أعترف أننى لست متابعا دقيقا للإذاعة، فأنا أحد ضحايا سباق التليفزيون والفضائيات المتعددة لجذب الانتباه والاستحواذ على جمهور الإذاعة الذى تربى لسنوات طويلة بجوار جهاز الراديو ينتظر برامجه ومسلسلاته وأغانيه. اختفى تدريجيا هذا الاهتمام فى مقابل سحر الصورة التليفزيونية وألاعيب التكنولوجيا المتطورة التى تجعلك تعيش وسط الحدث ثانية بثانية بالصوت والصورة. ومع هذا الاختفاء.. اختفى أيضا سحر الخيال الذى كان يتيحه لنا الاستماع إلى الإذاعة، الذى كان يجعلك تنسج بخيالك ما وراء الصوت.. شكل الممثلين وطريقة أدائهم.. تفاصيل المكان، الديكور، الإضاءة، طريقة استقبال ضيوف البرامج للأسئلة الموجهة إليهم، والأهم هو صورة الشارع بكل مفرداته. اختفى الخيال.. وأصبحنا أسرى الصورة المعلبة التى يقدمها لنا التليفزيون، كسالى ننتظر كل ما هو جاهز، ولا نجهد أنفسنا بالتفكير، وربما كان اختفاء هذا الخيال هو أحد أسباب تخلفنا فى إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلنا، وأيضا فى مجال البحث العلمى والإبداع الفنى، وأصبحنا غرقى دوامة بقاء الحال على ما هو عليه، نخشى مغامرة الأفكار الجديدة، بل نخشى أى تجديد! راودتنى هذه الأفكار وأنا فى معسكر يومى ضمن لجان تحكيم الإذاعة والتليفزيون فى مهرجان القاهرة للإعلام العربى فى دورته الخامسة عشرة، الذى انتهت فعالياته منذ يومين، فى هذا المعسكر اليومى الذى يبدأ من العاشرة صباحا حتى السادسة مساء، وأحيانا يمتد إلى التاسعة فى لجان منتظمة على أعلى مستوى من التنظيم والضيافة تحت رئاسة المهندس أسامة الشيخ والدينامو إبراهيم العقباوى أمين عام المهرجان وساعده بكفاءة عالية الإعلامى عادل ماهر المنسق العام للجان التحكيم، وقد تم إسناد رئاسة لجان تحكيم التليفزيون للناقد الكبير يوسف شريف رزق الله، ورئاسة لجان تحكيم الإذاعة للإعلامى البارز محيى الدين محمود. وقد كان من نصيبى أن أكون عضوا فى لجنة تحكيم المسلسل الإذاعى الاجتماعى، حيث دخل السباق إذاعات السعودية والبحرين والمغرب وسوريا والكويت وقطر والسودان والأردن وسلطنة عمان وتونس، بالإضافة إلى مصر التى تقدمت بعشرة مسلسلات إذاعية من مجموع 72 مسلسلا تقدمت للمسابقة. عشرة أيام مع المسلسلات الإذاعية بمختلف اللهجات العربية، وأسجل هنا بعض الملاحظات العامة دون التعرض لما جرى فى لجنة التحكيم ونتائج المسابقة. أولا: هناك تشابه ملحوظ فى نوعية الموضوعات التى تناولتها هذه المسلسلات العربية ما بين التركيز على قضايا الفساد الاجتماعى، والتركيز على قضايا المرأة ومشاكل الزواج والطلاق، وأيضا التركيز على أحلام الشباب والرغبة فى الهجرة، وهذا التشابه فى نوعية القضايا يؤكد عمومية المشاكل العربية.. فالهموم واحدة، والمعاناة واحدة، والأحلام تكاد تكون واحدة، ما بين البحث عن العدالة الاجتماعية والبحث عن النقود. الفروق فقط فى طريقة التناول الدرامى وأداء الممثلين واستخدام الموسيقى والمؤثرات الصوتية، ومن هنا تتحدد درجة التميز. ثانى الملاحظات أركزها على الإذاعة المصرية، فمن الواضح أنه رغم الكفاءات والخبرات الإذاعية المصرية، ورغم التفوق الفنى وجاذبية العرض، إلا أن الإذاعة المصرية مظلومة بالمقارنة بما يحصل عليه التليفزيون المصرى من امتيازات مادية ومهنية وإعلامية، ورغم أن جهازى الإذاعة والتليفزيون يضمهما اتحاد واحد هو اتحاد الإذاعة والتليفزيون، إلا أن الاهتمام الإعلامى بالتليفزيون أكبر بكثير من الاهتمام بالإذاعة، لدرجة أنك لا تجد البرنامج اليومى للإذاعة منشورا فى الصحف الصباحية. ولا تجد خبرا أو تحقيقا عن نجوم الإذاعة ونشاطاتهم المتفوقة، قد يكون هذا عيب الصحف لأنها تعودت أن تبحث عن الأخبار والموضوعات الأكثر جماهيرية فى نطاق التليفزيون ونجومه، لكن لا يمكن أن نخلى الإذاعة من مسئوليتها عن تسويق أعمالها. وقد فوجئت بأن مسلسلات الإذاعة لجأت إلى نفس أسلوب مسلسلات التليفزيون فى الاستعانة بالنجوم الأكثر شهرة للقيام بأدوار فى المسلسلات سعيا وراء الاهتمام الإعلامى، من هؤلاء النجوم مثلا أحمد السقا ومنة شلبى وشريف منير وهنيدى وهشام عبدالحميد وعلا غانم وعمرو سعد. ولجأت الإذاعة أيضا إلى الاستعانة بوكالات الإعلانات لزرع الإعلانات وسط أحداث المسلسلات لتغطية نفقات إنتاجها، وهى الآفة التى أفسدت مسلسلات التليفزيون! ولكن ما باليد حيلة! وبالرغم من كل المشاكل والإحباطات التى يواجهها أبناء الإذاعة إلا أنها تواصل الجهد للوصول إلى المستمعين، أعان الله الإعلامية الكبيرة انتصار شلبى رئيسة الإذاعة لإحياء أمجاد الإذاعة التى لا ننساها.