الجماعات الدينية المتطرفة حلف يعاود التشكل من جديد بعدما هزمته الإرادة المصرية فى 30يونيو الماضى، أمريكا التى تتوارى وبدأت فى الانزواء بحكم قانون انهيار الإمبراطوريات الذى يقضى بألا يمتد عمر إمبراطورية اكثر من سابقتها، وإيران التى تحاول إحياء إمبراطورية فارس، وتركيا التى فقدت حلم الخلافة، والمزاعم الإسرائيلية التاريخية فى دولة تمتد من النيل إلى الفرات، والجماعات الدينية المتطرفة وأحلام القفز إلى السلطة، كلها تناقضات واجتمعت فى ظرف تاريخى ضد العالم العربى بغرض السطو على تركته، والاستئثار بثرواته، ونهب مقدراته، فهل يترك العرب أنفسهم ليكونوا فريسة سهلة للمتربصين بهم من خلف الحدود، أو القادمين من وراء المحيط؟ يبدو أن الأمر لن يكون سهلا فالعرب اليوم بعد عودة الاستقرار لمصر أكثر ثقة، واطمئنانا، وأمنا، وأشد صلابة، فدول الخليج لديها الثقة الكاملة فى أن مصر هى السند والظهير والعون، وأن الجيش العربى المصرى على بعد (مسافة السكة) حسب تعبير السيسى للدفاع عن الأرض العربية ضد الأطماع الإيرانية، والهوس الدينى الذى تستخدمه أمريكا لتنفيذ استراتيجياتها المعلنة فى المنطقة، فمصر والسعودية والإمارات والكويت حلف عربى أكثر قدرة وقوة ومناعة وحصانة من حلف المتناقضات والأطماع، فالحلف العربى لديه مقومات جامعة، وعناصر قوة هائلة تجمع بين القدرات العسكرية والاقتصادية، والبشرية، والاستراتيجية التى لن تستطيع أية قوة معادية مواجهتها، يدرك العرب وأعداؤهم كل على طريقته أن زمن التفكك العربى قد ولى وبلا رجعة، وأن العرب اكثر إدراكا الآن من هو العدو، ومن هو الصديق، وأن أمريكا التى تتهاوى لم تعد ترعب أحدا، وأن الزمن العربى آت رغم كيد الأعداء وخيانات جماعات الإرهاب.