بعد فترة غياب طويلة أعود لكتابة مقالاتى فى «صباح الخير» وكنت قد أعددت سلسلة تتحدث عن خيط الفساد المتواصل ما قبل وبعد الثورة فى قطاعات حيوية يلزم إصلاحها لتستقر الأوضاع مثل فساد البترول، والأوضاع المقلوبة فى مؤسسات كبرى كالبرلمان ومجلس الوزراء وغيرهما، لكن رحيل عبدالنور خليل الأستاذ الموسوعة والذى كان رغم فارق السن والخبرة صديقا عزيزا على قلبى، جمعتنى معه فرصة العمل مع الإعلامى الكبير عماد الدين أديب فى جريدة نهضة مصر وكان وقتها يكتب للجريدة مذكرات سعاد حسنى، وتلا تلك التجربة وسبقتها تجارب أخرى كونت إضافة إلى لقاءاتنا الأسبوعية بمكتبه فى دار الهلال مئات الساعات من الأحاديث حول ذكرياته وحكاياته مع النجوم بدءا من فاطمة رشدى وفطين عبدالوهاب إلى النجوم الجدد مرورا بقائمة طويلة من العمالقة ممن ربطته بهم علاقات صداقة أثرت بالإيجاب على عمله ليصبح فى فترة مبكرة واحدا من أهم النقاد فى تاريخ الفن المصرى والعالمى. لكن عبدالنور خليل الذى أعتبره واحدا من أهم مؤرخى الفن ظلم كثيرا ولم ينل ما يستحق من تقدير ولم يخرج كل ما فى جعبته من أسرار، رغم عشرات الكتب ومذكرات كبار الفنانين التى تركها للمكتبة الفنية، ولم يخدمه انتشار الفضائيات ليكون واحدا ممن يحكون عن تاريخ السينما المصرية فى برنامج تاريخى كان سيكون مرجعا مهما للأجيال الجديدة، ورغم كل علاقاته بالوسط الثقافى والفنى لم ينل على المستوى القيادى فى مهنة الصحافة موقعه الذى يستحقه. لكن هذا الظلم لم يكن يؤثر على شخصيته المثابرة فما من مرة جمعتنا فيها جلسة أو سفر إلا ويتحدث عن مشروع جديد يريد تنفيذه كان يحلم بإطلاق موسوعة للفن العربى تكون لها نافذة إخبارية على الإنترنت وتعنى بطبع كل ما هو متعلق بالفن والثقافة العربية من أمهات الكتب، حتى سيناريوهات الأفلام التى تؤطر للتقدم الفنى، وكان يريد فى فترة أخرى إنشاء وكالة أخبار فنية وخطا فى الأمر عدة خطوات لكن التمويل وقف كالعادة فى طريقه مثلما كان حاجزا أيضا عندما فاجأنى بطبعة أولية من جريدة سينمائية أعدها بنفسه وقرر الترويج لها أثناء مشاركتنا فى مهرجان الإسكندرية السينمائى وكان معنا وقتها الزميل ماجد رشدى وقضينا واحدة من أسعد إجازات العمل فى رحاب قفشات عبدالنور خليل الذى لم يكن ليشعرك أبدا بأنه غادر سن الشباب مهما تقدمت به السن، فالرجل الذى ولد قبل ثمانين عاما من الآن كان يحمل بداخله قلب شاب لم تغيره الأيام وتقلباتها ففى دار الهلال حيث مكتبه بمجلة المصور الذى يجاور مكتب رفيقة دربه الأستاذة سكينة السادات يحمل كل واحد هناك ذكريات خاصة لها طرافتها مع الأستاذ عبدالنور كما يحلو لهم مناداته، وكانت دقة ملاحظته وقفشاته لا تتوقف ولا تترك شيئا فمن طقس إفطار «الفول» الذى يدعو إليه الزميل حمدى رزق للمتواجدين صباحا وكان منهم الزملاء حلمى النمنم وسليمان عبدالعظيم وغالى محمد وأحمد أيوب إلى مداعباته المستمرة للزملاء مجدى سبلة وعادل سعد وأحمد النجمى الذى كان حريصا على أن يكون معهم فى غالبية تجاربه الصحفية، وحتى خارج دار الهلال كان يجيد صناعة الأصدقاء من الكبار والشباب على حد سواء لم تتوقف القائمة التى كان عبدالنور خليل بالنسبة لها ضحكة كبيرة وبسمة كانت ومازالت تصل إليهم حتى بعد رحيله وكلهم يتمنى أن ينتهى لقب المظلوم بالنسبة له ويلقى بعد رحيله التقدير الذى يستحقه.