عندما حولت السيول المدن والقرى إلى جزر معزولة كشفت فى طريقها أن كل وزارة وكل محافظة وكل إدارة فى مصر تعيش فى جزيرة معزولة ولا تستعين بالآخرين، فيخرج القرار ويتم التنفيذ أمام المعترضين الذين لا يظهرون إلا بعد وقوع الكارثة ليؤكدوا أنهم حذروا! فقد كشفت كارثة العريش أن هناك هيئات ومؤسسات وأفراداً أقاموا منشآت فى مجرى السيل مما أدى إلى إغلاقه فخرجت المياه عن مسارها الطبيعى وبدلا من أن تصب فى البحر أغرقت المساكن والشاليهات والقرية الأوليمبية الى تجاوزت تكلفتها 90 مليون جنيه. أين كانت وزارة الرى عندما عرفت بإقامة منشآت تسد مجرى السيول وهى المسئولة والمشرفة على المصبات وهل تم البناء فى الظلام؟ لماذا لم تستعن الهيئة المسئولة عن القرية الأوليمبية بآراء المهندسين الاستشاريين الذين رفضوا البناء فى مجرى السيول؟ وأين كانت وزارة الإسكان وهى المسئولة عن إقامة أى مبان فى أى محافظة؟ محافظة شمال سيناءوالعريش أكبر مدنها كيف تغافلت عن مذكرات قدمت للمجالس المحلية توضح خطورة البناء فى مناطق مجرى الوادى؟ وكيف وافقت على بناء 80 متجرا بمجرى وادى العريش وشاليهات ومساكن ملاصقة لجسر الوادى؟ الأهالى أيضا تصرفوا بمبادئ «احينى النهاردة وموتنى بكرة» فبنوا مساكنهم فى طريق مخرات السيول وحواف الجبال وتحت الصخور ولم يجدوا من يقف أمامهم. اختفاء التنسيق بين الوزارات والهيئات والمحافظات لا يؤدى فقط إلى خسائر مادية تصل إلى مئات الملايين يدفعها غالبا دافعو الضرائب وإنما يسهل أيضا الهروب من المسئولية. فعندما تحدث الكارثة كل وزارة وكل محافظة وكل هيئة تلقى بالمسئولية على غيرها، ولعلنا لم ننس حكاية استخدام مياه المجارى فى رى الأراضى الزراعية فى كثير من المحافظات ومنها القاهرة والجيزة كانت المصيبة تحدث فى صمت وتحت بصر الجميع وعندما اكتشفت تفرق دم المسئولين بين وزارة الزراعة ووزارة الرى ووزارة الإسكان والمحافات وانبرى كل مسئول فى الهروب من المسئولية وإلقاء التهمة على غيره وكرروا أحداث رواية «نائب فى الأرياف» حين كان عمدة كل قرية يحرص على إبعاد الجثة التى تظهر فى الترعة إلى ترعة قرية أخرى، حتى لا يتعرض لتحقيقات الشرطة والنيابة. لقد تضمن التقدير المبدئى لخسائر السيول فى شمال سيناء إلى انهيار حوالى 592 منزلا و1487 غمرتها المياه وتدمير 72 طريقا واقتلاع 13 ألف شجرة وبلغت خسائر شبكات الصرف الصحى حوالى 20 مليون جنيه وتلفيات المنطقة الصناعية 10 ملايين جنيه ومستشفى العريش 10 ملايين جنيه والمدينة الشبابية 5,3 مليون جنيه. ونحن نعرف جميعا أن السيول والفيضانات والحرائق كوارث طبيعية ولكن الإهمال البشرى له دور كبير فى زيادة الخسائر ولقد قرأنا كثيرا عن القرارات التى اتخذت فى مجال تنظيف وتسليك مخرات السيول للاستفادة من هذه المياه فى الزراعة ولكن مع كل مرة تحدث السيول نكتشف أن هذه المخرات مسدودة ولا تعمل. الغريب أن هيئة الأرصاد الجوية أكدت أنها حذرت المحافظات من هطول الأمطار التى ستصل إلى مرحلة السيول وأرسلت فاكسات إلى الجميع ولم ينتبه أى محافظ لهذه التحذيرات.. أما الأغرب فهو تصريح رئيس صندوق تطوير العشوائيات أنه أبلغ المحافظين بخطورة سيول هذا الشتاء منذ 7 شهور وهذا الصندوق تابع لمجلس الوزراء، فلماذا لم يتحرك أحد ويحذر الأهالى ويراجع حالة المخرات؟! هل هناك دليل أوضح من ذلك على أن كل وزارة ومحافظة تعيش فى جزيرة منعزلة رغم ما نسمعه عن توفر وسائل الاتصال الحديثة ووجود الحكومة الذكية. تصرفاتنا تؤكد على أننا لا ننظر إلا تحت أقدامنا وأننا نتصرف ونقرر وننفذ على اعتبار أننا نعيش يوما بيوم، رغم مناخ الاستقرار الذى نشكو منه أحيانا ولعل هذا ظهر فى كارثة المعهد القومى للأورام الذى يعانى من الانهيار بعد عشرين عاما فقط من بنائه كل الذين شاركوا فى بناء المعهد واستلامه ثم كسائه بالرخام كان يعتريهم شعور اليوم وأن ما سوف يحدث سيكون فى أيام غير أيامهم، وهكذا ينتشر الفساد ويستشرى ولا يدفع ثمنه إلا نحن. التحقيقات فى كل المشاريع التى تحولت إلى كوارث مثل استصلاح الأراضى على مياه المجارى والبناء على أرض مسروقة والغش فى إنشاء معهد الأورام والبناء فى سفوح الجبال ومخرات السيول، يجب أن تطول كل المسئولين منذ البداية وحتى النهاية ليعلم كل مسئول مفهوم أن يعرف كل الآراء وأن ينظر إلى أبعد من تحت قدمه.؟