في أول حوار له بعد خروجه من المجلس القومي لحقوق الإنسان التقت صباح الخير الدكتور أحمد كمال أبوالمجد ليفتح قلبه وعقله لها في حوار تطرق إلي ملابسات خروجه من المجلس وحالة حقوق الإنسان في مصر وما حققه المجلس في مصر وما حققه المجلس خلال الست سنوات الماضية وموقف المجلس من قانون دور العبادة الموحد وقانون مكافحة الإرهاب وقانون الطوارئ والإنسان المصري المعاصر والذي أصبح مهموما بالمادة والتدين الشكلي. سألته.. هل أنت سعيد فعلا بخروجك من المجلس؟ فصارحني قائلا: أنا مسرور بالقرار وقد جاء في وقت مناسب فقد بلغت مبلغ الشكوي من الأعباء التي ثقلت علي وطاقتي العصبية لم تعد لها حدود وأموري الخاصة والأسرية اختلطت فلم أقدم إقرار الضريبة العقارية حتي الآن عن الفيللا التي أسكن فيها ولا أجد وقتا كي أتصل بابنتي التي تعيش في شيكاغو، وكلما شرعت في الاتصال بها فوجئت بفرق التوقيت بيننا وبينهم بالإضافة إلي أني أحتاج لعلاج عيني وعندي حصوة في المثانة وصل حجمها لكرة البينج بونج ولا يوجد وقت لدي لفعل كل ذلك ويوجد بجانب سريري كتب أحتاج ثلاثة أضعاف عمري لقراءتها. أنا سعيد ولكن لي ملاحظة فمن أسلوب العمل العام أن الناس التي عملت في مهام عامة يوم أن تقول لها مع السلامة.. لأمر أنت قدرته وأنت صاحب القرار فيه ليس من الضروري أن تعطيها وساما عاما كما أعطوا المهندس إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق، ولكن لابد أن تكون هناك كلمة: شكرا لمن عمل، وليس من الضروري أن يعرف من الصحافة.. وقد اتصل بي بطرس غالي أمين المجلس من باريس، وقال لي: هل من المعقول أن أكون أنا آخر من يعلم؟! قلت: له لست آخر من تعلم.. فأنا علمت بعدك. كتب أنك قبل ثلاثة أيام من تشكيل المجلس الجديد عرض عليك أن تكون عضوا في المجلس وأنت رفضت؟ هذا لم يحدث وكاتب هذا الكلام يتمتع بخيال واسع ولم يحدث شيء من هذا علي الإطلاق. ؟ أول شيء فعلته بعد صدور القرار؟ - أرسلت إلي المجلس كي يأخذوا السيارة فأنا لن أستعمل سيارة ليست من حقي والله أنعم علي بسيارتين ولست في حاجة لسيارة أخري. كيف تري حالة حقوق الإنسان في مصر بعد عمل المجلس خلال الست سنوات الماضية؟ - المجلس القومي قد اكتسب مكانة عالمية لا يجب التفريط فيها، خاصة أنه مقبل علي تقييم دولي خلال العام المقبل 2011 .. وقد نجح نسبيا في جعل كلمة مجلس حقوق الإنسان كلمة دارجة واستطاع المجلس تحقيق تواصل مصر مع العالم. وحالة حقوق الإنسان تقدمت في بعض المواقع وتوقفت جزئيا في بعض المواقع وتراجعت في بعض المواقع ومن ضمن المجالات التي حققنا فيها نجاحاً هو الوعي بحقوق الإنسان ولم يعرف المواطنون حقوقهم إلا من خلال المجلس ومن خلال (مناكفتنا) والمناكفة ليست بالهجوم، ولكن من خلال الدورات التدريبية وتدريب رجال الشرطة وأصبحت تقاريرنا تقرأ في الداخل والخارج وكانت لنا مطالبات عديدة بشأن منع التعذيب وتعديل قوانين الحبس الاحتياطية. هل تحظي تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان باستجابة من الحكومة؟ - يعجبها البعض والبعض الآخر لم يتجاوب معه. هل تري أن قانون مكافحة الإرهاب سيكون أفضل من قانون الطوارئ ؟ - لابد أن نراه أولا قبل الحكم عليه، وعلي الأقل فإن قانون الطوارئ مؤقت ولكن قانون مكافحة الإرهاب قانون دائم لا أرضي أن نزيل قانونا مؤقتا نحن جميعا غير راضين عنه لأنه يقيد الحريات ونأتي بقانون به نفس القيود الشديدة. وفي حالة خروج القانون بشكل أو بآخر ماذا ستفعل وأنت خارج المجلس وفي موقع يصعب فيه المعارضة؟ - سأكتب وأحاضر وأبلغ وأكتب لوزير الداخلية ولرئيس الجمهورية. ما القطاعات التي لم يتقدم فيها مجلس حقوق الإنسان؟ - قانون دور العبادة الموحد وقانون مكافحة الإرهاب وقانون منع التعذيب وكان هدفنا أن يشارك المواطن دون خوف فإن شارك شارك صادقا وإذا تكلم تكلم ثابتا فالحياة قائمة علي أن السلطة تحد السلطة وليس من المفروض أن نضعف مؤسسات الدولة. هل أنت متفائل بالتشكيل الجديد للمجلس؟ - مبكرا أن أحكم توجد عناصر جيدة في التشكيل وهناك عناصر جيدة لم تدخل. كيف تري مشاركة الشباب السياسية حاليا؟ - كتبت في هذا الموضوع منذ عام 1982 عن الشباب ودوره ورؤيته للمستقبل ومنع الشباب من العمل السياسي بالجامعة لا أرضي عنه ومن المفروض أن يتم وضع ضوابط ويتعلم الشباب كيف يلتزم بالضوابط والحكومة تتعلم أن الحرية مدخل وبدون الحرية فإننا نفقد فضائل المجتمع. قلت إن الناس في الدنيا كلها تتعبد إلي الله بالعمل والاجتهاد، بينما المسلمون يتعبدون بالكسل والجهل والتدين الشكلي فما هي أسباب ذلك التردي الذي وصلنا إليه؟ - التدين قديما كان مرتبطا بالصدق والصراحة وعدم مخالفة الفرد المتدين للوعد فالتدين كانت له مظاهر عملية. أما التدين اليوم فقد صار شكليا ومقصوراً علي الطاقية المشبكة والجلابية القصيرة. والتدين حاليا مبني علي جهل ولا يتوقف فقط علي إصلاح الخطاب فقط ولكن يجب إصلاح المضمون.. وأنا ضد التشدد جملة وتفصيلا ولاتدين صحيحاً إلا ماقام علي التيسير والبهجة و(ليس إسلام الهم والغم) ويجب علي الدولة النظر من جديد في الخطاب الديني والسياسي وفتح مجالات للحوار حتي مع المتشددين. هل انتشار الحجاب في مصر خلق نوعاً من التمييز في المجتمع؟ - ليس الحجاب ولكن النقاب هو من خلق هذا التمييز فالنقاب لا أصل له في الإسلام ولكنه عادة كانت موجودة وأنا كتبت لشيخ الأزهر في مسألة النقاب. كيف تري حادثة نجع حمادي؟ - نحن تربطنا علاقة وطيدة بالأقباط وهذه العلاقة لها جوانب عديدة وهذا لا يمنع أن لهم مطالب، كثيرة منها ما هو مشروع تماما، ولا ينبغي التباطؤ في الاستجابة لها و الأقباط لديهم اعتقاد بأن الدولة لا تعطيهم حقهم لتولي بعض المناصب. ولا يصح أن نطلق علي حادث نجع حمادي أحداث طائفية وما حدث له أسباب اقتصادية واجتماعية وتعليمية فهناك ضيق معيشي واجتماعي خانق، الناس تعبانة ماديا، فكل الأمور تأخذها بانفعال.. ومن الممكن أن تكون غاضبا من شيء وتخرج هذا الانفعال في شيء آخر بالإضافة إلي أننا نحتاج إلي ثورة مدرسية، فالمدرس غير متأكد مما لديه من معلومات ولابد من تجديد المناهج التعليمية وتطويرها. المطالبون بإلغاء مادة الشريعة الإسلامية من الدستور يرون فيها حدا فاصلا لإنهاء الاحتقان.. فهل من الممكن أن يتحقق ذلك إذا تم إلغاؤها؟ - شئنا أم أبينا.. نحن نعيش في دولة إسلامية وأستند في ذلك لأمرين.. أن الغالبية في مصر من المسلمين.. وأن الثقافة العامة للمجتمع نابعة من الشريعة الإسلامية.. وهذا لا يعني أن مصر مقصورة علي المسلمين فقط.. ولكن هناك وثيقة اسمها الدستور.. وهو يحكم العلاقة بين جميع أبناء الوطن علي أساس من المواطنة فالمادة 40 أكدت أن المصريين أمام القانون سواء ولاتميز بينهم وبين بعضهم علي أساس الدين أو العقيدة لذلك فمن جانب الأغلبية العددية أن تسعي إلي إقرار ذلك وإلا ستكون في أزمة والأغلبية مسئولة عن تحقيق المساواة ومساواة المصريين جميعا معاملة واحدة في المناصب القيادية والتعليمية والبرلمانية فلاتخرج علينا آراء تشعل الفتنة كأن يقول أحد نزيل آثار الغزو العربي الإسلامي فكل هذا يصب في خانة الفتنة. المجتمع المصري أصبح بطريقة أو بأخري يدعم التمييز فما أسباب ذلك من وجهة نظرك؟ - أسبابه الأزمة وغياب القدر الكافي من الديمقراطية فالثقافة السياسية والخطاب الديني والسياسي في حاجة إلي تغيير، فالخطاب السياسي لابد أن يعرف أن الحرية أصل وأن القيد استثناء ويجب أن يعرف أن المشاركة السياسية لابد أن تتم طاهرة نقية مكتملة دون أن تتدخل فيها أية عوامل أخري وألا تكون مزيفة ظاهرها المشاركة وباطنها التزوير. الحوار الديني خطاب متشدد علي الجانبين، ويجب أن يتعلم هؤلاء أن الله قال: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصاري من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون. وقال الرسول: كُلٌّ إن من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله فكيف يقول الرسول إن الإسلام لايفرق بين الرسل ونأتي نحن البشر ونفرق؟! الرقابة الدولية علي الانتخابات تجد رفضا قاطعا من العديد من طوائف المجتمع لماذا وافق عليها المجلس القومي لحقوق الإنسان؟ - لا أجد حرجا من المراقبة الدولية بشرط المعاملة بالمثل وإحنا أيضا نشرف عليهم الدنيا تغيرت فقد انفردت بلجنة الحريات الدينية بالكونجرس وأسمعتهم كلاما شديدا وانتقدت مطالبهم وعاملتهم بالمثل. بصفتك عضوا في المجلس القومي للمرأة هل أنت راضٍ عما وصلت إليه المرأة في المجتمع المصري؟ - إن ما تم في مجال حقوق المرأة والنهوض بها يعتبر إنجازا جيدا بالقياس لمجالات أخري فهناك 20 قانونا جديدا صدر في حق المرأة ومن بينها قانون الخلع والجنسية.. وحالة المرأة في مصر تحسنت كثيرا وعليها أن تستفيد من جهود المجلس القومي للمرأة. ما تقييمك للمصري المعاصر؟ - إنسان كسول لا يريد أن يفعل شيئا، كائن بين الإنسان وكائنات أخري والإنسان المصري أصبح غادراً نتيجة التغيرات التي تعرض لها الشعب المصري خلال الأعوام الماضية، فقد سقطت لديه قيمة الواجب وانصرف كثير من الأفراد إلي تحقيق مصالحهم الذاتية بغض النظر عن التزامهم نحو المجتمع بالإضافة إلي غياب الإتقان وهبوط مستوي الأداء وانهيار كثير من القيم الحافظة وهي القيم التي تشد الناس إلي بعضها وتحمي مؤسسات المجتمع كالأسرة والمدرسة وقيم التكافل والود المتبادل داخل الأسرة والحل هنا في أيدي أجهزه الثقافة والإعلام والدعوة الدينية فلابد أن تقوم بجهد منسق مشترك تسبقه دراسة متأنية صريحة وخطة عمل لإصلاح سلوك الإنسان المصري موازية لخطة التنمية ومكملة لها ولكنها مستقلة عنها في انطلاقها وتعاملها المباشر مع الإنسان، ولابد من العمل مع الشباب من خلال تنظيم قومي يرتفع فوق الأحزاب جميعا ويتحرك من أفق أعلي من أفق تقديم الرعاية التقليدية. خطوتك القادمة؟ - أنا مقاتل في العمل وفي خدمة حقوق الإنسان وسأظل عاملا في مجال حقوق الإنسان من أي موقع أنا فيه ولي علاقات بمنظمات دولية ومصرية وسأظل أعمل.