بقلم : د.احمد عبد الرحمن الشرقاوى تحدثت فى عدد سابق عن ترنح سفينة الوطن بالانشقاقات المتوالية والمتعمدة أحياناً، محذراً من أن تغرق بالجميع. وأعنى بالغرق هنا طمس المطالب النبيلة لثورة طاهرة سيخلدها التاريخ، مؤكداً على أهمية التوافق الجبهوى لكل القوى الوطنية فى اتجاه التقدم والديمقراطية لطرح مشروع حقيقى للنهضة يمتلك القدرة على التصدى لقضايا الاقتصاد والتعليم والصحة والأمية والإفقار الروحى والثقافى والحضارى. لقد برع النظام السابق بكامل رموزه وأدواته فى أن يهوى بمصر إلى الحضيض فى كل شىء لحساب عصابات من المنتفعين الفاسدين. ولا يعنى إسقاط عصابات الفساد والإرهاب إسقاط دولة. إن مصر دولة عريقة أقامت أول وأعظم حضارة فى التاريخ القديم. ولم تسقط دولة على مر التاريخ لأنها انتفضت لكرامتها من أجل التغيير والقضاء على أوضاع فاسدة. والمجتمعات التى تخشى التغيير لا تحقق تقدماً بل تتساقط فى مهاوى الركود حتى تندثر. عندما تظاهر آلاف الأطباء من أجل نيل حقوقهم المشروعة ومحاربة الظلم الاجتماعى الواقع عليهم، لم تسقط وزارة الصحة بمستشفياتها وهيئاتها ومعاملها ومجالسها، وإنما بدأت حركة التغيير والتطهير الإيجابى وهى فى طريقها لاستكمال مسيرتها. وحين احتشد الآلاف من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات لتغيير منظومة تعليم فاسدة، ووضع حد لإهدار كرامتهم من خلال تدنى الأجور وهبوط وسائل التعليم والبحث العلمى، لم يكن ذلك يعنى إسقاط وزارة التعليم العالى بما تمثله من كيان مؤسسى متكامل. لقد حرص النظام السابق على تكريس كل صور الاستبداد والقمع والإرهاب والفساد بدعوى الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمة وثروات الشعب. وصبر الشعب طويلاً وهو يرى مقدراته وثرواته نهباً لتشكيلات عصابية تحتمى برأس النظام وأسرته وتوهم الشعب بأن مصلحته فى استمرار هذا النظام وإلا كانت الفوضى وسقوط الدولة كانت الحرية المنشودة زهاء ثلاثة عقود هى حرية النباح والصراخ ولا مجيب. وكان الغليان يزداد كل يوم، نراه فى تلال القمامة التى تهددنا بأبشع الأوبئة، ودموع الجياع والمشردين على أرصفة مجلسى الشعب والشورى. نراه فى حقوق العمال الضائعة التى أغلقت مصانعها لحساب مجموعة من السماسرة والمغامرين فى أقوات الشعوب ومصائر الأوطان. نراه فى نواب يتبارون فى نهب هذا الشعب وإهدار ثرواته لبناء إمبراطورياتهم الباذخة على أشلاء المعذبين. ترد غير مسبوق فى كل مناحى الحياة لحساب شبكات من المماليك أصحاب المصالح تخرب كل إنجازات تاريخنا الإنسانى النضالى الحافل وترسخ سلطان الأفاعى لتنفث سمومها القاتلة فى كل شىء رائع ونبيل فى هذا البلد بدعوى الاستقرار وألا تسقط الدولة! حتى جاءت اللحظة الفاصلة التى أدرك فيها كل مصرى بحسه الثورى الرائع أن الجمود والركود بدعوى الاستقرار هو إحدى أدوات قمعه وإرهابه والاستهانة بقدرته على مجرد التفكير والتحرك للتغيير نحو الأفضل. هنا تحولت طاقات الصبر والغضب إلى ثورة شعبية هائلة أذهلت العالم وأسقطت بطليعة شبابها الطاهر والصدور المكشوفة والهتافات المدوية والدم النبيل أعتى قلاع البطش والقمع على مر تاريخ مصر. إن شمعة واحدة فى أيدى صناع التغيير تتحدى بنورها كل ظلمات ليل الفساد والاستبداد، فما تقوى الظلمات عن أن تطمس شعاعاً مهما يكن ضئيلاً. فلتشرق شمس الثورة الساطعة على كل ربوع الوطن بالتطهير الشامل والتغيير إلى أفضل ما يليق بأحلام شهدائنا الأبرار!