كان الأسبوع الماضي عصيباً على الرجل.. مؤلما.. موجعا.. يقطر بخيبة أمل ، وإن كابر وعاند!.. فضابط الاستخبارات الأمريكي، الذي كان الربط بين «الولاياتالمتحدة» وقوى «الإسلام السياسي» في الشرق الأوسط، هو ثمرة تحليلاته و(حلم عمره).. بدأت تتسلل إليه مشاعر الإحباط، واليأس! فعلى مدار 13 عاما- مثلت الفارق الزمني بين صياغته لأفكاره وتحويلها إلى واقع ملموس - كان أن وضع الرجل «نقطة نهاية الجملة» فى برنامجه الذى أداره داخل ال CIA .. ليكتب مقالا حاد اللغة والتوصيفات- قبل 7 أيام - ب«Asia times» لم يخف خلاله خطأ تقديره فى إمكانية تحول قوى «الإسلام السياسي» فى مصر نحو الديمقراطية!.. لكن كيف بدأت القصة، وكيف يمكن لها أن تنتهى؟! .. ربما، تكشفها السطور التالية. محمد مرسى
1 عقب أحداث 11 سبتمبر مباشرة، كان أن استدعى «البيت الأبيض»، ضابطا كبيرا بالمخابرات الأمريكية و(خبيراً) بشئون الشرق الأوسط و«الإسلام السياسي» هو إيميل نخلة «Emile Nakhlah» لمعرفة موقف العالم الإسلامي من الأحداث.وجاء رد «نخلة»- إجمالاً- كالآتي: (عن أي مجتمع إسلامي تريدوني أن أتحدث يا سادة؟.. هل عن مصر أم السعودية أم إندونسيا أم ماذا؟!.. فالواقع أنه ليس ثمة عالم إسلامي واحد.. هناك أكثر من عالم إسلامي.. وكل منهم يجب أن يتم التعامل معه باستراتيجية مختلفة.. ومن هنا أرى ضرورة الارتباط بالقوى الإسلامية الصاعدة فى هذه البلاد.وكان السؤال الثاني: ولماذا ترى أن هذا الأمر ضروري؟ فتابع نخلة: (أقول لكم يا سادة - ببساطة- لأن هذا يخدم اهتماماتنا القومية.. فنحن لا نرتبط بالعالم الإسلامي لأننا لطفاء، أو أننا نحب المسلمين.. نحن نرتبط بالعالم الإسلامي لأننا نحتاج هذا الارتباط.. فهناك قوى إسلامية صاعدة تؤثر فى مليار ونصف المليار مسلم.. والحقيقة، أننا مستعدون لهذا الارتباط فى الوقت الحالى «عسكريا - اقتصاديا - ثقافيا - تعليميا - تجاريا».. والواقع يقول إننا منغمسون فى هذه البلاد.. فنحن نحارب فى بلدين منها.. ولدينا قواتنا المنتشرة على حدود العشرات من هذه الدول.. ولدينا علاقاتنا الاقتصادية والتجارية معهم.. ومن ثم عليهم أن يدركوا أننا لا نحاربهم، بل نصنع لهم «مشروعاً للنهضة». واهتمامنا بالعالم الإسلامي لا علاقة له بالإسلام، فلا علاقة لنا ب: كم هى عدد الصلوات التى يؤديها المسلم فى اليوم.. ولا كم هى عدد المرات التى يذهب خلالها للجامع.. نحن نهتم فى ال« CIA» بمن يستخدمون «الدين» لتحقيق أهداف سياسية.. سواء أكانوا أحزابا أم جماعات أم تنظيمات.. وسواء أكان ما يفعلونه قانونيا أم «غير قانونى».. فكيف لنا أن نتحدث عن مصر -على سبيل المثال - دون أن نرتبط بالإخوان؟!وكان هذا اللقاء إيذانا ببدء تنامى «البرنامج» الذى كان يديره «نخلة» داخل المخابرات الأمريكية.. حتى إن ضابطا متشددا مثل « Reuel Marc Grechet» تمادى فى الأمر أكثر، وطالب الولاياتالمتحدة - صراحة - بدعم التشدد السني والشيعي، على السواء، فى الشرق الأوسط، إذ إن مستقبل المنطقة- على حد تعبيره- بات مرهونا باليمين الإسلامي.. وهذا اليمين يجب أن يكون الحليف الأمريكي فى الديمقراطية «المحتملة» بالشرق الأوسط! وأردف «ريول»، خلال محاضرة ألقاها فى العام 2005: إذا استولى «الإخوان» على السلطة فى مصر.. فإنهم سيكونون أفضل لأمريكا من نظام مبارك، رغم أنهم من الممكن أن ينقلبوا على الديمقراطية، ويعطلوا انتخاب حكومات تمثل الشعب، إلا أن الولاياتالمتحدة سوف تكون أفضل حالا مع هذا «البديل» مما هى عليه - الآن - فى ظل الديكتاتوريات المدنية!وهو ما يؤشر بقوة إلى أن «الولاياتالمتحدة» لم تكن غافلة بشكل كامل عن احتمالية انقلاب قوى «الإسلام السياسي» على الديمقراطية، إذا ما تحقق الهدف الذى أوصت به أجهزة استخباراتها! 2 قبل تخلى مبارك عن الحكم - بنحو 8 أيام- قال «إيميل نخلة» في حديث أذاعته قناة (روسيا اليوم الإخبارية : (RT أعتقد أن صانعي القرار بالولاياتالمتحدة أدركوا عدم إمكانية الارتباط بالبلاد ذات الأغلبية المسلمة، مثل مصر وباكستان وماليزيا، وحتى تركيا، دون الارتباط بقوى «الإسلام السياسي» بهذه البلدان.. و«الإخوان» فى مصر يمثلون القوى الإسلامية الأكبر.. حتى إن «أوباما» قال بجامعة القاهرة فى العام 2009 إننا لا يمكن أن نتحدث عن بداية جديدة بدون جماعة الإخوان.وفى محاضرة له ألقاها بداية العام - يناير 2013 - بجامعة سانت جونز. قال نخلة: إن أحد الدلائل المهمة التى تضمنها خطاب «أوباما» فى جامعة القاهرة، هو اختياره لمكان الخطاب فى حد ذاته.. فالأجيال الصاعدة فى مصر هى الهدف.. كانت رسالة البيت الأبيض - التى لم يدركها الكثيرون - أن ثمة تغييراً لابد أن يحدث.. فالولاياتالمتحدة سترتبط فى المقام الأول بالمجتمعات الإسلامية، لا الأنظمة الحاكمة للمجتمعات الإسلامية.. وارتباطنا بهذه الأنظمة من أجل موضوعات تتعلق بالأمن القومي بالأساس.. وكأن أوباما أراد القول «إننا تخلينا عن فكرة تصدير الديمقراطية للأنظمة الحاكمة، واستبدلناها بدعم نمو الديمقراطية من داخل هذه المجتمعات نفسها».. وبالتالي لابد ألا يكون ارتباطنا بالنخبة ذات التعليم الغربي، أو التى تجيد التحدث بالإنجليزية.. بل بالقطاع العريض غير جيد التعليم، الذى ربما لا يجيد الإنجليزية على الإطلاق. وإن كان هناك قطاع داخل هذه المجتمعات، التى تشهد نموا لقوى الإسلام السياسي، لا يتفق وسياستنا الخارجية، فلا يعنى هذا ألا نتحدث معهم.فى يناير الماضي، أيضاً.. (كان هذا هو الرد، نفسه، الذى واجه به وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى» الاستجواب الموجه له بالكونجرس من قبل السيناتور «راند باول» عن دعم الولاياتالمتحدة للإخوان، رغم أنها جماعة تحمل أفكارا تمييزية ضد الآخر وغير ديمقراطية ). 3 خلال ال 3 أشهر الماضية - بعد محاضرة «نخلة» واستجواب «كيري» - كانت هناك حالة كبيرة من الجدل داخل المجتمع «السياسي والعسكري» الأمريكي (المخابرات المركزية - البنتاجون - وزارة الخارجية - المراكز البحثية - المطبوعات الصحفية)، حول استمرار دعم الولاياتالمتحدة للإخوان.. وبدت الصورة لمتابعي الموقف الأمريكي، كأن هناك حالة مستعصية من ''المخاض'' تتطلب تدخلا جراحيا مع شركاء الحكم فى القاهرة! ففى ظل إخفاقات سياسية واقتصادية متنوعة، أشّرت خلالها أغلب التقارير الرسمية والأوراق البحثية نحو أن ثمة خطأ فى المعادلة بين «البيت الأبيض» والإخوان فى مصر.. كتب «روبرت كاجان» الباحث بمؤسسة بروكينجز «Brookings Institution تحليلا ب«واشنطن بوست» قال فيه: إن الولاياتالمتحدة فى حاجة إلى أن تظهر نوعا من «الحب الخشن» لمصر.. وأن إدارة أوباما تعاملت مع الأزمة فى مصر كأنها مشكلة اقتصادية في المقام الأول.. وحثت القاهرة على التحرك بسرعة لتلبية مطالب صندوق النقد الدولي، للحصول على القرض.. لكن ليس هناك فصل بين الأزمة الاقتصادية في مصر وأزمتها السياسية.. ففى ظل إخفاقات الحكومة الحالية، لبناء عملية سياسية شاملة، لا يمكن لأي قدر من التمويل لصندوق النقد الدولي أن يحدث فرقاً. وبدا البديل على أرض الواقع بالنسبة لبعض الباحثين، هو إعادة إلقاء الكرة فى ملعب القوات المسلحة من جديد، خاصة أن 82٪ من المصريين مع عودة الجيش إلى السلطة - بحسب مقال الباحث بمعهد واشنطن «إريك تراجر» فى «ذى أتلانتك» - إذ يري تراجر، بالدراسة التى أعدها أثناء وجوده بمصر، أن هذه الدعوات ليست جديدة.. فمنذ الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في 22 نوفمبر، والذي منح فيه لنفسه صلاحيات واسعة، كان أن طالب النشطاء «غير الإسلاميين» بإنهاء حكم «الإخوان».. ثم زاد الدعم العام لاستيلاء الجيش من جديد على السلطة بشكل كبير بعد 5 ديسمبر، عندما استخدمت «الجماعة» العنف ضد المحتجين خارج القصر الرئاسي. وعندما كتب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط «مارك ليش» فى (فورين بوليسى) 10 أبريل - أنه يتمنى أن يرى معاقبة الإخوان داخل صناديق الانتخابات - وهى العبارة التى كررتها السفيرة الأمريكيةبالقاهرة «آن باترسون» بعد مقال «ليش» بيومين - كان أن اعترف الرجل فى مقاله الذى حمل عنوان (هل فهمنا الإخوان المسلمين خطأ؟)، إن كثيرا من الباحثين منذ العام 2000 كانوا يرون «الإخوان» عنصراً قابلاً للدخول فى العملية الديمقراطية، لكنهم لم يروهم - أبداً - عنصراً قابلاً للتحول نحو الأفكار الليبرالية! ورغم الانتقادات التى وجهت لكلمات «ليش» من قبل عدد من الباحثين الأمريكيين، خاصة أنه أراد أن يقول إن «الإخوان» الذين عرفناهم فى صفوف المعارضة، ليسوا هم «الإخوان» الذين رأيناهم، فى الحكم!.. إلا أن كلمات مدير مركز الدراسات «الأكثر تأثيرا» بالولاياتالمتحدة لم تختلف فى جوهرها عن كلمات مدير برنامج (تحليل استراتيجيات الإسلام السياسي بالمخابرات المركزية ) إيميل نخلة، بمقاله الذي أشرنا إليه آنفاً!وللمفارقة.. فإن مقال «نخلة» نشر فى اليوم نفسه الذى نشر به مقال «ليش»!
إيميل نخلة
4 قال نخلة - المبشر بحكم الإسلاميين داخل المخابرات الأمريكية - تحت عنوان (بدايات مرسي الخرقاء نحو الديمقراطية): لقد كانت إدارة الرئيس المصري «محمد مرسي» والإخوان مخيبة للآمال.. إذ بدت التزاماته بالديمقراطية الحقيقية متعثرة، فضلا عن جهوده نحو التسامح السياسي، لدرجة أنه بات يخشى النكات التى يطلقها مقدم البرامج الساخر «باسم يوسف».. وهذا الأمر يكذب قطعا تصريحاته الأولي عن دعم التسامح، وحرية التعبير.. والنكتة - فى حد ذاتها - هي العمود الفقري لأي ديمقراطية ناضجة، وتكميم الأصوات المعارضة، نذير ديكتاتورية جديدة في مهدها.ومثل هذه الإخفاقات المتكررة، تؤكد للأسف شكوك التى كان يرددها العديد من القوى المدنية والليبرالية، فضلا عن «غير المسلمين» من أنه بمجرد وصول الإخوان للسلطة عبر الانتخابات، فإنهم سيسعون لإفشال الديمقراطية واستبدالها بنسخة «خاصة» من الحكم الثيوقراطي (الدينى). ويبدو بشكل واضح تعصب إدارة «مرسي» فى كثير من الأحيان تجاه دعاة المدنية والليبراليين والمرأة وغير المسلمين.. فجماعة الرجل لا تسمح بتعدد وجهات النظر، حتى إن تفسير جماعة الإخوان لدور الدين في الدولة، برز بوصفه المبدأ التوجيهي لحكم مصر!.. وهو ما لا يبشر بالخير للإسلام السياسي.. خاصة بعدما أصبحت الأحزاب السياسية الإسلامية تمثل «الأغلبية» في الحكومات العربية والإسلامية.وتابع «نخلة»، فيما يشبه المراجعات الفكرية:لقد راهن زملائي بالحكومات السابقة، وأنا، لسنوات، على أن الأحزاب السياسية الإسلامية، سوف تقدم مشاكل «العيش والزبد»، على حساب الأيديولوجية الدينية.. لقد صدقنا أن اهتماماتهم السياسية، سوف تكون الورقة الرابحة أمام معتقداتهم الخاصة!.. وأنهم سيركزون بداية على احتياجات ناخبيهم، ويتفاوضون مع الأطراف الأخرى لتمرير التشريعات اللازمة لتنظيم التجارة، والنقل، والطاقة، وأسعار المواد الغذائية، وغيرها من القضايا التي تهم المواطنين. كان أمامنا، طوال الوقت، تجربة حزب العدالة والتنمية التركي - الذي أصبح أول أغلبية سنية حاكمة في المنطقة - وكيف أنه قبل بالحكم الديمقراطي، ودافع عن العلمانية التركية، وتقدم بالحياة الاقتصادية والسياسية لتركيا.. ورغم جذوره الإسلامية، فإنه أيد مبدأ فصل الدين عن السياسة.وكان الكثيرون منا يأملون أنْ يسير الإخوان على النموذج نفسه.. وفي الواقع، كان هذا هو الوعد الذي قطعه لنا الرئيس مرسي عند انتخابه رئيسا للبلاد، ولكن منذ ذلك الحين بدأ فى توطيد سيطرته بطرق غير ديمقراطية على أساس الدستور الذي أعده فى عجالة، دون نقاش جاد!انتهى أبرز كلام «عرَّاب» العلاقة بين الولاياتالمتحدة و«الإسلام السياسي» ..لكن لم تنته اللعبة بعد.. وإنا لمنتظرون.