كنيسة الروم بلبنان لأهل الجنوب: نحن بحاجة للتمسك بأرض أجدادنا لا تتركوا أرضكم ودياركم    تعيينات وتنقلات جديدة للكهنة في مطرانية الأردن للروم الأرثوذكس    نائبا رئيس الوزراء أمام «النواب» غدًا    رابع مُنتج للمشروبات في العالم يبحث التوسع في السوق المصرية    المحافظون وقادة المناطق العسكرية يضعون أكاليل الزهور على النصب التذكارية للشهداء    وظائف وزارة العمل أكتوبر 2024.. في 15 محافظة «قطاع خاص»    عرض «فرص الاستثمار» على 350 شركة فرنسية    قفزة في سعر الفراخ البيضاء والبلدي وثبات كرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    عيار 21 الآن يواصل انخفاضه.. أسعار الذهب بالمصنعية اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 بالصاغة    "نيويورك تايمز" ترصد تأثيرات صراع الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي    هل ستلغى معاشات الضمان الاجتماعي؟.. التضامن توضح    الحكومة تحذر من استغلال مزايا استيراد سيارات ذوي الهمم    رئيس شعبة الدواجن يكشف سر ارتفاع أسعار الفراخ    مع اقتراب العدوان على غزة من عامه الأول .. الاحتلال يواصل استهداف المدنيين واستشهاد قيادي في "القسام"    إعلام لبناني: صعوبات في وصول الإطفاء والدفاع المدني لأماكن الغارات الإسرائيلية    إسرائيل تواصل غاراتها على الضاحية الجنوبية لبيروت    وزير خارجية إيران: هناك مبادرات لوقف إطلاق النار    الرئيس الأوكراني: الأسبوع المقبل ربما يكون إيجابيا بشأن دفاعاتنا    الأردن يرحب بدعوة ماكرون وقف تصدير أسلحة للاحتلال تستخدم في حرب غزة    ملك إسبانيا: "الدمار في غزة ولبنان يجب أن ينتهي"    والد بلعيد يرد: الأهلي لم يجبرنا على وكيل معين.. وأمير توفيق شخص محترم    ريال مدريد يهزم فياريال بثنائية في الدوري الإسباني    أحمد عبدالحليم: الزمالك استحق لقب السوبر الإفريقي و«الجماهير من حقها الفرحة»    لاعب سيراميكا كليوباترا: مواجهة الأهلي صعبةبعد خسارته السوبر الإفريقي    «مرموش» يقود آينتراخت أمام البايرن للانفراد بالصدارة    5 تعليمات صارمة من محمد رمضان للاعبي الأهلي في أول اجتماع    علي كرماني: أنا وكيل بلعيد بوثيقة رسمية.. وتصريحات القندوسي صحيحة ولكن    جوجل والجنيه.. دعم ل«الصناعة المحلية» أم عقاب لصنّاع المحتوى؟    إخماد حريق داخل فيلا بمنطقة التجمع الأول    مصرع 3 عناصر شديدي الخطورة في تبادل إطلاق النيران مع الشرطة بقنا    ننشر صورة طالب لقي مصرعه إثر تصادم موتوسيكل وملاكي بقنا    تحرير 4 محاضر مخالفات تموينية بسيدي غازي    حبس المتهم بالتحرش بسيدة أجنبية في المعادي    هل نشهد تقلبات جوية؟..الأرصاد تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    رقم قياسي جديد لرحلات البالون الطائر في سماء الأقصر    أعشق السينما ومهمومة بكل تفاصيلها.. كلوديا حنا عن مشاركتها كعضو لجنة تحكيم بمهرجان الإسكندرية    وائل جسار: عايشين حالة رعب وخوف في لبنان.. ودعم مصر مش جديد علينا    «المضل» في بني سويف تضم «مزامير» داود وكنوزًا زاخرة    محمد أنور: «ديبو» أول مسلسل مصرى تدور أحداثه فى فندق للحيوانات ونجاحه نقلة فى مشوارى ( حوار )    نقيب الأطباء: الطبيب في مصر متهم حتى تثبت براءته عكس كل المهن    مسلسل تيتا زوزو الحلقة 11، ريم تكشف لخالد أنها حبيبته الأولى وال AI يشعر زوزو بالونس    نائب حزب الله: العدو الإسرائيلي يحاول التقدم برا والمقاومة تجبره على التراجع    ملخص أهداف مباراة الأهلي والهلال في كلاسيكو دوري روشن السعودي    تشغيل خط سكة حديد الفردان – بئر العبد الإثنين المقبل    أمين صندوق الأطباء للمحافظين: ما فائدة التصالح لعيادات وضعها مقنن من الأساس؟    المصل واللقاح: موسم الخريف شهير بالعدوى التنفسية وأسوأ من فصل الشتاء    رمضان عبدالمعز: الاحتفال بنصر أكتوبر مهم لأنه أمر إلهي    القوات المسلحة تنظم المعرض ال17 للثقافات العسكرية "ذاكرة أكتوبر 2024"    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    نقابة المهن الموسيقية ترعى مؤتمر الموسيقى والمجتمع في جامعة حلوان    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    تناول الطعام في الوقت المناسب يقلل من الإصابة بمرض السكري    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    طريقة عمل الكرواسون بالشيكولاتة، الوصفة الأصلية    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    برج القوس.. حظك اليوم السبت 5 أكتوبر: اكتشف نفسك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدستور فيه سم قاتل!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 08 - 12 - 2012

من عمرو جمعة إلى المواطنين: أحمد إبراهيم ومينا تادرس ونهى محمد وأنجيل بطرس وجميع القاطنين بمصر المحروسة.. لا تشربوا مشروع الدستور الذى أرسلكم الحُلمُ فى طلبه..
الدستور فيه سُمٌ قاتل.. الدستور فيه سُمٌ قاتل!


أحمد الله الهادى البصير أن أرشدنى إلى الاعتذار رسميا عن الترشح إلى الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع الدستور المصرى الجديد منذ بداية تشكيلها المدبر! وبعد أن استدعت ترشيحى لأكثر من منظمة من منظمات المجتمع المدنى، شاكرا لهم ثقة تقديرها وآسفا لامتناعى عن مرافقة بعض أعضاء الجمعية من أصحاب الفكر والقانون الذين ذاب جزء من أفكارهم النيرة فى آتون الأغلبية التصويتية المتراصة! لأنى تعلمت من أبى رحمة الله أن لكل إنسان تاريخه، ومن يحفظ تاريخه يستره الله فى الدنيا والآخرة. فكان أن كتبت وجاهرت متنبئا بهنات فارقة فيما سيخرج عن تلك الجمعية التأسيسية من منتج فكرى يسمى بمشروع دستور مصر الجديد.

فعلى الرغم من أن الجمعية المذكورة شملت عددا من الكفاءات الجيدة، إلا أن الكثير من أعضائها ما كانوا ليتوافقوا حول مداولات يقينية موضوعية فى كل مادة دستورية على حدة، بقدر ما كانوا يلبون نداء الاتجاه الفكرى للتيار الذى اختارهم أو يمثلونه، وفق ما تبين من النسب الرسمية للتصويت على كل مادة فى صياغتها النهائية! حتى خرجت هذه المسودة تعبيرا عن اتجاه تيار بعينه، مرسخة لفكر المغالبة وليس المشاركة الحقيقية فى وضع دستور يُناسب كل الأطياف المصرية ويُعبر عن المستقبل المرجو لهذا الشعب البسيط الراغب فى الأمل، فى ظل ثورة أطاحت بنظام مستبد وهدفت منذ ميلادها بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية!

ولئن أفصحت القراءة الأولية للمسودة النهائية لمشروع الدستور المصرى الجديد عن نسبة لا بأس بها من النصوص المتوافقة مع التوجهات الدستورية الدولية والاجتماعية، إلا أن هناك عددا من النصوص يحمل ألغاما وقنابل موقوتة ستنفجر تباعا فى ربيع الحياة المصرية المأمول جيلا بعد جيل، تكفى وحدها - مهما كانت قلتها - لضرورة الحوار الجاد المثمر والتروى كثيرا فى طرح المشروع للاستفتاء الشعبى، لأنه من المفترض أن هدفنا جميعا رسم دستور يتناسب مع الطموحات الثورية والشعبية فى غد أفضل للأجيال جديدة ويتماشى مع التطورات العالمية الجديدة التى جعلت من العالم قرية واحدة كبيرة لا تستعصى على المراقبات أو المداخلات أو الخارجية، تتشابك مصالحها وتتشارك قراراتها، دون أن تكون هناك مصلحة لفصيل معين فى تمريره!!.. فضلا عن عيوب الصياغة غير المنضبطة والركيكة أحيانا وتقسيمات الخطة الدستورية فى التبويب والتقديم والتأخير التى لا تليق بدستور دولة فى حجم مصر.. ووسط هذا الظرف التاريخى النادر! ! وجلها عيوب لا يفطن لها مع الأسف سوى المتخصصين أو المهتمين بالشأن العام عموما، فما بالكم بهذا الشعب المغيبة بعض فئاته ويحاول النظام تغييب البقية!

ونظرا لضيق الوقت والمساحة معا، إذا وقعنا فى الأول عامدا متعمدا قرار السيد رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين للاستفتاء، على الرغم من وعوده فى خطاباته المتدفقة - كلما وجد الميكروفون - بأن ما سوف ينتج عن الجمعية التأسيسية من مشروع دستورى سوف يطرح للحوار الجاد قبل الاستفتاء، ولكنها كلمات كعديدة غيرها ذهبت أدراج الرياح وألقيت دون أن يدرى من أعلى جبل المقطم!!.. لذلك فسوف نكتفى بنظرة سريعة على النصوص المتعلقة بكل سلطة من السلطات الثلاث على حدة، باعتبار أنها العمود الفقرى للدولة واستقلالها جميعا عن بعضها البعض يمثل ركنا أساسيا فى الميزان الدستورى للدولة، فضلا عن أن تكون اختصاصاتها وأعمالها وسلطاتها جميعاً فى صالح الوطن وشعبه دون أدنى استئثار. ونبدأ بالسلطة القضائية نظرا لما يشوب أجواءها من أحداث وتدخلات آنية فى أعمالها من قبل السلطة التنفيذية ممثلة فى السيد رئيس الجمهورية ومن خلفه!!

يأتى الفصل الخاص بالسلطة القضائية فى هذا المشروع الدستورى ضمن الباب الثالث المخصص للسلطات العامة فى الدولة، وتختلف تقسيماته الرئيسية عما كانت عليه السلطة القضائية فى دستور 1971 أو الإعلان الدستورى الصادر فى مارس ,2011 ولم تتطور نصوصه كثيرا فى مجملها عن أحكامها، فى ظل هذا الظرف التاريخى النادر الذى كانت مصر وشعبها أحوج فيه مليا إلى الاستقلال الفعلى للقضاء المصرى كحصانة أساسية وحماية حقيقية لأفراد الشعب من أنزعتهم الداخلية ومن بطش النظام أيضا، والذود عن التدخل المباشر وغير المباشر فى شئون القضاء، خصوصا أن جميع الفطنين يشاركون القضاة لأجيال وأجيال فى المطالبات الصريحة بالضمانات الكافية لاستقلال القضاء المصرى. والطريف أن تيار استقلال القضاء - الذى شرفت أن يُداهم فكرى لأنخرط فيه منذ عشر سنوات أو يزيد - كان يضم بين عناصره اثنين من الرجال حول الرئيس وهما السيدين نائب رئيس الجمهورية ووزير العدل، بالإضافة إلى رئيس الجمعية التأسيسية ذاته، ولم يعلق أيهم على نصوص باب السلطة القضائية تصريحا أو تلميحا!!

ومازال الشعب البسيط مغيبا وسط المزايدات السياسية الرخيصة من قبل النظام الحاكم والخدعة الكبرى فى «فانتازيا» إعادة محاكمات أفراد النظام السابق أو تحصين بعض الأعمال أمام القضاء، إذ أقرت المادة «74» من مشروع الدستور أن استقلال القضاء وحماة القضاة ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحرية. وأكدت المادة «75» أن التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضى وسرعة الفصل فى القضايا، وحظرت تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، وألا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى، وحظرت إنشاء المحاكم الاستثنائية، فكيف وأن المشروع الدستورى حظر إنشاء المحاكم الاستثنائية الخاصة أن المحاكمات أمام القاضى الطبيعى، وهى ذات المحاكمات التى تمت بالفعل وصدرت عنها أحكام قضائية.

الاستقلال المالى للقضاء:
ومن موجبات استقلال القضاء استقلال موارده المالية، وهو ما أقرته القوانين القضائية فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس مبارك من أن لكل هيئة قضائية موازنة مستقلة، ورغم أن المشروع أقر ذات المبدأ فإنه لم يطلق للجهات القضائية الحرية المطلوبة فى تحديد موازناتها واحتياجاتها المالية، وكأنه راغب الإبقاء على هذا الثقب كوسيلة أخرى لتوغل السلطتين التشريعية والتنفيذية فى شئون السلطة القضائية. فحتى بعد استقلال ميزانيات المرافق القضائية، مازالت السلطة التنفيذية تتعمد الشح فى هذه الميزانيات السنوية بقدر الإمكان، مما يدفع القضاة بشكل أو بآخر إلى اللجوء إلى الحل القانونى المشروع فى الندب أو الإعارة! كما أنه وبعدما كانت تخرج أغلب مخصصات القضاة المالية الشهرية من السلطة التنفيذية تبعا لقرارات وزير العدل وأهوائه، تصر الحكومة ممثلة فى وزارة العدل على الهيمنة على أصول ومجريات صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية وأسرهم، إذ يظل تحت رئاسة وزير العدل وامرأة الحكومة فيما يؤديه شهريا للقضاة من مقابل مالى ثابت للعلاج، وفيما يباشره من إجراءات يومية تخص علاج القضاة وأسرهم، فى حين طالبنا مرارا - بعد تكليل كفاح القضاة لسنوات بنجاح واستقلال ميزانية كل مرفق قضائى على حدة - أن يتم حل الصندوق المذكور وتؤول أمواله ومخصصاته إلى صناديق جديدة تنشأ لذات الأغراض فى المرافق القضائية.

تدخل السلطة التشريعية فى شئون السلطة القضائية:
ليس منطقيا أن تلتزم السلطة التشريعية بالحصول على موافقة كل جهة فى الدول حال قيامها بسن قانون ينظم هذه الجهة! وإلا ستهدر قوة ورفعة السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب، فلها فقط - إن أرادت - الاسترشاد برأى كل جهة فيما يخصها من قوانين على سبيل الاستئناس الذى يضفيه الصالح العام. ولكن ماذا إذا كانت تشرع قانونا يخص سلطة أخرى فى الدولة تضاهيها فى ذات المرتبة الدستورية، أليس من الأجدى أن تؤخذ موافقتها على مشروعات القوانين التى تنظمها؟ وإلا سيبقى الأمر تدخلا من السلطة التشريعية فى أعمال السلطة القضائية، حتى ولو صنفه بعض فقهاء الدساتير بأنه تدخل غير مباشر، قرر المشروع فى المادة «169» أخذ رأى الجهات القضائية فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، والصياغة هنا خادعة للشعب، توحى بالسماحة وتدارى عوار التدخلات التشريعية فى الشأن القضائى مثلما كان سيحدث إبان مجلس الشعب الباطل والمحكمة الدستورية العليا، إذ إن المادة لم تتطلب موافقة تلك الجهات بل اقتصرت على أخذ رأيها، وما الرأى المأخوذ به هنا إلا استشارى، فى حين أنه لو تطلب الموافقة لكان إلزاما!!

تعيين النائب العام:
من آفات الصياغات الدستورية أن يتناول النص تفصيلات خاصة، فلماذا أصرت الجمعية التأسيسية على تنظيم تعيين النائب العام فى المشروع الدستورى؟ لماذا لم تُحل أمر ذلك إلى القانون مثلما أحالته فى رئاسة محكمة النقض أو مجلس الدولة؟ إن ترزية قوانين مبارك لم يجرؤوا على ما ارتكبته الجمعية فى ذلك! وحجة وجوب تحديد مدة النائب العام لأن المناصب يجب أن تحدد مثل رئاسة الجمهورية، حجة واهية غالط مشروع الدستور فيها نفسه فى مناصب عديدة داخله أقربها منصب شيخ الأزهر الذى لم يحدده بسن مثلا! ثم فكرة أن يختار مجلس القضاء الأعلى النائب العام دون أن تحدد معايير وفق عدد من الأقدميات مثلا، فكرة تستحق الشد والجذب وفق أهواء رئيس المجلس أو أعضائه، مثلما يحدث تباعا فى منصب الأمين العام لمجلس الدولة مثلا.. وكله بالقانون يا شعبنا الحبيب!!
ندب القضاة:
حرص مشروع الدستور مع الأسف على الاستمرار فى النهج الذى اتبعه نظام ثورة يوليو بدءا من الرئيس عبدالناصر حتى الآن، وهو التقطير فى المخصصات المالية للقضاة التى رغم ارتفاعها لا تتناسب مع طبيعة ومتطلبات الوظيفة القضائية، فكان أن سمح للقضاة بالانتداب للقيام بأعمال الاستشارات القانونية فى الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، وهو ما أنشأ مع السنين تناحرا نفسيا بين القضاة بعضهم البعض وبين السلطتين القضائية والتنفيذية بشكل غير مباشر. وهو الأمر الذى أصر عليه المشروع فى استمرار جواز ندب القاضى فى بلد يشتكى فيه المواطن البسيط من بطء سير العدالة!

وتبدو تجربة الندب لدى القاضى المصرى تجربة خاصة من كل الأوجه تبعا للغرض الرئيسى لهما فيما إذا كانت ندبا لأعمال قضائية أو لأعمال غير قضائية كالاستشارات قانونية أو غيرها. فهى تمنحه تزايداً بحثياً آخر نظرا لتنوع المعروض من المساءلات فى أغلب الأحيان، تضاف إلى خبراته المكتسبة تباعا فوق منصات المحاكم، وتكسبه خبرات جديدة فى التعامل الفنى والإدارى مع الجهات المنتدب أو المعار إليها وإدارتها وطبيعة أعمال الجهات الإدارية والفكر الإدارى الوظيفى، بالإضافة إلى المقابل المالى للندب أو الإعارة! لكنها فى الأساس تستنفد جزءا من أوقات القاضى وخبراته فى صالح تلك الجهات وبما يثريها فكر وعقل وخبرة القاضى فى الإجابات الاستشارية القانونية، التى لولا تلك الخبرات ما كانت أقدمت على الاستعانة به فى ظل هذا النظام العالمى المادى الجديد، فضلا عن تأثيرها السلبى على استقلال القضاء وهيبته أحيانا، وعلى أثرها المفرط على بطء سير العدالة فى المحاكم المصرية، حتى ولو كانت الانتدابات كل الوقت كما يقول المشروع!
إعارة القضاة للأعمال غير القضائية:
فى مجال إعارة القاضى تحديدا، تبدو مصر من الدول القليلة التى تتهاون فى تصدير خبرات قضاتها إلى الخارج، أيا كان المسمى وأيا كانت الدوافع، لأن القاضى عادة ما يلجأ إلى الإعارة أو الندب بدافع زيادة دخله المالى وتأمينا لحياة ومستقبل اجتماعى واقتصادى أرقى لأسرته، مثلما هى من الدول النادرة التى تجعل بعض قضاتها يلجئون إلى رفع دعاوى قضائية للمطالبة بتسوية مالية قانونية أو مساواتهم بقضاة آخرين ماليا وعينيا!! ولم يتطرق المشروع لذلك سامحا ضمنا بإعارة القاضى المصرى لحكومات عربية وأجنبية تستفيد بها من خبراته التى كان أولى بها الشعب المصرى!

وليس الندب والإعارة للأعمال غير القضائية إقلالا من القاضى المنتدب أو المعار، لكنه سحب تدريجى من هيبة القضاء واستقلاله، ولئن كان جل القضاة حريصين على أعمال وظيفتهم القضائية، لا يكلون جهدا فى الوثوب بالقضية المختلفة إلى حضن العدالة، إلا أن تعمد النظام الحاكم فى التقطير فى مخصصاتهم المالية ومتطلبات الحياة الخاصة بهم قد يدفعهم أحيانا إلى سلوك السبيل المشروع الذى هيأه لهم القانون بالانتداب أو الإعارة!

وكان يجب أن يتم الإلغاء الدستورى أو القانونى لذلك، فى ظل السير الحثيث فى خط متواز نحو كفاية القضاة ماليا واجتماعيا وارتفاع دخولهم، وتحسن إجراءات علاجهم وأسرهم، وإلا سيثبت النظام الجديد أنه يستكمل ما بدأه نظام يوليو منذ ستين عاما فى الالتفاف غير المباشر على مبدأ استقلال القضاء.
مجلس الدولة مراجعة صياغة القوانين:
اختصت المادة «174» مجلس الدولة كجهة قضائية مستقلة، ولا أدرى بوهيمية لفظ «جهة» فى الصياغة التى أنزلها المشروع متناسيا لفظ «السلطة» !! وأقر المشروع لمجلس الدولة - من بين اختصاصاته - مراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية التى تحال إليه، وجاءت صياغة النص لتبيح للحكومات القادمة ذات المستباح فى العهود السابقة، إذ إن عبارة «التى تحال إليه» تعنى أنه ليس هناك إلزام على الحكومة أو على أى جهة أخرى فى إحالة وعرض ما يعن لها من مشروعات على مجلس الدولة الذى اكتسب قسم تشريعه خلال الستين سنة الماضية خبرات شاسعة فى هذا المجال، وهو ما كان يحدث فعلا فى السابق وأضحت نسبة غير قليلة من القوانين التى صدرت خلال الثلاثين عاما الماضية فى معية المحكمة الدستورية لتحكم بعدم دستورية بعض نصوصها! لتستبيح السلطة التنفيذية بعدا ما.. أنشأته من إدارة سميت بالتشريع داخل وزارة العدل!
المحكمة الدستورية العليا:
عار وأى عار على الجمعية التأسيسية أن تصدر مثل هذا النص التفصيلى الصرف، إذ أصرت الجمعية على تصغير منتجها والاستخفاف بعقول الشعب وأصدرت فى المشروع المادة «176» بإعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا، على أن تشكل من رئيس وعشرة أعضاء، وقررت فى باب الأحكام الانتقالية فى المادة «234» أن يستمر رئيس المحكمة الدستورية العليا وأقدم عشرة أعضاء بها على أن يعود باقى الأعضاء إلى أماكن عملهم التى كانوا يعملون بها قبل تعيينهم بالمحكمة، وكان ترتيب قضاة المحكمة فى العضو الثانى عشر هو المستشار تهانى الجبالى والعضو الأخير هو المستشار حاتم بجاتو، فكان الأصدق أن تكشف الجمعية عن وجهها وفكرها الحقيقى أمام الشعب ليكون النص على استمرار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية العليا ما عدا هذين الاثنين! فمهما كان اختلافنا أو اتفاقنا مع أيهما، فالمفترض فى النصوص القانونية عموما أنها تصدر عامة مجرد من أية أهواء، فكان هذا النص انزلاقا واضحا من الجمعية فى مستنقع السياسة!

المشكلة فى هذه الحشود المنساقة من الشعب أنها لا تدرك أن استقلال القضاء مبدأ سطرته الشرائع السماوية كافة، والإسلام والمسلمون أولى به، فجميعنا يلفظ ما رواه الأثر الإسلامى من تدخلات الحكام فى مباشرة القاضى لعمله، وقد أقرته الدساتير الحديثة المتحضرة، فكيف سيق هؤلاء وراء دعاوى التدخل فى أعمال القضاء، وكيف لهم أن يطالبون بعداً بقضاء واثب فى وجه الظلم؟ دعك من قضايا الرأى العام والدولة، ولنتحدث عن الدعاوى الحياتية بين الأفراد، كيف لهم يطلبون العدل وهم يتدخلون فى مرفق العدالة؟
وللحديث بقية تجرى، ما دام العمر يهوى..

بجاتو


احمد مكى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.