حين ظهر الفيس بوك إلي الوجود كنت من أوائل المصريين الذين اشتركوا في الموقع، أنشأت صفحة شخصية، وعدة مجموعات، واحدة لتلاميذ الدراسة في المدرسة، وثانية لأصدقاء الدراسة الجامعية، وثالثة للرجال الذين يريدون الحياة بعيدا عن النساء.. يعني مجموعة بلا حب.. بلا وجع دماغ. بدأت المجموعات تزدهر، عثرت علي أصدقاء من مرحلة الطفولة ضاعوا مني في زحام الحياة، ولم ألتقيهم أو أسمع عنهم شيئا منذ انتهاء الدراسة الثانوية، شعرت بفرح ما بعده فرح، واتفقنا علي موعد للقاء في النادي، أصدقاء الطفولة يجتمعون بعد غياب طال أكثر من 25 عاما. في البداية لم نعرف بعضنا البعض، هذا طبيعي، رغم رؤية الصور علي الفيس بوك، لكن هل تتخيل صديقك الذي تركته طفلا ثم أصبح رجلا عجوزا ضرب الشيب كل رأسه، وتعلو بطنه أمامه في أكبر مظاهرة للكروش! فاكر أنت كنت رفيع جدا.. لدرجة لو أنك نظرت من فتحة الباب لوقعت! نضحك حين نستعيد أشكالنا الأولي، ومقالب الطفولة.. حتي المحرج منها والطفولي والبدائي ،له طعم خاص جدا. بلا حب، بلا وجع دماغ أكثر متعة من مجموعة المدرسة، في هذا الجروب تجارب عاطفية فاشلة، وأناس تحولت حياتهم إلي جحيم بفضل النساء.. هو أشبه بنادي للمطلقين، أهم ما فيه أن الأسماء المستعارة تسمح للرجال بالفضفضة وقول الحقيقة دون عقد أو مشاكل ذكورية. كنت أقضي أكثر من ست ساعات يوميا أمام شاشة الكمبيوتر، أخذني الفيس بوك إلي عوالم بعيدة عني، وتعددت صداقاتي، وانهمرت بين يدي مئات الحكايات التي تصلح كل واحدة منها أن تقدم في مسلسل درامي طويل، شيق وليس به أي ملل بعكس المسلسلات العربية التي نشاهدها في رمضان. المشكلة أن هذا العالم الافتراضي أخذ يطغي علي حياتي علي حساب الواقع، اكتشفت أنني أعيش في عالم خيالي، وتركت الواقع الذي أحياه، أهملته، حتي أثناء ساعات العمل يظل الكمبيوتر مفتوحا علي الفيس بوك.. للرد علي هذا والدخول في شات مع ذاك. بعد نحو عام علي الفيس بوك اتخذت قرارا حاسما في حياتي، كما طلقت زوجتي وقررت الحياة بدون النساء، سأعيش بدون فيس بوك، لكن المشكلة أنني وصلت إلي حالة من الإدمان، لا يمكن أن أفتح الكمبيوتر ولا تأخذني أصابعي إلي صفحاتي المفضلة ومجموعاتي الغريبة علي الفيس بوك. أخيرا اتخذت قرارا ثوريا، اتصلت بمحل يشتري السلع القديمة، وطلبت منه أن يأتي لشراء كمبيوتري الشخصي، كان ثمنه أكثر من خمسة آلاف جنيه بعته بسبعمائة.. أخذه ورحل.. أخذت نفسا عميقا، ودخلت للاسترخاء في سريري.. لكن رنين الموبايل لم يتوقف.. إنهم أعضاء مجموعاتي علي الفيس بوك يسألون عن سر غيابي!