جماعة الإخوان المسلمين التى عولت على الديمقراطية، بعد يناير هى نفسها الجماعة التى فجرت «التحالف الديمقراطى» بالديكتاتورية والإخوان الذين قالوا إنهم عانوا من مخالفة النظام السابق للقانون، هم أنفسهم الجماعة التى ساومت على غير القانونى، فأصرت على طرح شعار دينى فى الانتخابات، ثم تحايلت، بنشره فى الشوارع، قبل أن تغير الشعار، مناورة، وطمعا فى الأهم، الإخوان الذين عابوا على النظام السابق تصلبه فى الرأى، عجزا، هم أنفسهم الذين، أقصوا شبابهم، ونفذوا ما قالوا إنه جاء بالتوافق، بينما لا الشباب عرفوا، ولا رضوا لما علموا، بينما الجماعة مصرة على ما تقول إنه «توافق»! النتيجة أن الإخوان، على خطى النظام السابق، فى دورة سياسية مصرية جديدة، لا يبدو معها الحال، لو استمرت، إلا إعادة استنساخ لنظام قديم، على طريقة الإخوان، وسيتأخر أمر الله، بولاية من يصلح! زلزلت سياسات الإخوان التوافقية، أكبر تحالفين انتخابيين على الساحة بعد يناير. فقد تعدت نيران الجماعة، لتنشب فى تحالف «الكتلة المصرية»، بعدما هدمت الجماعة «التحالف الديمقراطى». والتحالف الديمقراطى الذى بدأ بعضوية 34 حزبا سياسيا، أكبرهم الوفد والناصرى إضافة إلى حزب «العدالة والحرية» الذراع السياسى للجماعة، انتهى، بعد فترة، إلى مجموعة أحزاب صغيرة، يمكن وصفها ب«المشتراة»، لم تضف إلا مذاقا، بنكهات مختلفة، حسب تفضيلات الجماعة، بينما هجرت الأحزاب الكبرى التحالف، إما إلى «نفسها»، لتخوض الانتخابات مستقلة، أو إلى تحالف «الكتلة المصرية» مصابة بما يمكن تسميته ب «ذعر الإخوان». «ذعر الإخوان»، كان السبب فى أن تموج الأحزاب داخل تحالف «الكتلة» بالتخوفات، خوفا من تكرار «أزمات» التحالف الديمقراطى، داخل «الكتلة». فالأحزاب، كانت قد هجرت التحالف الديمقراطى، مصابة بأعراض «هلع الجماعة»، لم تستطع التخلص من «فوبيا الإخوان»، فأفرطت فى الحساسية السياسية، فى تعاملاتها داخل الكتلة.. والنتيجة، أن هددت الحساسيات، والشكوك، تحالف «الكتلة». مواقف لم تتغير ثلاث وقائع وضعت الجماعة على خطى النظام السابق. بدءا من اشتعال الخلافات مع حزب الوفد، خلال إعداد القوائم الانتخابية للانتخابات البرلمانية، والتى انتهت، بخروج الوفد، من «التحالف»، ثم خروج الحزب الناصرى، للأسباب نفسها، وانتهاء، بموقف الإخوان من المرأة، التى وضعت بشكل أقرب إلى الديكور على قوائم تحالف الإخوان، فبدا أن الجماعة، لم تغير موقفها من «النساء»، فى الوقت الذى لم تكف الجماعة عن التأكيد أن سياستها، تجاه التمثيل البرلمانى للنساء، تؤكد على ضرورة تمثيلهن بشكل مشرف فى الانتخابات. موقف الإخوان من تمثيل المرأة، أشارت إليه واقعة اعتذار جميلة إسماعيل، عن عدم الترشح على قائمة التحالف الديمقراطى، بقيادة حزب الإخوان فى دائرة «قصر النيل»، ممثلة لحزب «غد الثورة». انسحاب جميلة، اقترن، بتسريبات أكدتها جميلة نفسها، مؤكدة أن انسحابها، رغم وضعها فى المركز الثالث، على قائمة حزبها داخل التحالف الديمقراطى، كان بسبب ما قالت إنه «جمود فى موقف الإخوان تجاه المراة»، والمعنى أن جماعة الإخوان التى سيطرت على التحالف الديمقراطى، لم تستطع - رغم الظروف، والدعاية الاعلامية الرنانة تطبيق ما حاولوا إشاعته، من استعدادهم للدفع بمزيد من النساء، وفى مراكز متقدمة على قوائمهم الانتخابية . صحيح أن انفصال جميلة عن التحالف، ليس الخسارة الكبيرة للإخوان، إذ إن جميلة، لا ثقل واضحا لها حتى الآن، ما يجعل فرصها، فى الفوز، غائمة، وضبابية، فى دائرة انتخابية، المنافسة فيها ليست هينة، إلا أن خروجها من التحالف، مع ما تتصف به جميلة من «عبارات استعراضية»، كان كالضوء الكاشف، للوضع النسوى، داخل «الإخوان». المعنى أن الإخوان يكذبون بعد سقوط النظام السابق، بعدما عابوا على النظام السابق كذبه. وهم يمارسون، دعاية مخالفة لتوجهاتهم فى محاولة لنيل الحسنيين، صورة ذهنية جديدة فى الشارع، مع قناعات، لم يستطيعوا تغييرها بالنسبة لسياساتهم تجاه المرأة والأقباط، رغم أنهم قالوا إنهم غيروها. الشهور الخمسة الأخيرة، رسخت افتقاد الإخوان خبرة العمل الديمقراطى، بعد أعوام طويلة من «العمل تحت الأرض» فى منظمة، امتهنت التنظيم السرى، رغم ما بدا من تواجدها على السطح. ليس ذما، لكن المشترك، فى سياسة التيارات الدينية، بعد يناير، هو تحولها بحكم التاريخ والظروف، إلى ما يشبه الخفافيش، التى غالبا ما كان يضفى عليها الظلام، حرية، ومرونة فى التحليق، بينما يحد الضوء من سرعتها، وقد يصيبها بالتخبط، والشلل. رغم ذلك، لا يجوز اعتبار «التاريخ والظروف» من عوامل تخفيف الأحكام، أو اختلاق الأعذار، لخطايا الجماعة، بعد يناير، إذ إن أدوات الديمقراطية، لم تكن تحتاج من الجماعة، إلا الإيمان الحقيقى بالديمقراطية . والمعاناة، التى قال الإخوان إنها طالتهم من النظام السابق، لم تكن تتطلب من الجماعة إلا الاعتقاد الفعلى فى ضرورة عدم العودة لسياسات النظام السابق. فى الطريق لاختيار مرشحيها، لم يجر حزب الجماعة انتخابات داخلية، للاستقرار على أسماء تمثل توافقا حزبيا. ففى حين، حاول حزب الإخوان، تصدير التصورات عن رغبته فى التوافق على مرشحى القوائم مع باقى أحزاب التحالف الديمقراطى، ورغم أن هذا لم يكن صحيحا فى مضمونه، فإن التوافق بين قيادات الحزب، وبين قواعده، على أسماء ممثلى الحزب فى الانتخابات المقبلة، لم يكن صحيحا فى شكله. فقد اختار حزب الجماعة، مرشحى القوائم، بطريقة «المقربين» تارة، وبطريقة إرضاء رؤساء الأحزاب المتحالفة تارة أخرى، لذلك أثارت كثير من أسماء المرشحين أزمات مكتومة داخل الجماعة، فى بعض الداوئر، ولم تستطع أسماء أخرى فى دوائر أخرى الاستحواذ على تأييد كثير من أعضاء الجماعة. وردة فى «الجاكت» أبرز ملامح «ديكتاتورية» حزب الجماعة، طفت فى خلافات «التحالف الديمقراطى» الذى بدأ بتحالف 34 حزبا، من بينهم حزب جماعة الإخوان، الحرية والعدالة، وانتهى، باحتلال حزب الحرية والعدالة، مركز القيادة، مع أحزاب لم تكن إلا «وردة فى عروة بدلة تحالف الجماعة». فقد مارس «الحرية والعدالة»، ما زاد من إحراج قيادات الوفد، تجاه تيارات كثيرة بالحزب عارضت التحالف مع الإخوان فى بدايته. وظهر، بعد فترة، أن «الجماعة» رتبت بالفعل من خلال التحالف، إلى القفز على حزب الوفد، فكاد أن يتحول إلى زاوية فى كادر كبير أرادت الجماعة إخراجه.. وبالألوان! تجربة الإخوان، مع «الوفد»، شابهت، تجربة حزبى «الكرامة» و«العدل»، قبل إعلانهما الخروج من «التحالف الديمقراطى»، تنديدا بسياسات الإخوان. رغبة الإخوان فى السيطرة، كانت الشرارة التى فجرت التحالف الديمقراطى فى البداية. وبدأت الخلافات، حول نسب المرشحين على القوائم فى الانتخابات. فقد طالب حزب الجماعة، بنسبة تزيد على 50 % من قوائم الانتخابات لمرشحيه، ما يعنى استحواذ الجماعة على نصف مقاعد التحالف، ليبقى النصف لباقى الأحزاب بما فيها الوفد، والكرامة، والعدل، والناصرى، قبل انفصالها عن التحالف. المهم أن الجماعة دافعت عن موقفها، على طريقة أحمد عز، فى الدفاع عن مرشحى الوطنى، مع كل أزمة انتخابية فى الماضى. وتولى الدفاع عن «سياسة الإخوان» «الليبرالى» الدكتور وحيد عبدالمجيد، فى تحول لم يكن مدهشا، بقدر ما حمل مغالطات، لم يكن يتصور معها، أن يصر أكاديمى، مثل عبدالمجيد بالذات على تفنيدها، وتصديرها للرأى العام. أرجع عبدالمجيد، الذى شغل منصب رئيس ما يسمى باللجنة التنسيقية «للتحالف الديمقراطى» فى تصريحات شهيرة له، أسباب الخلافات بين الأحزاب، وحزب الإخوان، داخل التحالف الديمقراطى، إلى أن الأحزاب لم تدرك أن تحالفها مع الإخوان، لم يكن تحالفا «سياسيا»، وليس تحالفا «انتخابيا»! وقال عبدالمجيد فى مزيد من التبرير، إن حزب الإخوان تعامل مع الأحزاب السياسية، من منطلق ما أسماه الوزن النسبى والشعبى فى الشارع، وقال ما معناه أن مصارحة الإخوان، لأحزاب التحالف، بما يعتقده الإخوان، عن صورتها فى الشارع السياسى، هو الذى أثار ضجر الأحزاب، فانسحبت من التحالف. الذى رآه عبدالمجيد، فى تصريحات ربما هى الأكثر إثارة للجدل، تعليقا على «أسباب انفجار التحالف الديمقراطى» أن المشكلة، بعدما تخيلت بعض الأحزاب، أنها سوف تحتل أماكن متقدمة على قائمة التحالف، ولما لم يحدث، فانسحبت تلك الأحزاب، تخيل البعض أن «الإخوان يسيطرون على التحالف الديمقراطى المسيطر وهذا لم يكن صحيحا»! وقال عبدالمجيد أيضا، فى صورة قريبة من لهجة أحمد عز الدفاعية، إن الأحزاب التى دخلت فى «التحالف الديمقراطى» لم تكن مقتنعة بفكرة التدرج، مع أنه لم يكن أمامها، سوى هذا الخيار حتى تصل إلى ما وصل إليه «حزب الحرية والعدالة»!