عند مشاهدتك لعرض من عروض «فرقة الصامتين» يأخذك التناسق والانسجام في كل خطوة تصاحب صوت الموسيقي، يتفاعلون معها ويشعرون بها فالأجساد تتمايل معبرة عن معانٍ عديدة قد يعجز الكلام عن توصيلها، هذه ليست مجرد فرقة استعراضية فأفرادها جميعا من الصم والبكم الذين لم يمنعهم ذلك من أن يصلوا لكل من شاهد عروضهم علي المسرح وكأنهم رفعوا شعار «الفن لغة التواصل» فجعلوا الفن والرقص جسر الوصول للقلب والفكر، ويكفي أن تتابع حركاتهم الرشيقة حتي تتأكد من المجهود الجبار والتصميم الواضح والقدرة التي قد لا يستطيع الوصول لها من لا يعانون أي تحدٍ أو إعاقة ويظهر تساؤل: «كيف استطاعوا التفاعل مع الموسيقي رغم أنهم لا يسمعونها»؟! مايسترو هذه السيمفونية الجندي المجهول وراء هذا الإبداع هو رضا عبدالعزيز مخرج ومصمم رقصات الفرقة وصاحب فكرة إنشاء الفرقة عندما تحدثت معه أدركت كم التحدي الذي بداخله والرسالة التي آمن بها وأراد أن يوصلها بالجهد والبحث فقد دخل هذا المجال بإرادته لأنه أراد أن يكتشف هذا العالم الصامت بنفسه فيقول: دائما ما كانت أمي رحمها الله تحضر أطفالا فقراء ومحتاجين من أطفال الشوارع ومنهم أصحاب إعاقات ممن تقابلهم في مدينتنا المحلة ليقضوا معنا اليوم ويشعروا بدفء البيت، لذا تعودت علي التقرب من الفئات التي قد تختلف عنا وأحببت المساعدة، لذا اخترت أن أعمل كمخرج مسرحي في مدرسة الصم والبكم في المحلة بعد إتمام دراستي في معهد الدراسات الفنية قسم أنشطة تربوية لأقترب أكثر من هذا العالم المبهم لدي العديد منا ولأنني بطبعي أحب التحدي فقد قررت أن أتعلم لغتهم وأتواصل معهم بعد فترة صعبة لم أكن أعرف فيها أن أتواصل معهم حتي إنني عندما ذهبت للمدرسة وكان الوقت يوافق مناسبة عيد الأم وكانوا يؤدون استعراضا، حدثت معي مشكلة لعدم فهم لغتهم وشعرت بمدي البعد بيننا كأصحاء وبين هذه الشريحة وكيف أنه لا سبيل للالتقاء بهذا الشكل المنغلق علي أنفسهم فهم يؤدون الأغاني والأشعار لمن هم مثلهم بلغة الإشارة وكأننا نعيش في عالمين منفصلين وتعايشت بينهم وحلمت معهم ورأيت معاناتهم وانعزالهم وتعلمت لغة الإشارة واجتهدت في ابتكار لغة ثالثة فقرأت كثيرا وبحثت واستلهمت من الفنان العظيم بيتهوفن الذي تعامل مع الموسيقي رغم أنه أصم فقرأت عنه الكثير وراقبت الفيلم الذي صور عن حياته لعلي أجد وسيلة لتوصيل الموسيقي لمن يعانون الصمم وساعدني في ذلك أنني فنان استعراضي وعازف لآلة «البركاشا» أفهم الموسيقي وأعرف «التيمبو» والإيقاع وهو الذي كان يشعر به بيتهوفن عند ملامسة رأسه للبيانو فيشعر بالذبذبات علي الجمجمة وهو ما يعرف ب «الاتصال العظمي» بتحويل النغمات الموسيقية إلي « ذبذبات» يشعر بها الصامتون عوضا عن سماعها وهو ما رأيته في مشهد سريع بالفيلم لذا قفزت من الفرح «وجدتها .. وجدتها»، ولكن كان التحدي أن بيتهوفن كان يسمع ثم أصيب بالصمم فهو يعرف الموسيقي وسمعها قبل مرضه، أما من سأتعامل معهم فلم يسمعوها قبل ذلك فدرست وبحثت إلي أن توصلت لأسلوب من الاتصال العظمي وذلك بالنقر علي عظام الكفوف والأكتاف إلي أن يتوحد «التمبو» الموسيقي مع الحركات التي يؤدونها عن طريق «دبة» السماعات لتجد في النهاية توافقا بين الأداء والأنغام واحتاج هذا لتمرين وجهد وتأهيل وبروفات في عروض لها مضمون ورسائل وليست مجرد رقص ومنها عرض «كليوباترا» في مهرجان الغردقة الدولي للطفل و«راحة الأرواح» وتوصل رسالة ألا نكون أربابا نحاسب العباد وعرض «نيران صديقة» لمحاربة الإدمان و«أجنحة صغيرة» لمناقشة قضايا المعاقين و«رفقا بالقوارير» لمناهضة العنف ضد المرأة.. وعروض فولكلور ولنا قناة علي اليوتيوب أيضا ونقيم استعراضاتنا بمراكز الإبداع الفني فمحمد أبوسعدة وصندوق التنمية الثقافية متعاون جدا ونقيم في مركز طلعت حرب الثقافي ومركز الحرية للإبداع بالإسكندرية ومؤسسات المجتمع المدني أيضا يشجعوننا علي إقامة عروضنا مثل مؤسسة أهل مصر التي تنتج عروضنا برئاسة السيدة الفاضلة هبة السويدي. شباب قهر الصمت بسمة فريد محمد صبري محمود رمضان محمد الجيار بعض من أفراد فرقة الصامتون التي يصل عددها إلي ثلاثين فردا 21 فتاة و 81 شابا أعمارهم ما بين السادسة عشرة والثلاثين عاما اشتركوا في لغة الإشارة للتواصل مع بعضهم البعض والرقص الاستعراضي للتواصل مع المجتمع كله ومناقشة قضاياه ومشاكله وعن طريق مدربهم مصمم الرقصات وصاحب الفكرة رضا عبد العزيز أوصلوا لي كيف أن حياتهم تغيرت وكيف عبروا حاجز الصمت وشعروا بأن لهم مكانا في المجتمع واستطاعوا أن يكونوا جزءا من الحياة الثقافية المصرية.. ومع كل تشجيع وتكريم لفنهم وتصفيق من الجمهور يشعرون بأن لهم صوتا مسموعا ولم يعودوا يعانون من الفجوة كصم وبكم بينهم وبين الناس.
