خبير مياه يكشف حقيقة مواجهة السد العالي ل«النهضة الإثيوبي» وسر إنشائه    الشعب الجمهوري بالمنيا يناقش خريطة فعاليات الاحتفال بذكرى 30 يونيو    «دفاع النواب»: 30 يونيو ستظل عنوانا للإرادة المصرية القوية التي لا تقهر    جامعة القاهرة تحتل المركز 271 عالميًا بتصنيف يو إس نيوز (US-News) ل 2024    رئيس البورصة يستعرض أهمية إطلاق مؤشر الشريعة خلال لقائه بقيادات شركات السمسرة    إزالة فورية لبناء مخالف في قنا    هيونداي تكشف عن سيارة كهربائية بسعر منخفض    تنفيذ فعاليات "يوم الأسرة" بمركز شباب قرية الديرس بحضور 50 أسرة بالدقهلية    مذكرة تفاهم بين المعهد القومي لعلوم البحار والهيئة العربية للتصنيع    الجيش الإسرائيلى يستعد لخوض حرب مع حزب الله    كيف سترد روسيا على الهجوم الأوكراني بصواريخ "أتاكمز" الأمريكية؟    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 28 فلسطينيًا من الضفة الغربية    أستاذ علوم سياسية: الشعب الأمريكي يختار دائمًا بين رئيس سيء وأخر اسوأ    ملخص وأهداف مباراة فنزويلا ضد المكسيك في كوبا أمريكا    الدفاع الروسية تعلن تدمير 12 مركزًا للتحكم بالطائرات المسيرة في أوكرانيا    اللواء محمد إبراهيم الدويرى: التحركات المصرية فى القارة الأفريقية أساسية ومهمة    راحة لمدة يومين، قبل انطلاق منافسات دور ال16 من البطولة "ليورو 2024"    إعلامي: الأفضل لأمير توفيق التركيز على الصفقات بدلًا من الرد على الصفحات    الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة (فيديو)    خلافات أسرية.. استمرار حبس المتهم بقتل زوجته ضربًا في العمرانية    ضبط سلع منتهية الصلاحية بأرمنت في الأقصر    تحرير 24 ألف مخالفة مرورية متنوعة    يدير 5 جروبات.. ضبط طالب بالجيزة لزعمه قدرته على تسريب امتحانات الثانوية العامة    مصرع عامل بنزيما إثر حادث تصادم في بني سويف    مصدر أمني يكشف حقيقة سوء أوضاع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    تعرف على إيرادات فيلمي ولاد رزق 3 واللعب مع العيال    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    "الأوقاف": ندوات ب 4 محافظات اليوم عن "مفهوم الوطنية الصادقة" بمناسبة ذكرى 30 يونيو    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    لجان مرورية وتفتيشية على المنشآت الصحية بمراكز المنيا    رئيس الرعاية الصحية يُكرم الصيادلة والأطباء الأكثر تميزًا    الصحة تطلق حملة «صيفك صحي» للحماية من مخاطر ارتفاع درجات الحرارة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 27-6-2024    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا نقصد من قراراتنا000!؟    وفاة النجم الأمريكي بيل كوبس المعروف بأدواره في «ليلة في المتحف» و«الحارس الشخصي» عن 90 عاما    مواجهات نارية.. مجموعة السعودية في تصفيات آسيا النهائية المؤهلة ل كأس العالم 2026    جامعة بنها تتقدم 370 مركزا على مستوى العالم بالتصنيف الأمريكي "US news"    محطات فنية بحياة الفنان الراحل صلاح قابيل فى ذكرى ميلاده    شوبير: أزمة بين الأهلى وبيراميدز بسبب الثلاثى الكبار بالمنتخب الأولمبى    السيسي يصدر قرارا جمهوريا جديدا اليوم.. تعرف عليه    الدوري المصري، زد في مواجهة صعبة أمام طلائع الجيش    لطلاب الثانوية العامة 2024، تعرف على كلية العلوم جامعة حلوان    وزير إسرائيلي: تدمير قدرات حماس في غزة هدف بعيد المنال    الصحة تحذركم: التدخين الإلكترونى يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    طارق الشناوي: بنت الجيران صنعت شاعر الغناء l حوار    حظك اليوم| برج الحوت 27 يونيو.. «اتخذ خطوات لتحقيق حلمك»    جيهان خليل تعلن عن موعد عرض مسلسل "حرب نفسية"    «هو الزمالك عايزني ببلاش».. رد ناري من إبراهيم سعيد على أحمد عفيفي    ما تأثيرات أزمة الغاز على أسهم الأسمدة والبتروكيماويات؟ خبير اقتصادي يجيب    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    10 يوليو موعد نهاية الحق فى كوبون «إى فاينانس» للاستثمارات المالية    ميدو: الزمالك بُعبع.. «يعرف يكسب بنص رجل»    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    الحكومة تحذر من عودة العشوائية لجزيرة الوراق: التصدى بحسم    الكنائس تخفف الأعباء على الأهالى وتفتح قاعاتها لطلاب الثانوية العامة للمذاكرة    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يحيي الرخاوي: الثورة لم تنجح بعد.. ومحاكمات الفساد لن تنقذ البلد
نشر في صباح الخير يوم 26 - 07 - 2011

هذا ليس مجرد حوار مع أحد مفكرينا المهمين ولكنه محاولة فهم أشرك فيها معي أبناء جيلي، فأنا صحفية شابة في الخامسة والعشرين ولدت وتربيت داخل النظام السابق، لم أعرف غيره ولم أتخيل في يوم أن هذا النظام سوف يتغير ومع كثرة ما يحدث حولي من متغيرات أصبحت وبصراحة شديدة غير قادرة علي الحكم علي الأمور وتداخلت عندي مفاهيم الصواب والخطأ وانهارت قيم أخلاقية كثيرة وظهرت مكانها قيم جديدة فكان هذا الحوار محاولة للاستماع لآراء مفكر وطبيب نفسي قدير هو الدكتور يحيي الرخاوي الذي اعتاد علي التفكير فيما يحدث وتحليله وأتمني أن أنجح في توصيل ما فهمته إليكم.
• في البداية ومع انتشار جملة «احنا شعب مينفعش معاه حرية» هل هناك تركيبة عامة للشعوب تجعل أحدها يصلح للحرية والآخر لا.؟
- أولا: إن مفهوم الحرية مفهوم غامض، ولا يعني أننا نكثر من استعماله، أننا اتفقنا علي معناه، وكثيرون يخلطون بين هذا المفهوم وبين ما يسمي الديمقراطية، التي قد تخضع حاليا عبر العالم لتأثيرات الإعلام والأموال المشبوهة، فتصبح أبعد ما تكون عن الحرية، ونحن لا نرضي بالديمقراطية الحالية إلا لأن بدائلها ألعن منها.
أما حكاية شعب يصلح للحرية وآخر لا يصلح، فهذا مبدأ خاطئ تماما، وهو يصدر عادة من عنصريين يتصورون أنهم أعلي من غيرهم عنصرا أو حضارة، وكل هذا عبث تسوّقه القوي الجديدة التي تريد أن توحد صياغة العالم كله علي هواها، وهو ما يسمونه «العولمة» وأفضل أنا أن أسميه الدين المالي الكانيبالي الجديد(أكلة لحوم البشر) وأنبياء هذا الدين هم أبعد ما يكونون عن الحرية، بل عن الديمقراطية، اللهم إلا ديمقراطيتهم المشبوهة.
• كيف تحول المصريون من قمة الشعور بالانتماء والفخر وكيف نسينا كل مشاكلنا الصغيرة والشخصية وقت الثورة إلي الحالة التي وصلنا لها الآن من التحول ضد الثورة والبحث عن مصالح شخصية؟ وكيف نعيد هذه الروح مرة أخري؟
- لا أظن أن الشعور السائد الآن ضد الثورة، فالثورة لا تكون ثورة إلا إذا تعهدها القائمون عليها، ثم سائر الشعب بالمسئولية والعمل والمثابرة، وهذا ما لم يحدث بعد، فما جري حتي الآن في رأيي هو مشروع ثورة ناجحة وضرورية، و ما حدث في الواقع هو أن الشباب قد انصرف عن بداياته، أو هو راح يكرر آلية واحدة هي التظاهر والرفض وطلب الثأر والانتقام، فأجهض أو كاد يجهض مشروع الإبداع الشعبي العام، ولا أريد أن أضع اللوم علي الشباب فقد قام بكل ما عليه في البداية، لكن آلية إدارة البلاد حتي الآن من ميدان التحرير وبالمظاهرات، تركيزا علي الانتقام، وعزل هذا وتعيين ذاك هي التي أضاعت أو كادت تضيع معظم إيجابيات الانتفاضة التي كان يمكن أن تنتشلنا مما كنا فيه فعلا لتصبح ثورة ممتدة بحق.
• هل الموقف المضاد للثورة من الكثيرين الآن بسبب الأحداث الحالية سيكون بداية فشل الثورة ؟ وكيف يؤثر هؤلاء علي من لايزالون يؤمنون بالثورة وجدواها؟
- المسألة ليست إيمانا بالثورة أو كفرا بها، المسألة هي مسئولية حمل أمانة الانتفاضة لتصبح ثورة، ثم إن الحديث عن الثورة المضادة هو حديث خائب، لأن القوي المضادة ليست هي المسئولة عما آل إليه الحال، ليس لأنها أرفع من ذلك، بل لأنها أضعف من ذلك، الناس تريد دولة قادرة منضبطة، وهذا لم يتحقق بعد، حتي القضاء الذي أخذ شكلا ما، يكاد ميدان التحرير ينقض علي مصداقيته، وهذا من أخطر ما يمكن، إن أي لص ذكي جدا، أخفي أدلة جريمته، له حق الحكم بالبراءة في أي بلد متحضر، لا ينبغي أن ننساق وراء الأخذ بالثأر، والانتقام بدون محاكمة، كل هذا خطر علي كيان الدولة أصلا، وهو تهديد لكل المحاولات التي تحاول أن تحتوي الفوضي لتكون ثورة بحق، الناس الآن لا تركز علي من ضد من، ولا حتي علي ضبط السارق، الناس من حقها أن تشعر أن هناك إدارة تدير شئونها، توفر الخبز والسولار والعمل والبناء، لكن الجاري الآن هو شكل هلامي في منتهي الخطورة علي الاقتصاد وعلي المستقبل، وعلي كل الإنجازات التي أنجزها حتي اللصوص أنفسهم.
• هل ممارسة الحرية والديمقراطية تحتاج إلي تدريب مسبق وهل ما نشهده الآن من فوضي هو نتيجة طبيعية لسنوات الحرمان التي عشناها؟ وكم من الوقت نحتاجه حتي نستطيع ممارسة الحرية بشكل سوي؟
- قلت حالا إن الحرية مفهوم غامض، والديمقراطية المستوردة مشكوك في غاياتها لأنها تفتقر إلي العدل، وتسمح بالاختيار دون محاكمة، من أول الشيخ يس حتي بن لادن، مهما كان المجرم بالغ الإجرام فلابد أن يحاكم محاكمة عادلة في أي بلد متحضر، والقياس بمقياسين أصبح هو القاعدة، والفيتو الأمريكي يسمح لنتانياهو أن يقتل الشعب الفلسطيني دون أي تلميح بغطاء جوي أو حتي بلوم قوي، في حين يثور العالم المتحضر ويتشنج حين يقتل حاكم مجرم ظالم شعبه شخصيا، وكأن القانون الدولي، والشهامة وحقوق الإنسان تسمح بقتل الشعب المحتل دون الشعب المحكوم بحاكم ظالم، علينا أن نمعن النظر أعمق بدلا من الاستسلام للإعلام السطحي المشبوه في تمويله وأهدافه.
وطبعا الحرية، حتي في أسطع صورها المسماة الديمقراطية، تحتاج إلي ممارسة طويلة، وأن نتحمل أخطاءها وقصورها أولا بأول، فنتعلم ونحن نعيد النظر في قواعدها، حتي نستطيع أن يبدع البشر لتنظيم حياتهم ما هو أحسن منها.
• كثرة الاعتصامات والإضرابات عودت المواطن علي أنه قادر علي لي ذراع الحكومة واستجابة الحكومة له في كثير من الأحيان هل ستولد لدي المواطن شعوراً بأهميته وقدرته أم سيقلل هذا من شأن الحكومة في ذهن المواطن؟
- أظن أن الحكومة الحالية أبدت من التردد والتهاون والاستسهال ما جعل الناس يستهينون بها استهانة بالغة، ومع أنني ألتمس لهؤلاء الحكام بعض العذر، إلا أن الأمر زاد عن حده، وأصبحت البلد تدار بأية جماعة تستطيع أن تجمع عددا كافيا للضغط علي الحكومة المهزوزة، التي بدا لي مؤخرا أن كل همها ألا يقال عنها أنها قبضت علي فلان أو أعدمت علانا، لا توجد ثورة إلا ولها ضحاياها، ومن بينهم أبرياء لا محالة، ولا أظن بعد كل هذا التسيب الذي يبدو طيبة وتفويتا أن يوجد حاكم يجرؤ أن يقدم علي الحزم الواجب المتضمن احتمال ظلم أبرياء في سبيل استعادة هيبة الدولة وإدارة شئونها، وإلا فإن خطر الإفلاس والمجاعة سوف يذهب بأبرياء أكثر عددا ممن يمكن أن يظلم هذا الحاكم الحازم، وقد يترتب علي الإفلاس والمجاعة ثورة دموية أخطر هي ثورة الجياع والبدائيين، مما سيلقي بنا في هوة للوراء لعشرات السنين، المسألة ليست في عدد المظلومين، وإنما في الاختيار بين إنشاء دولة قادرة فورا وبين الاستسلام لاقتتال بدائي قبائلي تدهوري يعم الجميع.
• ما تفسيرك لفئة كبيرة تتسم بالسلبية فتجعل من الثورة أحيانا شماعة تعلق عليها كل الأخطاء التي تحدث وتحمل الفلول كل ما حدث في مصر من الثورة وما بين اعتبار الثورة أحيانا خاتم سليمان ويطالبونها بتحقيق كل شيء مع العلم أننا لن نجني ثمار الثورة دون أن نعمل جديا السنوات القادمة؟
- الوطنية الحقيقية الآن هي العمل والعمل والعمل، مع تأجيل المطالب الخاصة حتي ندعم الموارد التي يمكن أن تستجيب لهذه المطالب وغيرها، كل المديح الذي ناله الشعب المصري، يتراجع الآن حتي إنني أكاد أري ملامح الخيانة في من يقدم المصلحة الخاصة جدا لفئته أو أهل دينه أو نفسه علي مصلحة البلد في هذه المرحلة.
• إقبال كل فرد علي تخوين الآخر لمجرد أنه يختلف مع هواه الشخصي، هل لهذا علاقة بالثورة أم أنها ثقافة عامة تربينا عليها لسنوات؟
- هذا صحيح، كل محاكمات الفساد الجارية حاليا لن تنقذ اقتصاد البلد، حتي لو أرجع كل اللصوص كل ما أخذوه علي داير مليم، وأيضا هذه المحاكمات مهما كانت رادعة حتي لو بلغت مرحلة الإعدام، لن تضمن لنا عدم إفراز فساد مماثل أو ألعن إذا فشلنا أن نرسي دعائم دولة قادرة علي إرساء العدل وحفظ الأمن وإنعاش الاقتصاد، المهم هو التركيز علي كيف نحول دون فسادٍ قادم، وليس كيف ننتقم من لص ذكي أو لص هارب
• ما تفسير لفئة كانت تعيش وتعمل علي النفاق الدائم للحكم والآن تحولوا لنفاق الثورة وأحيانا المجلس العسكري وأحيانا مجلس الوزراء، هل يصبح النفاق عادة إذا تعود عليها الإنسان أدمنها وهل يمثل هؤلاء خطرا حقيقيا علي الثورة؟
- المسألة ليست مسألة تعوّد علي النفاق، إن ما أعجب له هو اختفاء أية درجة من الحياء عند هؤلاء، أنا تعجبت كيف لا يخجل مثل هذا الكاتب من نفسه وهو يمسك بقلمه ليكتب عكس ما قاله منذ أسابيع، أقول مرة أخري يخجل من نفسه، حاولت أن أتقمص دور أحدهم فتوقف القلم في يدي والله العظيم، ومع ذلك ففي رأيي أن هذه الفئة لا تمثل خطرا علي الثورة أو علي الحكام الجدد لأنهم مفقوسون وضعاف الأثر بعد أن تعروا بكل هذه البشاعة والتفاهة.
• ما تفسير ك الآن لانقسام آراء الشارع المصري تجاه أفراد الحكم السابق في مصر حول الشماتة بهم وأحيانا التعاطف معهم ومنا من يطالب بعودتهم ويترحم علي أيامهم مع أننا جميعا عشنا معًا في ظل هذا الحكم وعانينا من مساوئه العديدة؟
- المسألة لا ينبغي أن تقاس بمقاييس أخلاقية أو مثالية، المسألة تقاس بمصالح الناس، وما لم يحقق الحكام الجدد ظروفا أفضل، وحياة أكرم مما كانت عليه سابقا فمن حق الناس أن يترحموا علي من وفر لهم بعض احيتاجاتهم بشكل أفضل حتي لو كان لصا أو قاهرا أو ما شئت من صفات أخلاقية بشعة، عامة الناس لن تتعشي بسندوتشات حرية، أو تفطر بخبز مصنوع من هتافات التحرير، صحيح أن شيئا طيبا تفجر من هذا الشعب الصبور الطيب، لكنه في النهاية لابد للأطفال أن تتعشي، ولابد للشباب أن يجد وظيفة، ولابد لديون الدولة أن تدفع، صحيح أن هذا لن يتم في يوم وليلة، لكن البدايات غير مطمئنة .
• كيف تم إيهامنا لسنوات طويلة بقوة نظام الحكم السابق مع أنه لم يكن كذلك وسقطت أجزاؤه جزءًا بعد آخر وبسهولة بالغة؟ وهل كانت هناك إشارات كثيرة تنبئ بما حدث مع العلم أن الرأي السائد كان أن المصريين تعودوا ولن يتحركوا؟
- يبدو أن علينا أن نعيد النظر في حكمنا علي الحكم السابق بالضعف، يمكن أن نحكم عليه بالزيف، أو بالقهر، أو بالظلم، أما أن نحكم عليه بالضعف فهذا ضد حقيقة أنه حكم لمدة ثلاثين سنة، واستطاع أن يدير دفة البلاد بشكل ما، صحيح أنه أدارها لصالح أقلية أغلبها غير أمين لكن كان من القوة (الظالمة) بحيث أدارها والسلام، أما عن المنذرات فكانت موجودة طوال الوقت، وقد تجمعت حتي أصبحت لها قوة ضغط هي التي فجرت إيجابيات ما كان دون أن تكون مسئولة عن سلبياته.
• ما تفسير ك للتمسك المفرط بالسلطة حتي آخر لحظة، هل هي نوع من الإدمان أم أنها تحقق متعة لا تقاوم ، ولماذا لا يشعر من في السلطة بكم العبء الملقي علي عاتقه ويتحمله لمده 30 عاما وأحيانا تزيد ويريد أن يتخلص منه؟
- هذا سؤال جيد وهو يصلح لمن يتمسك بالسلطة و بجمع المال و الجاه دون أن يعود عليه أي من ذلك بنفع موضوعي شخصي هو يحتاجه في مدة حياته المحدودة، الإجابة تختلف من ظرف إلي ظرف، ومن تاريخ إلي تاريخ، لكنها جميعها يمكن أن تتفق أن وراء مثل هذا التمسك أمرين هما «الغرور»، و«عدم الأمان»، فالمغرور يتصور أنه يتمسك بالسلطة لأنه لا يوجد من يستطيع أن يقوم بما يقوم به هو شخصيا، وأن بلده قد خلت من كفاءات القيادة إلا من شخصه، وهو يوهم نفسه أنه يضحي براحته ووقته في سبيل ناسه وكلام من هذا، أما عدم الأمان فيأتي من مصدرين، الأول أنه لا يضمن بعد أن يغادر موقعه أن أحدا سوف يحميه من الحساب العادل، والثاني أنه ليس عنده مصدر أمان آخر غير ما يحيط به نفسه من قوي أمنية قادرة علي البطش بكل من يمكن أن يلحق به أية درجة من الأذي، أو يعرضه لأي قدر من المساءلة.
• وما تفسير الإقبال الكبير الآن علي الترشح للرئاسة مع العلم أن من سينجح سيلقي علي عاتقه كم من المسئوليات الدينية والتاريخية والسياسية والنفسية والاقتصادية؟ هل تعتقد أن جميعهم مدرك لحجم هذه المسئوليات أم منهم من يتخذ الترشح موضة؟
- أظن أن أكبر امتحان يمكن أن يمتحن به شخص مهما بلغت قدراته في الوقت الحالي، هو أن يتولي أمر هذا البلد، خصوصا لو كان يحب ناسه، وفي نفس الوقت يعرف حجم ما صارت إليه أحواله، ثم إنني لا أستطيع أن أجد ما يجمع هؤلاء المرشحين كلهم هكذا، فهناك من يرشح نفسه من باب الفكاهة، أو من باب اختبار جدية المسألة، أو من باب فقدان البصيرة، أو من باب التحدي، حتي أني شاهدت بعض الإعلانات في الشوارع عن أسماء لم أسمع عنها لا في مجال السياسة ولا في غير السياسة، مسبوق بعضها بحرف الدال (دكتور يعني..) . ، وكأنه يعلن عن مسحوق جديد للغسيل يغسل أكثر بياضا، وبصراحة هذا كله رغم ما فيه من بعض مظاهر العبث، فإن عبث المرشح الوحيد سابقا كان أقبح.
• وإذا قررت مساعدة الشعب في الاختيار ، ماالمعايير التي ستعطيها له ليختار علي أساسها؟
- العدل، العدل، العدل، والحزم الحزم، والجسارة، والتركيز علي الاستثمار، وكسر كل الأصنام سواء الأصنام المستوردة من الخارج تحت اسم العولمة والدين المالي الكانيبالي الجيد، أو الأصنام المستوردة من الماضي تحت أي اسم آخر.
• هل من الممكن أن يخضع الرئيس والمسئولون لاختبارات نفسية واختبارات ذكاء حتي نتمكن من التأكد من قدرتهم علي قيادة البلاد وهل يجب أن تكرر هذه الاختبارات بصفة دورية حتي نستطيع التأكد من قدرتهم علي ممارسة دورهم؟
- لا طبعا، السياسة أكبر بكثير من قدرة الاختبارات النفسية، وأيضا من قدرات علم النفس حتي علم النفس السياسي، والطب النفسي، ثم إن السمات الشخصية تختلف عند الشخص قبل تولي المنصب، عنها إذا ما تولي المنصب فعلا، سواء إلي أحسن أم إلي أسوأ.
• هل تري أحداث الفتنة الطائفية نتيجة لثقافة خطأ تربينا عليها جميعا ونتيجة لمحاولات الإغفال عن المشكلة منذ سنوات عديدة أم أنها مشكلة تعليم جيد وثقافة مستنيرة؟
- لقد نبهت مرارا إلي خطورة الحلول السطحية لما يسمي الفتن الطائفية، هذه الحلول التي تتم بالأحضان والوعود والمصالحات التوفيقية لا معني لها وعمرها الافتراضي قصير جدا، نحن نحتاج إلي ثورة فقهية تربوية إيمانية، حتي لا يضحك علي منظرنا أطفالنا وهم يرون رؤساء محترمين لسلطات دينية مقدسة، وهم في حضن بعضهم البعض، في حين يصلهم من نفس السلطات وأتباعهم أن كلا من الحاضنين يتوعد الآخر بدخول جهنم، ما لم يقتنع بصحة دينه أكثر من دين مولده، لابد من إصدار فتوي صريحة بأن مسألة الجنة والنار هي متروكة من البداية إلي النهاية إلي عدل رب العالمين لكل المتدينين وغير المتدينين، وبالتالي يصبح التنقل من دين إلي دين ليس أيضا من اختصاصنا نحن علي الأرض، الله سبحانه وتعالي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، وخلاص، أما الحل العلماني وتهميش الدين، وجعله ممارسة سرية، أو اختيارية، وإخفاء الهوية الدينية من الرقم القومي، فكل هذه حلول هروبية تصلح لثقافة غير ثقافتنا، وهي لم تنجح عند الآخرين إلا في إبعاد السلطة الدينية بما شمل للأسف تهميش الدين أو استبعاده أيضا.
• ما تفسيرك لتيارات التشدد التي أصبحت تجتاح الدين من الجانبين الآن ولماذا لا توجد لدينا رقابة علي المشايخ والفتاوي ولماذا اختفي الشيخ الحكم الذي نحتكم لرأيه حين نختلف ؟
- لأنه لم تصدر فتوي صريحة من أي من الجانبين بما سبق أن قلته في الإجابة عن السؤال السابق، ولأن هناك خلطا بين الدين والإيمان، ولأن كل صاحب دين مهتز، يتصور أن دينه سيثبت صحته، ليس باستلهام ما بعثه الله لأنبيائه، وإنما بعدد من ينجح أهل هذا الدين أو ذاك في إدخاله إلي دينه، مهما كانت أسباب هذا التحول، وكل هذا لن ينصلح إلا بتنفيذ الفتوي السالفة الذكر علي ما أعتقد.
• وما تفسير استخدام الدين للتأثير علي الناس ومحاولة كسب ثقتهم للوصول إلي كراسي السياسة وهل يجب خلط الدين بالسياسة مع العلم أن الحكم الديني لم يسجل أي نجاحات علي مدي التاريخ ومع أن الوصول للسياسة ممكن بطرق كثيرة أخري غير الدين؟
- طبعا هذا نوع من الخبث والتحايل والكذب علي الناس لإلغاء مزايا الديمقراطية الحقيقية، لأن الذي يطرح علي البسطاء مثل ذلك يبدو وكأنه يقول للناخب مثلا: «هل تنتخب الإسلام أم لا»، وليس «هل تنتخب فلانا المسلم أو علانا المسيحي» وأيضا هو يطرح علي العامة ما هو ألعن من ذلك وهو «إنك إن لم تنتخب الإسلام، (ممثلا في فلان) فأنت تسلم دينك إلي أعدائه، وكل هذا ليس له حل إلا نضج الناس، ومعرفتهم دينهم الحقيقي، وليس بتهميش الدين، ولا باستبعاده، ثم إني أعتقد - ثقة بعدل الله المطلق - أن الله سوف يحاسب هؤلاء الناس حسابا عسيرا إن لم يحاسبوا هم أنفسهم إذا انتبهوا إلي أن (الإنسان علي نفسه بصيرة ولو ألقي معاذيره)، سوف يحاسبهم الله حسابا عسيرا علي خداع الناس، وعلي خداع أنفسهم أيضا.
• ولماذا أصبح الناس يبحثون عن الفتوي في برامج الفضائيات وعند مشايخ مجهولي الهوية ولا يلجأون إلي الأزهر الشريف وهل هناك مسئولية تقع علي الأزهر في ذلك؟
- الفتوي مسئولية خطيرة، والمفتي الذي يرعي الله في فتواه يكاد لا ينام من المسئولية، وحتي أساتذتنا الأفاضل في الأزهر وفي مواقع الفتوي، يعتمدون علي تفسير كلام الله بشكل معجمي وتاريخي لابد أن يراجع من خلال قياس موضوعي لمصادر تفسيرهم، وقد اجتهد في مراجعة هذه المناهج علماء تاريخ، وآثار، ودين بما يحتاج إلي المراجعة والاحترام دون مظنة أي تجريح أو تجاوز، والله سبحانه هو الغفور الرحيم من قبل ومن بعد.
• لماذا لدينا رقابة علي المصنفات الفنية والكتب ولا توجد لدينا رقابة علي التصريحات الدينية، وهل من الممكن أن تكون هناك جهة يتلخص عملها في متابعة الفضائيات والإنترنت للوصول إلي المشايخ المجهولين والتصريحات العقيمة والوصول إليهم وإعلان أسمائهم وعدم السماع لهم؟
- رغم كل شيء، فأنا ضد كل أنواع الرقابة، لأن الجهات التي نوصي أن تقوم بالرقابة، هي نفسها في حاجة إلي من يقوم بالرقابة عليها بمقاييس أخري، مثل أنه «لا ضرر ولا ضرار، الرقابة في النهاية قد تكون للتاريخ» و«أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».
• كيف يمكن إدخال المفاهيم السياسية وحقوق الإنسان وممارسة الديمقراطية في المدارس والجامعات؟
- مع كل احترامي للمرحلة، فكل هذه القيم المستوردة تحتاج مراجعة ثورية، خاصة أنها تستعمل بتقديس خطير ومصادرها مشبوهة، وأصحابها يراجعونها بجدية، ويبحثون إبداعا عن بدائل أكثر مصداقية أحكم عدلا، وبالتالي علينا أن نقبلها بحذر وفي حدود الاضطرار المرحلي، مقرين بمساوئها وقصورها، كما علينا أن نساهم في محاولة تجاوزها إلي ما هو أرقي وأعدل منها، وساعتها سوف أجيب عن السؤال.
• كيف سنغير الموظف الذي عاش سنوات لا يعمل ويعتمد علي الرشوة أو المؤسسات التي اعتمدت علي الوساطة أو الطالب الذي تعود علي الملخصات والمواطن الذي أهمل الثقافة العامة والقراءة باختصار كيف سنعيد بناء الشخصية المصرية من جديد؟
- إذا عادت الدولة دولة، وعاد الدين دينا يشعرنا أننا مسئولون أمام الله عن الوقت، وعن القرش، وعن العقل، وإذا ما مورس كل ذلك لعشرات السنين، وأكثر، فدعينا نأمل خيرا.
• كيف سيستعيد المواطن ثقته بالحكومة والشرطة من جديد ولا نلجأ إلي التفسيرات التي تتعلق بسوء النية من جديد وكما تعودنا؟
- سوف يستعيد المواطن ثقته بالحكومة، حين تكون هناك حكومة، وشرطة، وعدل، وحين يقتصر القضاء علي ساحة القضاء وليس في ميدان التحرير، أما سوء النية فهو وارد ولن يكون من اختصاص الحكومة، لأنه لا يوجد ما يجرمه في القانون، ومبدأ الشرعية يقول: «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، فليمارس من يشاء سوء النية لكن لا يفرضه علي القضاء أو علي الحكومة، وليقبل براءة اللص الذكي، لنواصل عملنا في بناء بلدنا لو سمحتم.
• إلي أين ستوصلنا حالة التراخي الأمني التي نشهدها الآن وعدم تطبيق القوانين بحزم خوفا من رد فعل الشارع؟
- حين تكون هناك دولة لها معالم واضحة، وعدل محترم، وشرطة قادرة، وجيش علي الحدود، سوف يختفي الخوف، ونستحق العيش.
• متي سنستطيع الحكم بنجاح الثورة؟
- ينبغي أن يتوقف الحكم علي الثورة بعدد المتظاهرين، مهما بلغوا الملايين، وأيضا يتوقف الحكم علي نجاحها بعلو صوت الهتافات، أو بكم التخريب وترويع الآمنين.
الحكم علي نجاح الثورة لابد أن يبدأ بالحكم علي الاقتصاد ثم الاقتصاد ثم الاقتصاد، لأن رأس المال يعرف أين يتحرك وكيف، ثم بعد ذلك يأتي العدل، ثم العدل ثم العدل، ثم تأتي المدارس والتربية والتعليم، وبعد كل ذلك نتكلم عن الإبداع وحتي عن الأخلاق ولا مؤاخذة
• ما القضية التي يجب أن تكون قضيتنا الوطنية في السنوات المقبلة وأن نعمل جميعا من أجل إنجاحها؟
- أكرر ما جاء في آخر إجابتي للسؤال السابق «الاقتصاد، فالعدل، فالتربية والتعليم، فالأخلاق، فالإبداع».
• كيف نستطيع أن نبدأ من جديد ، وإلي ماذا نحتاج حتي لا يعرقلنا في مسيرة الإصلاح شيء؟ هل هو تمكين الشباب من المواقع القيادية أم البحث عن الكفاءات وتقلدها المناصب بصرف النظر عن السن أم ماذا ؟
- نحن نحتاج طبعا إلي حماس الشباب وطزاجة فكرهم وشجاعة إقدامهم، لكننا نحتاج إلي موضوعية ما نقيس به كل ذلك، وهذا يتطلب اطلاعا وافرا علي الأحدث فالأحدث، من العلوم السياسية وغير السياسية، وأيضا علي التاريخ، وعلي دروس التطور والبقاء حتي في الأحياء الأخري قبل الإنسان.
• هل تحتاج الثورات إلي دراسة مسبقة حتي يتم تفادي الأخطاء والفوضي التي تحدث بعدها أم أن فكرة الثورة تعتمد علي الحس الشعبي والرفض العام للأوضاع والاعتماد علي أنها لن تسوء أكثر مما كانت؟
- الثورة هي إبداع جماعي، وأي إبداع يحتاج إلي إعداد وكم هائل من التحضير بمفردات تصلح للتشغيل في عملية إعادة التشكيل، وبقدر ما يكون تراكم المعلومات والخبرات كافيا وثريا، يكون الإبداع جديدا وقفزة كيفية متميزة.. ولكن الإعداد بمعني الدراسة وحساب التوقعات وقياسات الرأي العام ومثل هذا الكلام، فهو ينظم بعض القرارات المهمة أكثر منه يمهد للثورة التي عادة مثل كل إبداع تكون مفاجأة، وجماعية، ومخاطرة إبداعية تتجاوز كل ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.