زمان، كان الناس فى الغرب يختارون أطول وأضخم وأكبر رجل ليقوم بدور بابا نويل أو سانتا كلوز الذى يعتقدون أنه يدخل البيوت من خلال المدفأة عشية عيد الميلاد، جالبًا لهم الهدايا التى يحلم بها الأطفال ويجدونها حينما يستيقظون صباح العيد تحت شجرة الكريسماس أو داخل الشرابات الملونة التى علقوها عليها ليلا، وقد ملأها سانتا من أجلهم، ليبدأ العيد! أما أمير تادرس بطرس.. فقمحى اللون، لا يحمل من ملامح سانتا سوى طوله، وذقنه البيضاء الطويلة، وشعره الطويل الفضى. لم يتجاوز الأربعينات بعد، يتمتع ببعض المواهب الفنية فى الإلقاء والأداء التمثيلى، والترتيل، والقدرة على التواصل وتبادل الخبرات بينه وبينا الناس. ويُعد أشهر بابا نويل حالى عرفته الأوساط المصرية بالقاهرة منذ بضع سنوات. وقد أجاب عن السؤال الذى كان يشغل ذهنى شخصيًا فى طفولتى حول الدور الذى يشغله بابا نويل طوال العام بعد الكريسماس، حينما عرفت أنه يشغل وظيفة مدير الموارد البشرية بجمعية كاريتاس – مصر. محمود.. أشهر سانتا لا يوجد اسم معين اشتُهر بتمثيل دور بابا نويل فى السنوات الأخيرة بمصر، كما يقول أمير، فهو شخصيًا لا يعرف سوى اسم محمود إمام الذى سبقه فى الشهرة منذ عدة سنوات باعتباره بابا نويل مصر، حينما قرر ارتداء بدلة هذه الشخصية والتجول بها فى وسط شوارع القاهرة، سامحًا للناس بالتقاط الصور التذكارية معه كسرًا للملل، وابتكارًا لفكرة جديدة من أجل نشر البهجة وإسعاد الناس! لم يتأثر أمير بشخصية بابا نويل فى طفولته – كما اعتقدتُ أنا- ولم يقم بتمثيلها تعويضًا لحرمانه منها – كما اعتقدتُ أيضًا- وإنما كل الأمر أنه فى الفترة التى كان لا يعمل بها، ترك شعر ذقنه ورأسه ينموان بشكل طبيعى، فأوحى له منظرهما الأبيض الكثيف بشكل بابا نويل، ومنذ تلك اللحظة قرر أن يكون إيجابيًا، وينتظر الوظيفة وهو يعمل عملًا مُفرِحًا للناس، وخاصة الأطفال الصغار، الذين ينشغل آباؤهم عنهم، وكان ذلك فى ديسمبر 2016. بابا نويل هو اللقب الفرنسى لشخصية سانتا كلوز، الذى يقال إنه لشخصية أسقف حقيقى عاش فى تركيا بين القرنين الثالث والرابع، ومعروف أنه كان يوزع الأموال على المحتاجين ليلًا وهو متخفٍ، ثم تحول إلى رمز، فما هى مواصفات سانتا كلوز العصرى؟ أجاب: من الضرورى أن يكون إنسانًا حساسًا، محبًا، مدركًا للطبيعة البشرية، وقادرًا على نسيان مشاكله ليضحك بصفاء فى وجوه الناس، ويُرَبِت عليهم بصدق، ويرسم لهم عالمًا خياليًا جميلًا ولطيفًا وهادئًا، ولو لوقت قصير.. فهذا فى حد ذاته تشجيع للسعى نحو تحقيق هذا العالم، بجانب أهمية أن يكون جسده كبيرًا لحد ما نظرًا لاحتياج الكبار أحيانًا للحضن والجهد البدنى. رموز زينة الشجرة أسأله عن الرموز التى ارتبطت بسانتا واحتفالات الميلاد، كالشجرة والجرس..إلخ، فيقول: يعود تزيين شجرة الميلاد إلى العصور القديمة فى ألمانيا.. حيث كانت تستخدم كرمز للعبادات الوثنية، حتى جاءت المسيحية وربطت بينها وبين المسيح كرمز لشجرة الحياة، ونحن كمصريين لدينا تكريم خاص للشجرة كرمز للبعث والخلود والميلاد فى الحياة الأخرى. أما النجمة فترمز للوعد بميلاد السيد المسيح، والشموع تشير إلى نور الله وقبول الصلوات، والجرس يشير إلى الهداية، أما الطوق فيشير إلى حب الله اللانهائى، ويشير عكاز قصب الحلوى للتذكير بقصة الرعاة والخروف الضال. وكذلك الألوان الحمراء والخضراء والزرقاء.. تشير للطبيعة التى احتفلت بميلاد المسيح فى المغارة التى احتوت كل رموز الحياة.... رغم أن الكريسماس مناسبة دينية، يقول أمير موضحًا؛ لكنه ارتبط بالأطفال بشكل خاص، حيث يُذكر أنه فى العقد الثانى بالقرن السابع الميلادى، وأثناء تبشير القديس بونيفاسيوس فى ألمانيا، شاهد الأهالى وهم يحتفلون بربط طفل فى شجرة بلوط استعدادًا لذبحه وتقديمه ذبيحة للإله ثور، فخلص الطفل من أيديهم، وعرفهم بالديانة المسيحية. ولكن ليس هناك عمر محدد للأطفال الذين يذهب أمير إليهم فى دور سانتا- كما يقول - وإن كان أغلبهم من الأطفال الصغار حتى المرحلة الإعدادية، أما الأشخاص الأكبر فيفرحون بوجوده كرمز لبابا نويل فى بدلته الحمراء ذات الأطراف البيضاء، التى كان يُعتقد أن شركة كوكا كولا فى ثلاثينيات القرن الماضى هى التى ساهمت فى ترسيخ لونها الأحمر كدعاية لمشروبها، ولكن المتوقع -يقول أمير- إن العالم العربى تأثر بلون بدلة سانتا الأمريكية رغم أنها قد تكون زرقاء فى بعض الدول كإسبانيا والنرويج، إلى جانب التأثير النفسى للون الأحمر الذى يرمز فى المجتع الغربى للطاقة، والعمل، والحب، والشغف، وفى مجتمعنا الشرقى يرمز للخير، والحظ، والفرح حينما يرتبط باللون الأبيض. يستعد أمير لمعايشة دور سانتا مع بدايات شهر يونيو، تاركًا شعره وذقنه بلا تهذيب استعدادًا للمهمة التي يمارسها بروح الخدمة، ملبيًا جميع الدعوات التى تطالبه بلعب دور بابا نويل، سواء كانت دعوات من بعض العائلات المسلمة أو المسيحية، أو من بعض المدارس، أو الحضانات، أو الكنائس.. ومن أكثر اللحظات التى لا ينساها حينما ساهم فى إعادة الحياة بين زوجين منفصلين، بعدما استدعته الأم لتقديم هدايا الكريسماس لابنها الصغير، وقد أدى وجود أمير كبابا نويل وملاعبته وملاطفته للطفل إلى سؤاله المستمر عن والده، مما حرك قلب الأم، فعادت لزوجها! أما الهدايا التى يقوم بتوزيعها، فيجدها جاهزة ومغلفة بمعرفة الجهة التى تدعوه، قبل الدخول للأطفال، واسم كل طفل مدون عليها، حيث قد يستغرق الأمر نصف ساعة بين اللعب والحوار مع الأطفال وحكاية سانتا كلوز، حتى لحظات فتح الهدايا وملاحظة دهشتهم وهم يحصلون على كل ما تمنوا! ومن أجمل اللحظات التى يتمتع بها أمير حينما يرى اقتناع الأطفال أن بابا نويل هو شخص حقيقى تجسيدًا لشخصية القديس نيكولاوس. فتكون الضحكة البريئة أجمل المكافآت التى يتلقاها أثناء خدماته التطوعية، رافضًا جميع أنواع المكافآت المادية والنقدية، مكتفيًا بأطباق الشيكولاتة التى يعدها له البعض كلمسة ذوقية لطيفة.. الأطفال أحباب بابا نويل سألته إن كان هناك حنين ما فى طفولته يربطه بقصة الكريسماس وبسانتا كلوز؟ فقال لا أعرف بالتحديد، ولكنى أعرف أن أكثر ما يضايقنى هو رؤية طفل يبكى وأهله لا يدرون به، أو طفل يُعاقب بالضرب أو الإهمال لعدم تحقيقه الصورة التى يتوقعها منه الأهل! أما أطرف المواقف التى لا أنساها.. فهى حينما دخلتُ بيتًا وبدأ الطفل يشد ذقنى ظنًا أنها غير طبيعية فذُهِل وخاف وابتعد مرتعبًا حينما وجدها طبيعية. ومن المواقف التى تأثرتُ بها جدا حينما علمتُ بوفاة طفلة بالسرطان بعد الكريسماس الذى تحققت فيه أمنيتها برؤية بابا نويل الذى قمت به! يقول أمير أنه يشعر بسعادة بالغة حينما لا ينتهى الأمر بينه وبين الأطفال بعد الكريسماس، خاصة حينما يصر بعضهم على التواصل معه والالتقاء به بعد ذلك، مما يعمق إحساسه بالمسئولية نحو كل تصرف يسلكه وإحساس يسهم فى تكوينه لدى هؤلاء الأطفال. أمير أب لثلاثة أولاد فى الخامسة عشر، والثالثة عشر، والصغير 5 سنوات.. يعمل على إسعادهم طوال العام، كبابا أمير وليس بابا نويل. ولا يوجد لديه أفضل من افتخار أطفاله بالدور الإنسانى الذى يقوم فيه بإسعاد الناس من خلال القيام بدور بابا نويل، خاصة الصغير الذى يعرف أن والده يقوم بدور سانتا كلوز، فيذهب معه لتوزيع الهدايا فى بدلته الصغيرة التى قام أمير بتفصيلها له، لتذكرنا بالصورة الشهيرة لسانتا كلوز طائرا بالزلاجة التى يقودها الغزلان مع ابنه الصغير. يقول أمير إن قيامه بدور سانتا كلوز أضاف الكثير إلى شخصيته، مستطردًا: بعد دخولى لبيوت كثيرة وتعرفى على المشاكل التى تخفيها الأبواب، وبعد اقترابى من الظروف التى تغلق عليها تلك الأبواب.. أدركت أن «الدنيا مش مستاهلة إن الواحد يزعل، وإن فيه حاجات كتير أهم من الزعل. دورى كبابا نويل جعلنى أواجه المشاكل بشكل مختلف، وكلما خرجت من بيت لبيت تعلمت أن أقول الحمدلله، أنا أحسن من ناس تانية» .. بالمناسبة.. ما الفرق بين سانتا المصرى والغربى، فى رأيك؟ يضحك قائلا: أعتقد أن المصرى به روح أكثر من الغربى! فى الغرب نرى كيف يقف سانتا فى المولات والمحلات والشوارع منتظرًا أن يذهب الناس إليه، أما هنا فسانتا هو الذى يذهب إلى الناس! وأعتقد أننا لو بحثنا فى تاريخنا القديم.. من المحتمل أن نجد سانتا اخترا عًا مصريًا فرعونيًا.. بعد الحوار، ظللت أتساءل: هل سانتا الغربى كان سيقول خلاصة خبرته بنفس نبرة الشجن التى وصلتنى من صوت أمير وهو يتحدث عن تجارب الحياة، باعتبار أن كلنا بشر؟ ربما. •