ليس كل المتواجدين دائماً حول اللجان الانتخابية يهدفون إلي دعم الحرية والديمقراطية وتغيير المشهد السياسي في الشارع المصري، فمنهم الثورجية وداعمو الأحزاب السياسية وكذلك البلطجية والهتافين والأرزقية.. فالانتخابات تعني بزنس مضمون الربح لكل الأطراف، ومادامت هناك انتخابات ومرشحون فهناك أيضاً..... هتافون وأرزقية ينتظرون موسم الانتخابات للتكسب والتجارة في أي شيء وكل شيء. منذ فجر اليوم الأول للانتخابات امتلأت شوارع الإسكندرية بالناس، ازدحموا بالعشرات أمام اللجان الانتخابية معظمهم من الباعة الجائلين الذين لا يغادرون الميدان ليلاً أو نهاراً ولا حتي لتغيير ملابسهم. حمو والتوت ورابعة وسمارة أهم الوجوه التي شاهدتها أمام إحدي اللجان بمنطقة بحري، الحديث معهم ليس سهلاً حيث تحمل وجوههم ندوباً تشير إلي أنهم خاضوا معارك بطلها السلاح الأبيض!! عملهم الأساسي باعة للشاي والمثلجات وهي مهنة مربحة نوعاً ما ولكن ليس في أيام الانتخابات، حيث يقل الزبائن بسبب ذهابهم للتصويت. فقرروا الذهاب للزبائن، حيثما كانوا، وعليه فقد حملوا - عدة الشغل -من الترامس وأكواب الشاي والحاجة الساقعة ومناديل ودبابيس وعصائر لبيعها أمام اللجان ولكن الظروف الجوية جعلتهم يتجهون اتجاها آخر..... - لكن برضه مربح وكله مكاسب. عندما حاولت التحدث مع «حمو» قائد المجموعة والمتحدث الرسمي عنهم رفض في البداية بحجة أنه مشغول ولكن بعد محاولات عدة وافق بشرط أن يأخذ مني أي اصطباحة: وبعد أخذ المعلوم قال: لسنا إخوة ولكننا شركاء في بزنس واحد حيث نمتلك عشة في بحري نقدم فيها خدمات لأهل المنطقة (أي حاجة تجيب فلوس، شاي، معسل، سندوتشات، خناقات، تلاقيح جتت). ولما عرفنا بموضوع الانتخابات قفلنا العشة وحضرنا منذ السابعة صباحاً لبيع بعض المشروبات الساخنة والباردة للناخبين، الكوب ب 2 جنيه أي ضعف ثمنه الحقيقي - ولكن هطول الأمطار بغزارة عكر مزاج الناس ومنعهم من طلب أي شيء ولذلك غيرنا وذهبنا علي الفور إلي السوق القريبة وأحضرنا مجموعة من الشماسي لبيعها أمام اللجان - الواحدة ب 20 جنيه أي ضعف ثمنها الأصلي أيضاً. فرحب الناس علي الفور وأخذوا كل الكمية التي أحضرناها وهي تتعدي 70 شمسية بل وطلبوا المزيد وعندما فشلنا في الحصول علي أكثر من ذلك طلبنا من الموزع إحضار عدد من مشمعات الغسيل ليحتمي بها الناخب من المطر - بيع الواحد منها ب 5 جنيهات أي بضعف ثمنه الأصلي - كل هذا في أقل من ساعتين!!!! وبحسبة بسيطة نجدهم قد ربحوا عدة مئات من الجنيهات في فترة وجيزة. ومع ذلك لم ينصرفوا بل انتظروا أن يتحسن الجو ليعاودوا مزاولة نشاطهم الأساسي في بيع الشاي والمثلجات حيث ينتظر أن يحقق لهم ربحاً لا يقل عما حققه بزنس الشماسي! - تجار الهواء تجار الهواء هو اسم يطلق علي العاطلين الذين لا يمتهنون مهنة بعينها ولكن يعرفون كيف يستخرجون الجنيه من التجارة في أي شيء وكل شيء. سيد عويس أو سيد المفك كما يطلقون عليه حضر إلي إحدي اللجان الانتخابية بمنطقة المطرية وأخذ دوره في أول الطابور منذ السابعة صباحاً ليس للإدلاء بصوته ولكن لسبب آخر يقول: نعم حجزت مكانا في أول الصف ولكن مش علشاني ولكن علشان عمل الخير!! حيث أنتوي ترك دوري لرجل مريض أو واحدة هانم مش واخدة علي الوقوف في زحمة الطوابير!!!! ثم أعود لنهاية الصف وأقف ساعة أو أكثر وعندما يتحرك الطابور وأجدني في أول الصف ثانية أترك مكاني أيضاً لمن لا يستطيع الوقوف في الطابور...... وهكذا!!!! سألته: عمل الخير هذا كم تكسب منه حتي الآن؟ فقال: أنا لا أفرض سعراً لكن دي مسألة ذوق وتقدير من الناخب يعني حتي لو دفع 30 أو 40 جنيه ماشي مش هزعل حد!!!.. فجأة جاءت سيدة مسنة مشيتها البطيئة تؤكد أنها لن تصمد في طابور الاقتراع ومع ذلك مصرة علي الإدلاء بصوتها وبالفعل أخذت دورها في آخر الصف. جاءت بينما سيد يتحدث معي ولم يحجز أي مكان ولكن ذلك لم يوقفه بل قرر التحرك فوراً وفي لمح البصر وصل إلي أول الصف وأخذ يستعطف الناس ويرجوهم أن يفسحوا مكاناً لوالدته المسنة المريضة، حتي وافقوا. بعدها ذهب إلي السيدة المسنة وهمس في أذنها ببضع كلمات وفتحت حقيبة يدها وأعطته بضع عشرات من الجنيهات، ثم أوصلها بنفسه إلي أول الصف، وعاد ثانية يبحث له عن سبوبة أخري. - وصلني شكراً أما البزنس الكبير جداً فهو بزنس عربات النصف نقل والأوتوبيسات المكيفة التابعة لبعض شركات السياحة التي تجوب المدينة يومي الانتخابات لدعم مرشح بعينه. إبراهيم الوحش أحد هؤلاء السائقين يقول: لست صاحب السيارة ولكنني أحد السائقين التابعين لإحدي شركات النقل الخاصة والتي تم التفاوض معها لصالح أحد الأحزاب الكبري. وتكون مهمة جميع السائقين التابعين للشركة عمل دعاية غير مباشرة للحزب يوم الاقتراع، فسيارات النصف نقل عليها أن تجوب المدينة شرقاً وغرباً وهي مزينة بلوحات الدعاية وصور المرشحين التابعين للحزب مع دعمهم عن طريق الثناء عليهم علناً باستخدام الميكروفونات، وهي مهمة لا تستطيع السيارات التابعة للحزب أو الجماعة تنفيذها وذلك لأن القانون يمنع المرشح من عمل دعاية لنفسه يوم الاقتراع، وبفرضاً لو تم الإمساك بنا فسوف نقول إننا مواطنون ذاهبون للإدلاء بأصواتنا ولا نفهم في القانون.... فقط..... متحمسين شوية. أما الأتوبيسات فهي لنقل الناخبين مجاناً إلي مقار اللجان الانتخابية حيث تقف في الميادين والشوارع الكبري تنادي علي الناخبين الذين يودون الذهاب إلي اللجان مجاناً، ولكن..... (ليس مجاناً تماماً). حيث يدفع الحزب عشرات الآلاف من الجنيهات حيث يأخذ كل سائق 400 جنيه يومياً فضلا عن 2000 جنيه لكل سيارة أو أتوبيس، وهي صفقة رابحة وتكسب منها شركات السياحة أضعاف ما تكسبه في الأيام العادية. خبيني ولك الجنة!! حتي عام مضي كان كثير من الناس يقاطع الانتخابات وذلك لأنهم يعرفون النتيجة مسبقاً وأن أصواتهم مهما علت - مش هتفرق!! ولكن بعد الثورة الكل يعلم أن الصوت الواحد ممكن يفرق كتير وخاصة الأحزاب والكيانات ذات المرجعية الدينية التي تصر علي حصد أصوات كل من يذهب للاقتراع....... ومن لا يذهب أيضاً!!!!! حنان وبس - هكذا عرفت نفسها - تقول: أعمل بائعة بأحد محلات الملابس، بمرتب 300 جنيه في الشهر، أي 10 جنيهات عن كل يوم عمل واليوم الغياب يتخصم ب 20!! بالأمس استدعاني صاحب المحل فجأة وعرض علي أن يدفع لي 150 جنيها ويوماً إجازة مدفوعة الأجر مقابل العمل لمدة عدة ساعات، فوافقت حتي قبل أن أعرف ما هي المهمة، فقال لي إن أخاه مرشح في الانتخابات الحالية وسوف يذهب كل الأقرباء والأصدقاء لدعمه ولكن البعض منهم كبار السن أو مرضي أو متواجدون خارج المحافظة ولذلك لن يتمكنوا من الذهاب للإدلاء بأصواتهم وسوف تكون مهمتي هي حمل البطاقات الشخصية الخاصة بهم والتصويت بدلاً منهم، في إحدي اللجان التي تصادف عدم وجود حبر فسفوري بها - إحدي لجان الدائرة الأولي بسيدي بشر- وذلك بعد أن أذهب متخفية - من وراء النقاب - وعندما أنتهي من التصويت، أعود للوقوف في الصف ثانية وأنتظر دوري للتصويت مرة أخري باسم آخر وبطاقة أخري! ورغم أنني لست مقتنعة بما أفعل وأنه لو تم ضبطي سوف يتم تحرير محضر ضدي وقد أتعرض للسجن، ولكنني لا أستطيع الرفض لأنني وقتها لن أفقد ال 150 جنيها فقط بل سأفقد عملي أيضاً!!!! وتبقي كلمة... مع كل انتخابات لن نستطيع - مهما حرصنا - أن نتخلص من الفتوات والفلول والفهلوية ولكن نثق أن الوعي السياسي الذي صاحب ثورة التحرير قادر علي أن يقلص دورهم.