مشاعر مختلطة بين الدموع المختنقة في عيني والغصة في قلبي والدم الذي يغلي في عروقي وأنا أري رجالا مصريين من رموز المجتمع المصري يحاولون إخفاء دموعهم وبكائهم وهم يحكون ما حدث لهم علي أرض السودان بأيدي الجزائريين في هذا اليوم الأسود، وشعرت بأني أريد أن أصرخ وصوتي مخنوق. أردت أن أسافر للجزائر وآخذ حق المصريين من كل جزائري همجي نجح في بث الهلع في نفوس المصريين المسالمين، وتذكرت أني قبل المباراة بيومين كنت أتحدث مع زميلاتي في الذهاب للسودان وتشجيع منتخبنا الوطني حتي إن ابنتي كانت تريد أن تأتي معي وتخيلت لو كنت قد سافرت ومعي ابنتي كما فعل الكثيرون والكثيرات من المصريين الذين لم يرغبوا سوي في تشجيع منتخبهم الوطني وتحقيق النصر لبلدهم، وأخرجني من شرودي صوت الفنانة فردوس عبدالحميد ود. محمد العدل وهما يبكيان العروبة التي ضاعت بين الإخوة، وكيف هان المصريون علي الجزائريين وأحداث الشغب والهمجية التي قام بها الجزائريون في البرنامج التليفزيوني الشهير، ومنذ ذلك الوقت وأنا أشعر كالمربوطة التي تريد أن تأخذ حقها ولا تستطيع الحراك، عندما ركبت التاكسي في اليوم التالي وألقيت التحية علي السائق بادرني بأن موش له نفس لأي شيء بعد ما حدث؟! وأخذ يحكي عن الجزائر وشعبها ولأنه متابع لكرة القدم، فقد أكد لي أن 021 مباراة في الجزائر أقيمت بدون جمهور خوفا من التعصب الأحمق وردود أفعال المشجعين الجزائريين العنيفة، وأحداث البلطجة عندهم، وأن هناك مباراة بين فريقين عندهم مؤجلة منذ 5 أشهر خوفا أيضا من أحداث الشغب للجمهور، وجدت عاملات النظافة في النادي وهن نساء تعدين الخمسين من أعمارهن مجتمعات يتكلمن فيما حدث بالسودان ويشتمن الجزائريين مع أنهن ليس لهن في الكرة أو في السياسة، وتساءلن عن كيفية أخذنا بالثأر، ابنتاي عادتا من المدرسة وهما مشحونتان من أحداث الماتش، فمع صغر عمريهما وجدت علي وجهيهما آثار الغضب، لقد أخبرتني سلمي ابنتي وهي في التاسعة من عمرها أن زملاءها في المدرسة كانوا يبكون لهجوم الجزائريين علي بعض أقاربهم ممن سافروا بهذه الرحلة المشئومة، أما ندي ابنتي الصغري فقد أخبرتني أنها لم تكن تعرف بلدا يسمي الجزائر، وأنها كرهتها لأن أهلها يكرهون مصر ويكرهون الحضري وأبوتريكة اللذين تحبهما جدا. أم عبدالرحمن المرأة التي تأتي لتساعدني في تنظيف بيتي عندما جاءت بدأت حديثها معي كالمعتاد، لكنها لم تشتك لي مثل كل مرة من الحالة الاقتصادية السيئة وظروف المعيشة الصعبة ومصاريف ابنتها في المدرسة أو مشاكلها مع زوجها علي المال، بل وجدتها أيضا مهمومة بالمصريين الذين أهينوا في السودان علي أيدي الجزائريين ووجدتها تقول: لو كان أهل منطقتي بولاق أو أهل منطقة زوجي بشبرا هم من ذهبوا للسودان كانوا عرفوا ياخدوا حقنا بدل الهوانم والبشوات الكريمة الذين اعتقدوا أنهم يتعاملون مع ناس أولاد أصول مثلهم، كنا سنعطيهم درسا يطلع من نافوخهم! أحاديث صديقاتي وزملائي في العمل، حديثي مع إخوتي، مع أمي، كلها تنصب عما حدث وعما سيحدث في هذا الموضوع، جميع القنوات التليفزيونية المصرية، جميع الصحف حكومية ومعارضة جعلتني أشعر بأن مصريتنا جمعتنا علي رأي واحد وعلي قلب رجل واحد، جعلتني أري جانبا مشرقا فيما حدث كأننا شعب لا يظهر حبه لوطنه وكرامته إلا مع الأزمات، وأعطتني الأمل في استرداد حقنا ممن أساء لنا بهذه الروح، الخطوات بعد ذلك من مقاطعة أو ما إلي ذلك ستأتي تباعا، لكن الأهم هو هذه الروح التي جعلتني أشعر بروح الوطنية التي طالما سمعت عنها من أبي لأنني لم أكن قد ولدت سنة 37 وهي التي تجعلني الآن أسمع الأغاني الوطنية بشكل مختلف، وأشعر بالدموع في عيني عند سماع يا حبيبتي يا مصر بدلامن مجرد أغان وطنية تذاع في المناسبات، أما الرسائل التي أتتني من مجموعة كبيرة من الشباب لمشاركتهم الجروب علي الفيس بوك لمناهضة العنف الجزائري وما كتبوه علي صفحاتهم، فهو ما أشكر الجزائر عليه لأنها أيقظتنا دون أن تعلم! كلمة أخيرة لمن يقولون لا تخلطوا الحابل بالنابل، وتعمموا الكلام عن الجزائريين، أريد أن أعرف أين هو الحابل، لماذا أصاب الرأي المؤيد لموقفنا من الجزائريين الخرس! هل هم في سجون! هل هم محبوسون في بيوتهم مثل المصريين هناك؟!