ولم أفهم كيف أعبر عن عواطفى كرسام جديد فى المجلة لايزال فى العشرين من العمر.. نحو هذه السيدة الرائعة والدة رئيس التحرير الذى أحبه وصاحبة المجلة مع قراءات بسيطة عن ماضيها فى المسرح. ولكنها تتوقفنى مع الرسام بهجت فى الممر الرئيسى بين المكاتب بهيئتها الملكية وتاجها شعرها من الفضة وربما.. حبة صغيرة تلمع عند الأذنين بما يشبه الجواهر التى تتزين بها الملكات. عادت هذه المرة تسألنا أنا وبهجت إيه رأيكم فى اسم «صباح الخير» كاسم مجلة جديدة. فأجبنا بالتأكيد، ثم أضافت ملاحظة ذكية.. الناس بيقولوها لبعض كل يوم صباح الخير ولكن لا يعون تماما معناها الجميل.. لذلك عندما تصبح اسم وعنوان المجلة سيقرأونها وتحفظها العين كتشكيل وليست كلمة عابرة مع الأذن. إلا أن مفاجأتى لها ذات صباح مشرق يوم أحد مع أصفر للشمس كنت أقضيه قادما من منزلنا فى حدائق القبة إلى شوارع وسط البلد المفرحة الأنيقة من سينما مترو إلى ميامى إلى راديو وقصر النيل. وكنت وأنا فى العشرينيات مرتبطا بصداقة طفولة جميلة مع شقيقتى الأصغر منى بثلاث سنوات وتدرس الأدب الإنجليزى فى كلية الآداب.. اختارت لى مجموعتها الكاملة من زميلاتها وجارة أيضا من أصول إيطالية لها سحر خاص بالطابع الإيطالى فى الوجه الصغير الأسمر والرقبة الرفيعة العارية والبلوزة الديكولتيه ثم جوب واسع يطير مع الريح فى لونه البرتقالى كأنها كارمن فى أوبرا كارمن الشهيرة. كانت لحظاتنا نحن المجموعة المكونة من خمس فتيات جميلات مع شقيقتى وأنا الشاب الوحيد بينهن نتبادل النكات على رصيف سليمان باشا. أما المفاجأة فهى مرور سيارة ملاكى لونها أزرق يميل إلى البنفسجى ثم تهدئ السرعة وتتوقف وسطنا وتميل نحو الرصيف أمامنا. ويصبح السائق الذى أعرفه ولقبه إبراهيم السواق وله شارب رمادى كباشوات ذلك الزمان من الأحزاب وأنا وسط صديقاتنا من الفتيات الجميلات وهن فى العشرينيات أيضا يتفرجن حولى على الموقف المثير. السيدة التى فى السيارة خلف إبراهيم السواق هى ذاتها السيدة التى أخاف منها وأحترمها وأحبها حبا خفيا.. هى ذاتها «روزاليوسف» وجهها المستدير الضخم الوردى وحوله التاج الهائل من خصلات الفضة وشفتاها وأنف ابنها رئيس التحرير هى ذاتها دون تردد: تصيح فى وجهى مع قليل من الحنان وتحاول أن تمزح معى كولد رسام جديد فى المجلة الجديدة صباح الخير وهى تعلم أنى مازلت أدرس الرسم فى السنة الأولى بالفنون الجميلة: تنهرنى دون أن تصرخ أو نضحك - ياولد يا رسام.. أنت سايب المجلة وبتتفسح هنا على مزاجك مع البنات دول.. مش أحسن لك تروح المجلة وتشوف أبوالعينين وإحسان عاوزين منك رسم إيه النهاردة. ثم ابتسمت عندما لاحظت ذهولى من المفاجأة وكأنى أخرس لا أنبس بكلمة. ابتسمت ولملمت خصلات الفضة حول وجهها المستدير الجميل سمعتها تقول: اطلع يا أسطى إبراهيم.