فجرت قضية خالد سعيد شرعية وجود المكاتب الاستشارية الخاصة، بعد أن تم الطعن فى تقرير مصلحة الطب الشرعى الكيان الشرعى الوحيد فى مصر والاستناد إلى تقرير مكتب خاص لرئيس سابق للمصلحة على المعاش، لنفتح باباً للنقاش حول طبيعة عمل هذه المكاتب وتخصصاتها والعاملين بها ومدى مصداقية تقرير مدفوع الأجر ولماذا يتم اللجوء لهذه المكاتب إذا كانت المحكمة تحيل أغلبها لمصلحة الطب الشرعى للبت فى صحتها. فى البداية يقول الدكتور سباعى أحمد السباعى كبير الأطباء الشرعيين فى مصر ورئيس مصلحة الطب الشرعى أن المكاتب الموجودة تقول وجهة نظرها، ومن حقنا الرد عليها ولكن فى حالة زيادة الظاهرة وتجاوز الأمور الحدود المسموح بها يجب اتخاذ موقف، مشيرا إلى وجود نوعين من المكاتب منها مكاتب الأطباء الذين خرجوا على المعاش، وهى ليست كثيرة العدد ومكاتب أخرى لأساتذة الجامعات وعددها لا يتجاوز أصابع اليد ويحملون تراخيص من وزارة الصحة، وحول التشكيك فى تقارير المصلحة يقول السباعى: إن الأهل فى مثل هذه الحالات يتعلقون بأى كلام حتى ولو كان كاذبا، فهم لا يريدون سماع إلا ما يريدون سماعه وخاصة عندما يشكك فينا طبيب شرعى آخر كان كبيرًا للأطباء الشرعيين فى وقت سابق، وعن نسبة الخطأ فى تقارير الطب الشرعى - يضيف السباعى - أنه توجد نسبة معروفة فى العالم وهى التشريح السلبى وهى تتراوح بين 8% إلى 13 %، ويصف وجود جميع التخصصات فى مكتب واحد بالمصيبة الكبرى لأن أغلبهم لم يعمل بشكل علمى ودراستهم نظرية ويعملون فى جميع التقارير، ويشير السباعى إلى أن الاعتداد بتقارير المكاتب الخاصة أمر متروك للقاضى فالقاضى هو الخبير الأعلى فليس كل تقرير طب شرعى يؤخذ به ويجب عرضها أولا على مصلحة الطب الشرعى، ولكن بشكل عام سواء أخذ القاضى بها أو لم يأخذ فهى تقارير مدفوعة الأجر كمن يذهب للترزى ومعة قطعة قماش يفصلها كما يحلو له، فتقارير المكاتب الخاصة تقارير مدفوعة الأجر منقوصة المعلومة فلايوجد تقرير استشارى خاص سيقول المعلومة 100% وأغلبها على منهج لا تقربوا الصلاة وبعد إحالتها لنا من المحكمة نفندها. ملاحظات وتتفق إيمان عبدالغفار - طبيبة شرعية ميدانية تعمل بمصلحة الطب الشرعى - مع الرأى السابق مشيرة إلى أن أصحاب المكاتب الخاصة يتقاضون مبالغ مالية باهظة تصل إلى 20 ألف جنيه للتقرير الواحد، بالإضافة إلى أن من يعمل بها أساتذة جامعات تكون خبرتهم نظرية فقط ولم يعملوا بشكل ميدانى عملى، وبالتالى لا يتمكنون من التفرقة بين الادعاء والحقيقة، وهذا ما حدث فى عدة قضايا منها قضية طفل المدرسة الذى اتهم مدرس بالاعتداء عليه جنسيا، ولم يكن هذا صحيحا وروجت المكاتب الخاصة لهذه القضية. وتشير عبد الغفار إلى أن هذا العام بدأت الجامعات المصرية فى إرسال طلابها للمصلحة لدورات تدريبية، ولكن الدفعات السابقة لم تمارس الطب الشرعى الميدانى، لذلك فإن المكاتب تكتب التقارير بناء على نظريات على الورق وهم يعملون فى قضايا الإهمال الطبى والطب الميدانى والتشريح وهى تحقق مكاسب مادية على أساس «ضرب» تقارير المصلحة والتشهير بها دون سند علمى. وتوضح أنه لا يوجد دافع لدى من يلجأ للمكاتب الخاصة، فإذا كان هناك شك فى التقرير المبدئى، فإن صاحب التقرير له الحق فى طلب تقرير آخر من لجنة ثلاثية من ثلاثة أطباء فلا حاجة للذهاب لمكاتب خاصة إلا لمن يرغب فى نتيجة مخالفة للحقيقة، فالمتضرر له سكة للنجاة إذا كان على حق، أما إذا كان على باطل فهو يلجأ للمكاتب الاستشارية. وترى الدكتورة هناء العربى طبيبة شرعية ميدانية بمصلحة الطب الشرعى أن المكاتب الشرعية الخاصة لا تتوخى المصداقية ولا تعمل على تفنيد التقرير على أساس علمى، فهى لا تملك معامل أو أجهزة، فهى تفند التقرير بشكل نظرى بحت مشيرة إلى أن التقارير تخلق نوعًا من النقاش قد يكون فى صالح القضية وقد يكون ضدها. ويؤكد المستشار سعد عبدالواحد رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق أن تقارير المكاتب الاستشارية ليس لديها المصداقية الكافية كتقارير المصلحة، وغالبا ما يأخذ القاضى بتقارير المصلحة، ولكنه يضع التقارير الخاصة تحت نظر المحكمة، فأحيانا تتحدث فى نقاط فنية قد تغفلها تقارير المصلحة نظرا لتكدس القضايا المنظورة، وعلى المحكمة أن توازن بين التقريرين. ويشير عبد الواحد إلى أن المتهم غالبا ما يلجأ إلى المكاتب الخاصة إذا كانت حجته ضعيفة وكان يحتاج إلى أدلة نفى لتشكيك المحكمة، فهى تقارير مدفوعة الأجر قد تتنافى مع الحقائق العلمية وهو ما حدث فى عدد من القضايا. ويرى عبد الواحد أن تواجد المكاتب يمثل خطورة على موقف المتهم والقاضى يستطيع أن يكتشف الحقيقة ويميز بين التقرير الصحيح والتقرير (المضروب) مدفوع الأجر. ويؤكد الدكتور مصطفى فؤاد عميد كلية حقوق طنطا ونائب رئيس الجامعة السابق: أن الأصل أن القاضى الجنائى أو المادى له أن يستعين بالخبراء فى المسائل الفنية التى تحتاج إلى دراية خاصة يجهلها القاضى، وفى نفس الوقت من حق الخصوم اللجوء إلى المكاتب الاستشارية الخاصة للاستعانة بتقاريرهم وتعرض هذه الأمور مجمعة على المحكمة المختصة ليوازن القاضى بين هذه الآراء لتكوين عقيدته فى المسألة المعروضة. وقد حاول البعض أن يقيس الوضع داخل مصر فى المسائل الفنية على ما يحدث فى أمريكا وإنجلترا، إلا أن الوضع فى مصر له خصوصية وقيم وتقاليد مختلفة مما يصعب معه القياس على هذه المكاتب الخاصة الموجودة فى الدول الأخرى، ففى مصر جرت العادة على أن المكاتب الخاصة تجامل الخصوم بغض النظر عن وجه العدالة الصحيح، وبالتالى فأنا من أنصار عدم الاعتماد أو اللجوء لهذه المكاتب كليا نظرا لتاريخها السيئ ومجاملاتها للخصوم على حساب الحقيقة، فجميع القضايا الجنائية يحاول فيها المتهمون الاستعانة بتقارير المكاتب للتشكيك ولاسيما أن عقيدة القاضى الجنائى إذا لم يقتنع بالأدلة وشك فيها أصدرت المحكمة حكما لصالح المتهم ومن هنا يحاول المتهمون الاستعانة بهذه المكاتب للتشكيك فى تقارير المصلحة لتشكيك المحكمة مما يخلق حالة من البلبلة نحن فى غنى عنها. ويقول سيد عتيقة أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائى بحقوق حلوان: أن المكاتب الخاصة تعتبر من ضمن أوجه دفاع المتهم، وعلى المحكمة أن توازن بين التقريرين وغالبا ما تأخذ المحكمة بتقارير المصلحة فهى الأكثر مصداقية لأنها ليست مدفوعة الأجر ولا تحركها أغراض المتهم مشيرا إلى أنه ليس ضد وجود المكاتب الخاصة ولكنه ضد آلية عملها فى بعض الأحيان عندما تنحاز لطرف على حساب الآخر.. موضحا أن أغلبها يعمل فى قضايا القتل والحريق والمفرقعات.