الانفلات الأمنى فى الشارع المصرى أصبح يمثل مشكلة ضخمة أمام الرئيس القادم فى ظل تهريب الأسلحة الثقيلة والمتطورة من خلال عصابات إرهابية لتنفيذ أجندات ليست ثورية أو وطنية عبر الحدود المصرية مع إسرائيل من ناحية وليبيا من ناحية أخرى، تفتح مجالا كبيرا للخطر على الأمن القومى المصرى وتجعل الرئيس المصرى القادم - مضطرا- يرث تركة ثقيلة مع بداية توليه الحكم وتفرض عليه التعامل معها بمنتهى الحسم والسيطرة لإخماد نيرانها على الأقل خلال فترة حكمه التى لا تتجاوز الأربع سنوات. التقينا عددا من الخبراء الأمنيين والاستراتيجيين لإلقاء الضوء على الملف الأمنى الذى يعد إحدى القنابل الموقوتة المتوقع انفجارها فى وجه الرئيس القادم، والتعرف على حجم هذه المخاطر وإمكانية التصدى لها.
فى البداية قال اللواء فؤاد علام الخبير الأمنى: للأسف الشديد، يعانى المجتمع المصرى هذه الأيام من صراعات سياسية بين القوى السياسية وبعضها البعض بهدف تحقيق مصالح حزبية أو شخصية دون مراعاة لما يجب أن يكون عليه التوافق الوطنى مما أدى إلى انقسام الشعب المصرى. وأضاف: هناك أجنحة كثيرة من الشباب والحركات الثورية تظن أن استخدام العنف يحقق الأهداف التى يتصورونها مثل ما فعله أنصار حازم صلاح أبوإسماعيل وما تم من حرق المقر الانتخابى للمرشح الرئاسى أحمد شفيق إضافة إلى حوادث العباسية وما قبلها وما بعدها، كل هذه الأحداث جعل جزءا كبيرا من الشباب يعانى حالة من اليأس وعدم الانضباط الذى يجعل الأوضاع الداخلية مهيأة للاشتعال فى أى وقت.
وحول أسباب إضراب الأمن فى الداخل أوضح علام: هناك أسباب كثيرة منها السياسى والاقتصادى والاجتماعى والأمنى، أى كلما زادت البطالة واستمر ارتفاع الأسعار، زادت الاضطرابات الأمنية، وكلما زادت الصراعات السياسية وإدارة الأمور بنظرة حزبية ضيقة، ظهرت ممارسات ضد الاستقرار الأمنى، وكلما زاد التفسخ الاجتماعى وعدم وجود رقابة وانهيار القيم والأخلاق، أثر ذلك على الحالة الأمنية.
∎ سوق للسلاح المهرب
وعن تزايد عمليات تهريب الأسلحة فى الفترة الأخيرة عبر الحدود المصرية مع إسرائيل وليبيا واستخدام الأسلحة المتطورة فى الاعتداء على الأقسام وأكمنة الشرطة تساءل الخبير الأمنى قائلا: من الذى قام بشراء هذه الأسلحة التى تقدر بملايين الدولارات ولمن يتم توصيلها وفيم سيتم استخدامها، وبالتالى أيًّا كانت الإجابة عن هذه الأسئلة فالمؤكد أن مصر أصبحت سوقا كبيرة للسلاح المهرب من الدول المجاورة رغم محاولات التصدى المستميتة وربما يعطى انطباعا بأن مصر أصبحت منطقة عابرة لتهريب الأسلحة إلى غزة.. وربط علام بين الاضطرابات الداخلية والخارجية بقوله: استخدام الأسلحة الثقيلة والمتطورة فى ظل الصراعات الداخلية التى يعانيها المجتمع المصرى يشير إلى العديد من النقاط المهمة، منها أن هناك تنظيما مسلحا وقويا قادرا على القيام بأعمال تخريبية ضد الأمن العام فى منطقة سيناء كما أن نوعية التسليح تشكل خطورة كبيرة للأمن المصرى فى الداخل.
وعن إمكانية أن يؤدى الاستخدام غير المسئول لهذه الأسلحة إلى الدخول فى مواجهات مع إسرائيل أكد الخبير الأمنى: إسرائيل إذا وجدت أى سبب من الأسباب لصالحها فإنها لن تتوانى فى ذلك لكن إسرائيل ليس من مصلحتها القيام بذلك لأن الصراعات والانقسامات واستخدام العنف فى حل المشكلات يجعل إسرائيل تفضل الإبقاء على الوضع ليزداد سوءا.
∎ عجز التسليح الأمنى والعسكرى
وفيما يتعلق بتصريحات بعض مرشحى الرئاسة العنترية بالتخلى عن المعونة الأمريكية أو توريط الجيش فى حرب مع إسرائيل أفاد علام: أعتقد أن مثل هذه التصريحات هدفها جذب أصوات الناخبين فى هذه المرحلة، والمؤكد أن أى رئيس جديد لمصر لن يتخذ أى خطوات سواء سلمية أو عسكرية إلا بعد أن يعرف جيدا القدرات العسكرية والأمنية لمصر ويلم بأدق التفاصيل الخاصة بالأوضاع الاقتصادية، وأعتقد أن أيًّا من مرشحى الرئاسة ليس لديه المعلومات التى تجعله يتخذ مثل هذه المواقف الصعبة.
وأضاف: لا يمكن اتخاذ أى مواقف بتعديل اتفاقية كامب ديفيد التى تضمنها الولاياتالمتحدةالأمريكية المتهورة والتى يمكنها أن تفعل أى شىء فى سبيل الحفاظ على أمن سيناء.
وعن الحلول المطلوبة من الرئيس القادم للتعامل مع هذه الاضطرابات والسيطرة عليها خلص إلى القول: الأمن يحتاج إلى معالجات كثيرة، أهمها استكمال القدرات القتالية وسد العجز فى التسليح الأمنى والعسكرى إضافة إلى تغيير نوعية رجل الأمن بحيث يصبح لديه درجة معينة من التعاون الإيجابى واستيعاب المرحلة التى تمر بها الآن وكيفية التعامل مع المواطنين بطريقة جاذبة وليست طاردة إلى جانب عودة الشرطة للتعاون مع الشعب للقيام بمهامها بالشكل المطلوب، مع العلم بأنه لا يمكن توقع وجود استقرار أمنى بعيدا عن الاستقرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى.
∎ حرب أهلية
من جانبه قال حسن الزيات الخبير العسكرى: فيما يتعلق بالأمن الخارجى، فإن تهريب الأسلحة الثقيلة والمتطورة من خلال عصابات إرهابية، يؤكد أن هناك أيادى خفية وراءها قوى معادية تسعى للقيام بأعمال تخريبية ضد مصر وشعبها، ولا أستبعد أن الهدف منها زعزعة الأمن المصرى الداخلى والخارجى والشروع فى نشوب حرب أهلية خاصة أن هذه الأسلحة غير مخصصة للحماية الشخصية أو السطو أو غير ذلك من الجرائم الفردية المحدودة، مما يستوجب التأهب المستمر واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة على الحدود المصرية للحد من هذه المخاطر الصعبة.. وأضاف: فيما يتعلق بالوضع الأمنى الداخلى، هناك الكثير من الاضطرابات التى تجعله مرشحا للاشتعال فى أى وقت، منها رغبة تيار الإسلام السياسى بشكل غير مبرر فى استلاب الشرعية الدستورية من القوات المسلحة التى تحمى هذه الشرعية كإحدى مهامها إضافة إلى عدم وجود دستور للبلاد بسبب عرقلة الإخوان تأسيس الدستور الجديد إلى أن يتم تنصيب الرئيس الجديد الذى يأخذ كامل الصلاحيات إذا جاء منهم أما إذا جاء من خارجهم فيتم الحد منها لصالحهم.
وحول إمكانية صعود التيار الإسلامى إلى سدة الحكم وتوريط مصر فى مصادمات ومشاحنات مع إسرائيل أو أمريكا بدعوى تعديل اتفاقية كامب ديفيد أو الاستغناء عن المعونة الأمريكية بما يهدد علاقة مصر مع هذه الدول، رأى الزيات: تعديل اتفاقية كامب ديفيد وارد لكنه لن يتم بالفتونة بل بالتفاوض، أما بالنسبة للمعونات الأمريكية فأغلب هذه المعونات عسكرية لا يمكن بأى حال من الأحوال الاستغناء عنها لأن 57 بالمائة تسليح القوات المصرية المسلحة أمريكى.
وتابع قائلا: من يظنون إمكانية الاستغناء عن هذه المعونة جهلاء ولا يعرفون بواطن الأمور، وفى كل الأحوال لا أتوقع توريط مصر فى حرب مع إسرائيل أو غيرها لكن لا يعنى ذلك عدم تأثير الاضطرابات والصراعات الداخلية على حدود مصر مع الدول المجاورة لها.
∎ خروقات أمنية
وعن الأمور الواجب أن يتخذها الرئيس الجديد للحفاظ على الأمن الداخلى والخارجى لمصر خلص إلى القول: فيما يتعلق بالأمن الداخلى، لابد من إعادة تنظيم جهاز الشرطة وتثقيف أفراده وتغيير معاملاتهم بما يجعلهم يتعاملون باحترام مع أفراد الشعب سواء كانوا أبرياء أو مجرمين، إضافة إلى إعادة تسليح الشرطة بالأسلحة الحديثة، أما فيما يتعلق بالأمن الخارجى فلابد من زيادة حجم القوات المسلحة وتطوير الدبابات والطائرات التى لا نملك منها سوى طائرات 61F التى ظهرت بعدها طائرات أحدث مثل 81F وإعادة تسليح الجيش من مصادر تسليح مختلفة حتى لا نقع فى فخ إغلاق حنفية المعونة الأمريكية المخصصة للجيش المصرى.
من جهته قال ممدوح عطية - الخبير الاستراتيجى: ما يجرى أخيرا من ضبط شحنات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والخارقة للدروع يعتبر تحديا أمنيا خطيرا لقدرة الحكومة والقوات المسلحة على وجه الخصوص فى مواجهة مثل هذه الخروقات الأمنية التى تزايدت بشكل لافت للنظر .. مبينا أن الكم الأكبر من هذه الأسلحة المهربة يأتى من ليبيا كما يتسرب جزء من السودان وجزء من إسرائيل من خلال الأنفاق.
وأضاف: ضبطت أسلحة فى سيناء وعلى الطريق الدائرى والمحور، والأخطر من ذلك ضبط مصرى يحمل فى سيارته 009 قطعة سلاح تمثل خطرا كبيرا على مصر مما يتطلب محاكمته وأمثاله بالخيانة العظمى لكى يكون عبرة لغيره .. لافتا إلى أن عمليات ضبط هذه الأسلحة تمت من خلال ضباط الشرطة ورجال البحث الجنائى بما يعنى أنهم استردوا عافيتهم خلال فترة وجيزة.
وبشأن المطلوب من الرئيس القادم للتصدى للفوضى وإعادة الاستتباب الأمنى للبلاد داخليا وخارجيا قال: لابد من تكاتف المؤسسة الرئاسية مع المؤسسة العسكرية والأمنية من أجل مصر، فقوات الشرطة ورجال الأمن فى مقدورهم الآن الحفاظ على الأمن الداخلى، كذلك رجال القوات المسلحة الذين لا تغفل أعينهم أبدا عن تأمين حدود مصر وحمايتها ضد أى عدو إضافة إلى تنفيذ المهام القتالية المطلوبة ومعاونة رجال الشرطة فى مهامهم.