ما يقوله المتفلسفون والذين يدعون الواقعية من أن عصر البطولات قد انتهي، هو ترويج للجبن والتخاذل ودعوة للاستسلام. نعيش علي أرض تدور ولا شيء يبقي علي حاله. الأقوياء لا تدوم لهم القوة والأغنياء لا يدوم لهم الغني. ولا أمان لأحد في هذه الدنيا. أين الفرس والروم والأمم التي كانت لا تغيب عنها الشمس. إن كأس الموت الدوار لايعفي أمة ولا يعفي فرداً. واسم الله الرافع الخافض سيظل يرفع ويخفض كل الرؤوس وكل الهامات، والتغير هو الناموس الوحيد الذي له الدوام. الدول الكبري كالكائنات لها عمر افتراضي، حتي الدناصير كان لها عصر وانقرضت. ونحن نسكن فلكا دوارا لا يكف عن الدوران. والحكيم من نظر إلي بعيد، ولم ينظر طوال الوقت تحت قدميه. الإيمان له حساب آخر في الحروب، الله وحده هو الذي يضع مقداره، فهو الناصر حينما يشاء بأهون الأسباب. وهذا الحس الغيبي أمر جوهري في الدين، بل هو جوهر الدين كله، ولهذا جعله الله أول صفات المتقين «ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون» (البقرة -1،2،3) فجعل الإيمان بالغيب مقدما علي الصلاة وعلي الإنفاق، وذلك لأن الغيب هو جوهر الدين، فالله غيب والآخرة غيب والحساب غيب. هناك جوكر غير محسوب اسمه الغيب في الأعماق الإيمانية لكل مسلم. فالمستقبل لا يمكن التنبؤ به علي وجه التمام والكمال وإنما تظل هناك مساحة مجهولة لا يعلمها إلا عالم الغيب. القلوب التي أماتها حب الدنيا هي التي فقدت روحها وفقدت شهامتها وماتت وشبعت موتا. ولو امتلأ المسلمون إدراكا بأن الموت حق، والبعث حق، وأن زخرف الدنيا متاع زائل وأمجادها لهو ولعب، لهانت عليهم هذه الدنيا بما فيها ولما خافوا شيئا ولما أهمهم جبروت ولأقبلوا علي الفداء كما كان يفعل أجدادهم الذين فتحوا العالم.؟