صعودًا وهبوطًا كانت علاقة يوسف شاهين ب (المتمرد) محسن محيى الدين، حتى انتهت تلك العلاقة بقطيعة لا تعنى أبدًا العداء، فما زال محيى الدين يتذكر (جدعنة) يوسف شاهين معه على حد تعبيره- منذ أن التقيا أول مرة فى مكتبه فى 35 شارع شامبليون، ويومها قال له (أنت بقى محسن محيى الدين إللى بيقولوا عليه ممثل كويس) ليجيبه الأخير (متشكرين يا عم)!! مما أثار تعجب شاهين، وأذاب جبالًا من الجليد كان تكوينها أمرًا بديهيًا، حيث لم يكن محسن محيى الدين قد تعدى السابعة عشرة من عمره وقتها. وعن ذلك يقول، لم أسع للعمل مع (جو) فقد فوجئت بالفنان سيف عبدالرحمن يهاتفنى يومًا، ويطلب منى الحضور إلى مكتب الأستاذ، لذلك كنت الترشيح الأول من جانب سيف، عندما طلب منه شاهين البحث عن وجه شاب يلعب بطولة فيلم (إسكندرية ليه؟). وعن ذكريات اللقاء الأول يقول: «لم يتعد هذا اللقاء بضع دقائق، وضع فيها شاهين يده على وجهى مبديًا إعجابه بحبوب الشباب التى كانت تملأه، ثم قال لى (عندك صحاب من سنك بيعرفوا يمثلوا؟) فأجبت بنعم، فقال (هاتهم وتعال يوم الخميس). لكن محيى الدين ينفى عن اللقاء صفة الغرابة، حيث يقول: كان لى خمسة أعمال مهمة قبل العمل مع شاهين، فى المسرح، السينما، والتليفزيون، واجهت خلالها نجوما مثل رشدى أباظة، سميرة أحمد، نيللى، فاتن حمامة، وغيرهم، كما أن مشاركتى بمسلسل (فرصة العمر)من بطولة محمد صبحى - فى منتصف السبعينيات - حولتنى إلى نجم بالمعنى الحرفى، حيث كانت الشوارع فارغة وقت عرضه، لذلك لم أعرف الرهبة أبدًا، فقد كان الجميع سواسية فى نظرى. فى لقائهما الثانى مصطحبا أصدقاءه، ظن الشاب الصغير وقتها أن شاهين أخذ يشاهد أعماله السابقة بتركيز، وحرص، حيث لم يطلب منه أداء مشهد تمثيلى مثلما طلب من زميليه اللذين حضرا معه (أحمد سلامة وعبدالله محمود) وانتهى اللقاء الثانى مثل سابقه سريعًًا، حيث طلب شاهين من الثلاثة -على غير عادته - قراءة السيناريو، ثم العودة إليه مجددًا بعد أن يختار كل واحد منهم الدور الأقرب لقلبه. كان اللقاء الثالث هو بداية التقارب بين الصديقين، حيث جاء محسن معلنًا رغبته فى لعب دور (سمير) الشاب المستهتر.. عاشق الفتيات، لكن «جو» اختار له دور يحيى، وهو الأمر الذى لم يعجبه، حيث علق على الاختيار (الدور ده مش عاجبنى ده واد معقد) ليجيبه شاهين: (بص يا حمار.. أنا إللى أقولك إيه الدور المناسب ليك) وقد كان لفظ (يا حمار) من ضمن ألفاظ أخرى يختص بها شاهين المقربين منه والذين يحبهم من قلبه، ويرى فى تألقهم شبابه، وفى موهبتهم نجوميته. ثمانى سنوات قضاها محسن محيى الدين بقرب (جو)، منذ عام 79 وهو عام إنتاج فيلم (إسكندرية ليه؟) وحتى 86، حيث التعاون الأخير فى فيلم (اليوم السادس)، يقول عنها: «كان يوسف شاهين ذكيًا جدًا فى تعامله معى فى البداية، حيث أخبرنى أن دور يحيى ما هو إلا سيرة شخصية له، ثم أردف (مش هقدر أقولك أنا بتصرف إزاى.. راقبنى).. تلك المساحة، والحرية التى تركها لى، خلقت لدى نوعًا من التحدى ونبهتنى إلى ضرورة التجهيز لأى دور بالدراسة وفهم أبعاد الشخصيات التى أؤديها وليس فقط حفظ الحوار- وعندما كنت أؤدى المشهد، كان يشرح لى الإحساس الذى يرغب به، ويتركنى أوصل له هذا الإحساس بطريقتى، واستمرت علاقتنا المهنية مريحة حتى فيلم (الوداع يا بونابرت) حيث بدأت المشاكل بيننا، لأنه كان يريد أن يخرج موهبة التمثيل التى يمتلكها هو من خلالى، فكنت أعيد المشهد الواحد عشرات المرات لأنه يريدنى أن أقلده فى طريقة الأداء، وهو ما كنت أرفضه، الأمر الذى تكرر فى (اليوم السادس)، مما دفعنى إلى مصارحته (أنا مش مرتاح، ومتكتف، وده آخر فيلم بينى وبينك). لم يندم محسن محيى الدين على قراره بالانفصال عن شاهين، ولم يغضب أيضا منه عندما صنع شاهين بعدها بسنوات فيلم (إسكندرية كمان وكمان) محدثا إسقاطًا على قصة محيى الدين معه من خلال الدور الذى أداه عمرو عبدالجليل، وعن ذلك يقول: «لم أشغل بالى حتى بمعاتبته، فهكذا تخيل يوسف شاهين أنى تركته، ولم يرد أن يصدق أن شخصيتى لا تقبل التقييد، والدليل أننى رفضت عرضه لى بعد (إسكندرية ليه؟) بالاحتكار مقابل مرتب شهرى، حيث انصرف عنى المنتجين وقتها ظنًا منهم أنى لن أعمل مع أحد بعد بطولتى مع شاهين، رغم علمى تمامًا أن عرضه هذا نابعًا من طيبة قلبه، وليس بهدف السيطرة على». سعى محيى الدين لأن يبقى حبال الود متصلة مع الأستاذ، فكان يهاتفه كل فترة بمكالمة لا تتعدى الدقائق، ليطمئن فيها على صحته، كما أنه لم يتردد لحظة فى أن يلجأ إليه - بعد خمس سنوات من البعد- عندما وقع فى أزمة وقت إنتاجه فيلم (على كف عفريت) حيث رفض المعمل الإفراج عن نسخ الفيلم لعرضه قبل تسديد ثمنها، بينما كان محسن محيى الدين لا يمتلك تلك الأموال، فما كان من «جو» - الصديق المخلص - إلا أن يتوسط له، ليعرض الفيلم مقابل شيكات كتبها محيى الدين على نفسه، ليسددها بعد العرض. «ظن «جو» ظنًا خاطئًا أننى قد أصبحت متشددًا دينيًا، وأننى سأتبرأ من أعمالى الفنية، فما كان منه إلا أن هاجمنى عبر شاشات التليفزيون، معلنًا رفضه لوضعى الجديد، فحدثت القطيعة التى استمرت حتى رحيله، حيث فوجئت بخبر وفاته وحزنت كثيرًا، فموقفه الأخير معى، لن ينسينى (جدعنته) ولن يمحو من ذاكرتى مناقشاتنا سويًا التى كانت تلتقى فيها ثقافته بفطرتى».