قليلة هى أسماء المخرجين الذين يترقب الجمهور أفلامهم الجديدة ومنهم محمد أمين الذى ينتمى لسينما المخرج المؤلف والثانى هو إبراهيم البطوط أحد المخرجين المتميزين فى عالم السينما المستقلة، وكانت له تجارب ذات شأن فى هذه النوعية وهما «حاوى» و«عين شمس» أول فيلم شاهدته كان «فبراير الأسود» لعدة أسباب أن مخرجه يقدم فيلماً كل خمس سنوات يحمل توقيعه كمخرج ومؤلف، بدأها مع المنتج سامى العدل الذى قدم الثلاثى أحمد عيد وفتحى عبدالوهاب وأحمد رزق فى «فيلم ثقافى» ثم قدم فيلم «ليلة سقوط بغداد» لأحمد عيد وبعد سنوات كان أجمل أفلامه «بنتين من مصر» الذى ظهرت فيه «زينة» بشكل مختلف على مستوى الأداء وشهد نفس الفيلم أول تعارف بين الأردنية «صبا مبارك» والجمهور المصرى ليكون هذا الفيلم فاتحة خير عليها. فى فيلم «فبراير الأسود» قد تعتقد فى البداية أن اسم الفيلم سيكون له علاقة بخطاب التنحى لمبارك مما يعطى انطباعاً أن الفيلم ضد الثورة إلا أنك ستكتشف أن اسمه يعبر عن حادثة تعرضت لها أسرة بطل الفيلم «خالد صالح» ولم يجدوا سوى الكلاب لإنقاذهم، حيث اهتمت الجهات الأمنية بالدولة بإنقاذ الذين يشغلون وظائف سيادية مثل عائلتى المستشار وأحد الضباط ليصبح هذا التاريخ بمثابة ذكرى سنوية تذكر عائلة خالد صالح بهذه الحادثة ومن خلالها يفجر محمد أمين القضية الرئيسية فى فيلمه وهى «تحول الإحساس بالمواطنة» بسبب الانفلات الأمنى، خاصة بعد ثورة 52 يناير وانعكاسه السلبى على تفكير المواطنين للخروج من هذا المأزق و رغم طزاجة القضية لكن لابد أن تجد نفسك متورطا فى المقارنة بين «فبراير الأسود» وبين فيلم «ليلة سقوط بغداد» الروح واحدة بين الفيلمين سواء فى تشابه وظيفة الأبطال أو القضية التى سبق وقدمها فى «بغداد» ويكرر طرحها بشكل آخر فى فيلمه الجديد وهى «عدم الاهتمام بالعلم والعلماء» بجانب القضية الرئيسية.
الشخصية الرئيسية هى لأستاذ الجامعة «خالد صالح» وهو كبير العائلة وشقيقه طارق عبدالعزيز الذى ترك أبحاثه العلمية واتجه لصناعة الطرشى البلدى- لاحظ حضرتك أن أحمد عيد فى «سقوط بغداد» كان طالبا «نابغة» تخرج فى كلية العلوم ولم يجد أى تقدير من الدولة لتبنى أبحاثه لذلك نراه عاطلاً لايفعل شيئا سوى تعاطى المخدرات إلا أن تتلقفه يد معلمه «حسن حسنى» وهى الشخصية المقابلة لخالد صالح فى «فبراير الأسود» وعلى عكس فيلمه «بغداد» اختار محمد أمين فى فيلمه الجديد الهجرة والفرار من «المواطنة» كهدف يسعى له الكثيرون فى ظل الواقع المرير الذين يفتقدون فيه الأمن والأمان- لا ننكر أن الموضوع هو البطل فى فيلم «فبراير الأسود» أى أنه ليس فى حاجة لنجوم شباك هو فقط يحتاج لممثلين لديهم القدرة على توصيل فكرة المؤلف للمتفرج بلا فذلكة واختار محمد أمين أن يبلور فكرته من خلال أسرة «خالد صالح» الباحثة عن توفير الحماية والأمان كهدف رئيسى يسعون له بأساليب متعددة سواء كان عن طريق الهجرة أو طلب اللجوء السياسى أو الدينى أو حتى الجنسى أو الولادة على متن طائرة ليحصل المولود على جنسية بلد أجنبى يتبعها جنسية لباقى أفراد الأسرة أو زواج إحدى بنات الأسرة من أحد رجال السلطة للاحتماء به، أو الزج بالابن ليكون لاعب كرة فى نادٍ شهير لأن اللاعب يجد كل تقدير من الدولة على عكس الباحث العلمى.
وبالطبع هذه المواقف كفيلة بتصدير كمية ضحك للمتفرج لابأس بها. لكن للأسف جاء تنفيذ هذه المشاهد بشكل محبط وغير متوقع من مخرج حقق نجاحات من قبل ليخرج فيلمه فى النهاية بقليل من الإبداع والخيال وكثير من الخسائر.يحسب للشركة العربية مجازفتها لإنتاج فيلم لا يحمل أفيشه اسم نجم سينمائى مضمون فى شباك التذاكر، خاصة أن الشركة العربية خصصت ميزانية لا يستهان بها فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد.. طبعا هذا لا ينفى تقديرنا لنجومية خالد صالح والمسلسلات التى تباع باسمه فى الدراما التليفزيونية. لكن المؤكد أن للسينما حسابات مختلفة.
∎ الشتا اللى فات
سبق لى مشاهدة فيلم «الشتا اللى فات» بالدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، ونال الفيلم رد فعل جيدا من الحضور لكن بعد عرض الفيلم جماهيريا فضلت مشاهدته للمرة الثانية مع الجمهور لسببين أولهما أننى أمام عمل فنى جيد يستحق المشاهدة وثانياً رغبتى فى معرفة رد فعل الجمهور تجاه فيلم لاينتمى للسينما التجارية بعد ثورة 52يناير، مبدئيا فيلم «الشتا اللى فات» ينتمى لنوعية الأفلام المستقلة التى يصرف عليها صناع الفيلم نفسه سواء كانوا أمام الكاميرا أو خلفها والمعروف أن هذا الفيلم حصد جوائز عديدة فى مهرجانات سينمائية عالمية وعندما تعرف أن بطل الفيلم ومنتجه هو عمرو واكد المؤكد أنك لن تصيبك الدهشة هو منذ بداياته وهو مجنون فن لذلك طبيعى أنك تجده فى أعمال تضيف لرصيده الفنى لكن بلا مكاسب مادية وقد نجده صاحب مشروع له علاقة بالفن لكن لايفسح لى المجال حالياً لسرد شطحات ممثل موهوب أعتاد المغامرات الفنية منذ أول أفلامه «جنة الشياطين» مع محمود حميدة.
اختار إبراهيم البطوط شعار «الكرامة والحرية» لينقلنا داخل أجواء فيلمه واختار فترة من يناير 2009 إلى يناير 2011 لينطلق بفكرة فيلمه التى تركز على إهانة وكسر نفس كل من يفكر ضد النظام، وفى ذات الوقت أنت لاتستطيع اعتباره فيلما عن الثورة بل أنت أمام حالات إنسانية تستحق التوقف والتأمل خاصةً أن كل مشهد به يجعلك تشعر بأنك تشاهد سينما على حق، وفى فيلم إبراهيم الباطوط أنت ليس أمام حدوتة تستطيع سردها بل أمام شخصيات من لحم ودم ربما تكون قابلتهم بالأمس وربما تلتقيهم اليوم أو غدا مادامت «كسرة النفس والقهر» التى رسخها نظام فاسد طوال فترة حكمه لم تختف بل موجودة ويمارسها آخرون آخرون تحت مسميات أخرى، وظهر ذلك فى نهاية الفيلم عندما كتبت أرقام توضح عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين، مشيراَ إلى أن العد لايزال مستمراً.
∎ الشخصيات
عمرو واكد مهندس كمبيوتر وهو الشخصية الرئيسية المفروض أنه تم اعتقاله مرتين الأولى عندما خرج فى مظاهرات تدين إسرائيل فى حربها على غزة عام 9002 وفيها إشارة واضحة إلى عمليات تعذيب وقهر المواطن من قبل جهاز اعتاد اعتبار المواطنين عبيدا لدى النظام الحاكم ليس من حقهم استنشاق مذاق الحرية، وفى مشهد بالغ الدلالة يقول ضابط أمن الدولة «صلاح الحنفى» لعمرو واكد بعد تعذيبه «العدو الحقيقى لنا هو الجهل وليس إسرائيل»، والثانية فى بداية ثورة 52 يناير 1102 وفى المرتين كان يحقق معه نفس ضابط أمن الدولة «صلاح الحنفى» وبالطبع كان يغلب على التحقيقات تعذيب جسدى ومعنوى يجعل أى أحد يخرج من تحت أيديهم مضطربا يتجنب الحديث مع أى أحد حتى إذا كان جاره وظهر ذلك فى أحد مشاهد الفيلم بجانب مشهد آخر أكد على ذلك عندما طلب عمرو واكد من بواب العمارة أن يحضر له ما يكفيه من طعام حتى لا يضطر النزول للشارع.
الشخصية الثانية هى «فرح يوسف» المفروض أنها مذيعة وتربطها علاقة حب بعمرو واكد لكنها تقع ضحية لرئيس قناة ويحاول أن يقنعها بتهدئة الأمور أثناء إذاعة برنامجها من خلال الكذب والتضليل لكنها اختارت عدم الانضمام للقطيع الإعلامى الذى ظل حتى النفس الأخير يدافع عن النظام وبطانته وتقرر ترك القناة والبرنامج لتنزل الشارع مع الثوار.
أما ثالث شخصية فهى لضابط أمن الدولة «صلاح الحنفى» الذى ينتمى قلباً وقالباً للنظام السابق ويجيد استخدام وسائل التعذيب المختلفة وكسر نفس المقبوض عليهم، هذا الممثل عندما تشاهده فى هذا الدور ستعتقد أنه كان ضابط أمن دولة سابق وأن «إبراهيم البطوط» استعان به فى فيلمه كشخصية حقيقية فأنت أمام وجه «شمعى» لاتتبين انفعالاته يمارس عمليات التعذيب الجسدى والمعنوى بهدوء شديد لاتلمح ثورة غضبه إلا بعد فشل زملائه فى السيطرة على ما يحدث فى ميادين مصر أثناء ثورة 52 يناير، ولكنك ستندهش عندما تعلم أنه يقف للمرة الأولى أمام الكاميرا وأعتقد أنه أحد المشاركين فى إنتاج هذا الفيلم.هذه الشخصيات تربطهم علاقات غير مباشرة ببعضهم البعض تتضح من خلال الأحداث.
∎ شخصيات فرعية
فى بداية أحداث الفيلم نجد عمرو واكد يشاهد فيديو لأحد الأشخاص يعترف كيف تم تعذيبه وصعقه بالكهرباء وإهانته من قبل جهاز أمن الدولة لمجرد أنه صور فيلما عن «البوسنة» والمثير أن هذا الموقف حدث فعلا بالواقع وتم التصوير مع الشخص الحقيقى، ويتأثر عمرو واكد ويستعيد ذكريات ألمت به أثناء اعتقاله أول مرة عام 2009.ثانى شخصية كانت لأحد الشيوخ الذين يعتلون المنابر للخطبة فى صلاة الجمعة، حيث تم استدعاؤه وتم إهانته وعقابه معنوياً دون أن يلمسة أحد.أصدقاء الميدان نرى كيف أخذوا موقفاً من المذيعة «فرح» لتضليلها وكذبها على المتفرجين رغم أنها كانت فى نفس المشهد تنقل أحد المصابين، لكن يتغير موقفهم منها فيما بعد.
∎ مشهد النهاية
يؤكد أن كل شىء كما هو لم يتغير، الثوار فى ميدان التحرير يملؤهم الأمل فى غد أفضل وذيول النظام فى مناصبهم بمسميات مختلفة ها هو ضابط أمن الدولة يمرح مع أولاده على أحد شواطئ العين السخنة.
∎ أجمل مشاهد الفيلم
ذلك المشهد الذى تم فيه جمع بعض المعتقلين فى فناء كبير أشبه بمركز شباب فى منطقة شعبية من الأماكن الرائعة التى تشعرك بواقعية الحدث فهو يحتوى على طاولات كثيرة وكل معتقل أمامه أحد ضباط أمن الدولة يحقق معه وكانت الكاميرا تنتقل بحرفية من معتقل لآخر وكان من ضمنهم عمرو واكد الذى اعتقل للمرة الثانية وهذه المرة يكون للتحقيقات مذاق يعبر عن الثورة بعيدًا عن الخوف والقهر والانكسار.عمرو واكد أحرز هدفاً لايستهان به سواء على مستوى آدائه لشخصية تحتاج أداء تعبيرياً بالوجه والعين أكثرمن الحوار، وفرح يوسف من الممثلات اللائى تشعرك بأنها لاتبحث عن النجومية بقدر بحثها عن دور يقول شيئاً.