وسط الظلام الذى نعيشه، يحاول النور أن ينتزع مكانا له فى حياتنا، لعله يرشدنا حتى إلى طرق نجاة حتى ولو بشعاع إبداع جديد.«الإمام» فيلم وثائقى يناقش مراحل انتقال الفكر الوهابى من شبه الجزيرة العربية إلى مصر، والتأثيرات التى شقت المجتمع المصرى وجعلته منقسما إلى تيارات وجماعات وطوائف متناحرة فى كثير من الأوقات، ويركز على التيارات الإسلامية السلفية التى تطبق منهج محمد بن عبدالوهاب مؤسس الفكر الوهابى فى المملكة السعودية منذ ما يقرب من 300 عام! الفيلم اعتمد على فتاوى وتصريحات شيوخ الوهابية على قنواتهم الفضائية، أمثال محمد حسان، محمد يعقوب، وحازم شومان وأبوإسلام والحوينى، ومنها بدأت أولى مشاهد الفيلم بفيديوهات بنشرات الأخبار تعرض خبر عزم بعض مسلمى أمريكا بناء مسجد بالقرب من المنطقة التى وقعت بها أحداث 11 سبتمبر فى نيويورك، وهو ما لاقى اعتراضا واسعا من بعض مواطنى المدينة، ثم خبر حرق القرآن فى أمريكا وما أعقبه من مظاهرات فى البلاد الإسلامية ضد الحكومة الأمريكية. ثم يدخل الفيلم إلى موضوعه الأساسى بحديث الكاتب الصحفى «حلمى نمنم» عن نشأة محمد بن عبدالوهاب مؤسس الفكر الوهابى، وتنضم د. آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إلى الحديث، وتلاها المفكر الراحل جمال البنا، وأكد أن مؤسس الوهابية بدأ بتحريم أشياء كثيرة مثل التقرب من أولياء الله والرسل ومنع بناء القبور داخل المساجد وركز على التوحيد فقط، ومن الناحية السياسية أراد أن يتقوى بالحكم عن طريق الشراكة التى حدثت بينه وبين الأمير محمد بن سعود، لتكون هذه الشراكة هى بداية ظهور الفكر الوهابى فى منطقة شبه الجزيرة العربية.
أفيش فيلم "الإمام "
يوضح الفيلم أيضا أن هناك فرقا بين الفكر السلفى والوهابى، فالسلفية تعود إلى منهج الإمام أحمد ابن حنبل الذى بنى أفكاره على التمسك بالسلف والتشدد فيه، وهو المذهب الذى لم يجد مكانا له فى مصر لقرون - حسبما أكد الكاتب حلمى نمنم أثناء حديثه - كما أشار العمل إلى حقبة السبعينيات، والتى شهدت الهجرة الأولى للمصريين إلى دول الخليج وعودتهم إلى مصر حاملين الأفكار الوهابية والتى كان أحد أهم مظاهرها انتشار النقاب والحجاب والمظهر السعودى أو البدوى، حيث وصفت د. آمنة نصير هذا الاحتلال الثقافى بأنه أقوى من الاحتلال العسكرى بل إنه أكثر تأثيرا. ومن أبرز ملفات الفيلم قضية المرأة من وجهة النظر الوهابية، خاصة وأن كثيرا منهم يعتبر أن عقوبة ضرب المرأة ما هى إلا تكريم لها! وأنها لا يمكن أن تتساوى مع الرجل فى المكانة والعلم كما قال أبوإسحق الحوينى فى إحدى حلقاته التليفزيونية.المفاجأة أن المخرج لجأ لشهادات حية من أمن الدولة أمام الوثائق المصورة التى يطرحها فى فيلمه لتأصيل الظاهرة حيث أوضح اللواء فؤاد علام، وكيل مباحث أمن الدولة الأسبق، أن معظم القنوات السلفية التى ظهرت مؤخرا هى مجرد عملية انتهازية مادية وهدف من يعملون بهذه القنوات هو الكسب المادى فقط لأنهم إذا وجدوا مكانا آخر يعطيهم الفرصة للظهور والكسب المادى سينتقلوا إليه على الفور، وأضاف حلمى نمنم فى نفس الموضوع أن هذه القنوات خلقت ما يسمى بالوهابية المصرية والتى كانت أبرز نتائجها انتشار النقاب فى الشارع المصرى بشكل كبير على عكس مظهر الشارع قبل 10 سنوات أى قبل ظهور هذه القنوات. تحدثنا إلى صاحب «الإمام» المخرج أحمد صلاح، والذى قال إنه بدأ تنفيذ الفيلم قبل ثورة يناير ب 4 شهور، وانتهى منه فى أبريل 2011 وقال إن الذى شجعه على القيام بهذا العمل أنه لاحظ صورة الإسلام تزداد سوءا عن طريق انتشار أفكار شيوخ الوهابية وأنهم أصبحوا صورة الإسلام للعالم الخارجى! ومن ثم بدأت أهتم بالقراءة فى القضية وركزت على الفكر الوهابى لأننى وجدت أنه الأكثر إساءة للإسلام، وأخرجت العمل دون إبراز رأيى الشخصى. ∎ سألته: ولكنك وجهت الفيلم فى جهة واحدة، وهى الجهة المعارضة لهذا الفكر، فكيف إذن لم تبرز رأيك؟ فأجاب: ربما فعلت هذا لشعورى بالضيق من انتشار هذا الفكر بين شرائح المسلمين، بالإضافة إلى أننى وجدت صعوبة فى استضافة رموز سلفية قبل الثورة نظرا للتضييق الأمنى. ∎ كيف اخترت موضوعات الفيلم؟ - شاهدت العديد من الحلقات الخاصة بشيوخ الوهابية، وركزت على أبرز ما يسىء للإسلام الوسطى، مثل قضية المرأة والفتاوى الغربية، وكذلك تغطيتهم لحوادث الفتنة التى حدثت مؤخرا. ∎ وكيف اخترت ضيوف فيلمك؟ - كنت أعرف د. آمنة نصير منذ فترة وأعجبت بأفكارها الوسطية فاهتممت بأن تكون موجودة فى عملى، خاصة أنها أستاذة فى العقيدة والفلسفة كما أنها منفتحة على ثقافة الغرب، وكذلك الكاتب حلمى نمنم لأنه من الكتاب المعاصرين لظهور الحركة الوهابية فى مصر، وكان من المهم جدا الحديث إلى المفكر الإسلامى جمال البنا لأنه من أبرز المعاصرين لظهور التيارات الدينية المختلفة
مخرج الفيلم أحمد صلاح
∎ هل حذفت من حديث الضيوف ما يتعارض مع وجهة نظرك؟ - لم أحذف شيئا سوى جزء من حديث جمال البنا نظرا لهجومه العنيف الذى وصل إلى حد «الشتيمة»، كما حذفت نصف ساعة من العمل نظرا لشعورى بأن طول الوقت قد يصيب المشاهد بالملل، فحذفت معومات رأيتها ليست مهمة. ∎ هل حاولت عرض الفيلم على أى من القنوات التليفزيونية؟ - نعم حاولت عن طريق الشركة المنتجة، لكن القنوات رفضت وكان أبرزها الجزيرة وأون تى فى، كما أننى وجدت صعوبة فى عمل إعلان للفيلم ربما لثقل المادة أو لعدم وجود الشق التجارى الذى تحتاجه الفضائيات لترويج موادها الإعلامية. ∎ ولماذا اخترت اسم «الإمام»؟ - لأننا نفتقد للإمام الوسطى الذى يخرجنا من هذا الظلام الفكرى، وهذا هو الهدف من العمل، البحث عن هذا الإمام..وربما يكون الأزهر هو الحل إذا تم العمل على تطويره وعودة هيبته التى كان يتميز بها منذ زمن بعيد، فنحن لا نحتاج من الأزهر أن يخرج لنا أطباء ومهندسين، وإنما وظيفته تخريج علماء دين فقط فعلى الأزهر أن يعود كما كان ليتصدى للاحتلال الوهابى.