تلاميذ بالمرحلة الثانوية يبيعون الحشيش والبانجو فى المدرسة، السيجارة بخمسة جنيهات، التلميذ الذى يقوم بالبيع يتصرف مثل الباعة فى المترو، حيث يطوف واضعا سيجارة أمام كل طالب داخل الفصل، بعدها يقوم ومعه زملاء له بتحصيل الثمن، إنما عند الدفع لا يتم بسلام استرداد السيجارة من التلميذ الذى لا يملك الجنيهات الخمسة، إنما يستردونها بعد ضربه على قفاه. يحدث هذا على مرأى ومسمع من المدرسين، وأقصى تدخل للمدرسين مع الطلبة البلطجية هو أن يقول لهم المدرس «ياللا ياابنى، عاوزين نبتدى الحصة»، وتكون الإجابة «ماشى يابيه، أمامى دقيقتين وأخلص». هذا المشهد هو أحد المشاهد المنقولة من أرض الواقع عبر كتاب «لاتربية ولا تعليم» تأليف الدكتورة «هناء وهبة» الذى يتضمن حواديت حقيقية مما شاهدته المؤلفة على مدى ما يقرب من ربع القرن عملت خلاله بالتدريس فى المدارس. منذ الصفحة الأولى فى تقديمها للكتاب تشير المؤلفة إلى أنه إذا كانت الدنيا تتطور فى الفترة الأخيرة تطورا سريعا جدا فإن السنوات الأخيرة لم تتطور فقط، إنما انقلبت رأسا على عقب، وتشرح ذلك بقولها أن القيم والمثل «اتلخبطت»، وأن المشكلة لم تعد فقط فى أن ما يتم تقديمه حتى فى أفضل مدارس مصر هو مجرد تعليم متوسط الجودة، إنما المشكلة ايضا فى التربية التى ضاعت تماما وسط زحمة اعتبارات أخرى. وتلخص الدكتورة «هناء وهبة» الحال بقولها أن زمان كان هناك تعليم «بجد»، وكان المدرس مثلا يحتذى به وسط الطلبة، وكان للعلم قيمة، أما الآن فبقدر وزن ولى الأمر بقدر تأثيره على قرارات المدرسة. كما تصف حال التلاميذ بأن الاهتمامات مادية بحتة، وكل شئ يتم تقييمه بالمادة، أما أولياء الأمور فيعتبرون المدرس «بيشتغل» عند ابنهم. كما تؤكد أن مشروع بناء مدرسة هو مشروع مربح جدا، وأن مدرسة اللغات أصبحت هدفا متواضعا جدا، إنما لابد من القسم الأمريكى والبريطانى وأحيانا أيضا الفرنسى والألمانى، ثم تسخر قائلة أننا ربما سنجد الصين قريبا على أبواب التعليم فى مصر. المؤلفة تصف ما حدث للتعليم فى مصر بأنه هو نفسه الذى حدث للمجتمع المصرى بالتدريج وليس فى يوم وليلة. كما تؤكد على أن المجتمع كله يدفع الثمن. ما تم رصده عبر الحواديت التى جاءت بالكتاب كثير ومهم، أما أحد ما لم ترصده مؤلفة الكتاب فهو الجريمة المتعلقة بالهوية التى أكملتها المدارس الدولية بعدما ارتكبته المناهج وطريقة التدريس ضد اللغة العربية حيث ابتعد الناس عن اللغة العربية الفصحى، مع ذلك فصحيح أن المؤلفة لم تتناول هذه النقطة مباشرة، إنما ربما أن كتابها المكتوب بأكمله بالعامية ينطق بهجر الفصحى على الرغم من أن المؤلفة لديها سلاسة فى الحكى والغوص فى أعماق الشخصيات، ولو كانت قد استخدمت الفصحى مع تطعيمها بالعامية حين يلزم الأمر لوجد القارئ نفسه أمام قطع أدبية متميزة.