لا نساند فقط فضيلة الإمام الأكبر شيخ الازهر د.سيد طنطاوى ونقف إلى جواره وهو يتعرض لهذه الهجمة من تيارات الأفكار الظلامية التى تريد أن تفرض سطوتها المتطرفة على عقل ووجدان البسطاء فى هذا الوطن .. مغازلة لمشاعرهم الدينية .. ومتلاعبة بالقيم الحقيقية للدين الإسلامى ووسطيته واعتداله .. متجاوزة لكل أسس وأركان دين الإسلام فى السماحة والرفق والترفق فى علاقة المسلم بأخيه المسلم .. واحترامه للآخر وحقوقه التى ضمنتها شريعة الإسلام وآدابه وتعاليمه .. وإنما ننتصر لكل القيم الجميلة فى هذا المجتمع من وسطية واعتدال وسماحة وتآخٍ وقبول للآخر. فهم - تيارات الأفكار الظلامية - يريدوننا متناحرين متطاحنين ننخر بكلتا يدينا فى أركان هذا المجتمع الذى لم يعرف طوال تاريخه سوى قيم الاعتدال والوسطية والسماحة التى حمت تماسكه وحققت سلامته لآلاف السنين. غاية المراد أن تتآكل الأسس وتنهار المبادئ وتغيب الاستنارة ليصبح وطننا سهل الهضم .. متاحا لكل خطط جماعات التطرف الظلامية فى طمس الهوية وإلغاء الحدود وولاية الأمير .. برسم علامات التمييز ليس فقط بين أبناء الوطن الواحد.. وإنما أيضا بين أبناء الديانة الواحدة .. سعياً لشقاق وخلاف ينتهى إلى عداوة وفتن تستبيح دم الأخ والقريب والجار .. تحت مظلة دعاوى التدين والحرية الشخصية. حسنا .. حكم الدين الإسلامى فى عدم وجوبية نقاب المرأة واضح لا لبس فيه .. أجمعت عليه المذاهب واتفق فيه الفقهاء وعلماء الدين .. بما لا يحمل أى مجال للشك أو يترك فرصة لاجتهاد .. إلا لمن أرادوا التغييب والتوتير .. وهم المنتقبات وممثلوهم من تيارات ظلامية محظورة على شاشات الفضائيات والبرامج الليلية وزوايا التطرف العشوائية .. ساعون حتى النهاية إلى التغييب والتوتير ورسم علامات التمييز .. لحية وجلبابا ونقابا. أحكام الحرية الشخصية تتوقف عند عدم المساس بحرية الآخرين وضوابط المجتمع .. وأبسط قواعد تحقق الحرية الشخصية أن تعرف إلى من تتحدث .. ومع من تتعامل .. وإلى جانب من تسير فى الطريق .. وإذا عاملت باحترام يجب أن تعامل باحترام . ماذا لو رفضت الرد على حديث لمنتقبة وامتنعت عن الإجابة عن سؤال لها .. هل ستكون حرا ؟ .. ماذا لو امتنع سائق تاكسى أو ميكروباص عن ركوب "منتقبة" سيارته لأنه لا يعلم ما إذا كانت رجلا أم امرأة .. هل سيكون حرا ؟ .. ماذا لو قرر بقال الامتناع عن البيع لسيدة "منتقبة" لنفس السبب .. هل ستعتبره المنتقبة حرا..؟.. ماذا لو رفضت أن يلتحق ابنك بفصل تدرس فيه منتقبة خوفا على ابنك من انطباعات نفسية وأفكار ظلامية ؟ .. بأى الأوصاف ستتهمهم وتتهمك السيدة المنتقبة ومن تمثلهم من أصحاب الأفكار الظلامية .. هل ستعترف هى أو سيقرون هم بأنها حرية شخصية؟.. أليس حق التعرف وحق التعامل وحق الخوف .. حرية شخصية. ومن ثم .. لا يحق لأى كان وتحت دعوى الحرية الشخصية أن يمارس التمييز بالإعلان عن أنه الأفضل .. الأكثر تدينا .. الأكثر تقربا إلى الله عز وجل .. وأنها "المنتقبة" الأكثر عفة والأكثر التزاما .. وغيرها ضالة مضللة تسير إلى بئس المصير .. لا تصلح للكلام أو التعامل أو حتى لكشف النقاب أمامها. هو قتل لقيمة المرأة فى الحياة الإنسانية .. واغتيال لصفات المشاركة بين الرجل والمرأة .. فهى ليست كائنا أقل درجة من الرجل .. وجب حجبها .. وليست مستودعا للفتنة والافتتان وجب التحوط منها إسدال الستار عليها مع الاستعاذة بالله العظيم من شيطانها. لقد أرسل فضيلة الإمام الاكبر شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوى كتابا إلى مجلسى البرلمان "الشورى والشعب" مرفقا به القرار الذى اتخذه المجلس الأعلى للأزهر بشأن منع ارتداء النقاب فى الفصول الدراسية للبنات، وفى المدن الجامعية الخاصة بالبنات وقاعة الامتحانات.. وقبله طالب الإمام الأكبر البرلمان فى حوار للزميلة "روزاليوسف" بسن قانون جديد يحظر ارتداء النقاب فى الأماكن العامة استنادا إلى إجماع جمهور الفقهاء. وقد أحال رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف كتاب الإمام الأكبر وقراره إلى لجان المجلس لإعداد تقرير يعرض على المجلس مع بداية الدورة المقبلة .. ليبدأ حوارا حقيقيا مستنيرا حول النقاب .. لا كقضية دينية .. فالدين قال كلمته الفاصلة فى النقاب .. وإنما كقضية مجتمع مستنير يرفض الابتزاز بالشعارات الدينية ودعاوى الحرية الشخصية وتسييس الدين .. قضية وطن يرفض محاولات التمييز بين أبنائه تحت أى مسمى .. وطن يغلق كل الأبواب فى وجه تسلل الأفكار الظلامية الخبيثة التى تسعى للنيل من سلامة بنيانه وأسس أركانه وطبيعته الوسطية المعتدلة. وطن يحتاج إلى شجاعة الاستنارة .. بلا تردد ولا حسابات ضيقة. [email protected]