هل أنهت نتيجة الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة أسطورة برامج التوك شو المعروفة ومذيعيها المشهورين فى مصر بعد اتضاح وهم تأثير هؤلاء المذيعين على توجهات الرأى العام فى مصر بعدما حصل محمد مرسى وأحمد شفيق وحمدين صباحى على المراكز الثلاثة الأولى محققين أعلى الأصوات ودخول مرسى وشفيق جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة، حيث كان هؤلاء المرشحون خارج اهتمامات هذه البرامج وهؤلاء المذيعين وبعيدا عن دعمهم المباشر وغير المباشر، حيث كان البعض يعتقد قبل الانتخابات أن انحياز أى من مقدمى هذه البرامج إلى مرشح بعينه أو وقوفهم ضد مرشح آخر ولو بطريقة غير مباشرة يمكن أن يؤدى إلى تزايد فرص نجاح الأول وسقوط الثانى؟! خاصة مع قرار عدد من المرشحين للرئاسة قصر دعايتهم الانتخابية على الظهور فى برامج التوك شو وعدم القيام بأية جولات انتخابية للالتقاء بالمواطنين مباشرة، مفضلين التحدث إليهم عبر فضائيات رجال الأعمال على اعتبار أن ذلك يعد توفيرا للجهد والنفقات.
رغم أن التجربة السابقة مع هذه الفضائيات وتلك البرامج أكدت أن الشعب المصرى اتخذ موقفا مغايرا تماما لما كانت تروجه برامج التوك شو ومذيعوها وذلك تجاه الأحداث السياسية المختلفة التى شهدتها مصر منذ نجاح ثورة يناير 1102 والتى بدأت بالاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 91 مارس 1102، حيث وقفت هذه البرامج ومذيعوها ضد الموافقة على هذه التعديلات ودعوا المصريين إلى التصويت عليها ب«لا» وجاءت النتيجة مغايرة تماما لموقفهم منها وكذلك الحال فى انتخابات مجلس الشعب، فرغم وقوف تلك البرامج والفضائيات التى تبث من خلالها بجانب قوائم ومرشحى القوى الليبرالية والثورية التى خاضت الانتخابات إلا أن النتجية جاءت على عكس ما يشتهى مقدمو برامج التوك شو وتأكد اكتساح الإخوان والسلفيين من الجولة الأولى، وظهر وكأن الرأى العام يعاند الرأى والاتجاه الذى يسانده أصحاب هذه البرامج، حتى أن هناك من دعا مازحا على شبكة التواصل الاجتماعى «الفيسبوك» إلى أن تغير برامج التوك موقفها وتؤيد صراحة مرشحى الإخوان والسلفيين فى الجولتين الثانية والثالثة على أمل أن يؤدى موقفهم الجديد إلى تغيير اتجاه المواطنين فيعادونهم كالعادة ويدلون بأصواتهم لصالح الأحزاب والقوى المنافسة!
وهو ما ظهر أيضا فى دعوات العصيان المدنى التى تبنتها الفضائيات الخاصة وبرامج التوك شو فيها والتى وصل الحال إلى أن مقدميها كانوا يذيعون بيانات الائتلافات والكيانات التى دعت إلى العصيان بنفس الطريقة والحماس التى كان بها مذيع صوت العرب الشهير «أحمد سعيد» يذيع بها بيانات إسقاط الطائرات الإسرائيلية فى نكسة 7691، حيث كان المذيع يقول كلاما لا يوجد لم أى أثر على الأرض.
وأخيرا رأينا النتيجة فى انتخابات الرئاسة، فبرغم أن برامج التوك شو ظلت طوال الأسابيع الماضية تؤكد أن د. عبدالمنعم أبوالفتوح هو فرس الرهان فى انتخابات الرئاسة ويليه عمرو موسى وهو ما حاولوا أن يقنعوا المصريين به من خلال تلك المناظرة التى أجراها اثنان من مناضليها وعلق عليها وحللها بقية المناضلين فى الشبكة الإعلامية لباقى البرامج فى فضائيات رجال الأعمال، بل إن عددا من هؤلاء حاول أن يقنع حمدين صباحى بالانسحاب لصالح عبدالمنعم أبوالفتوح بدعوى أن الأخير فرصته أكبر فى المنافسة من وجهة نظرهم فى حين تكاد تنعدم فرصة الأول فى السباق الرئاسى، لذلك من الأفضل له أن ينسحب وتأتى النتائج لتؤكد حصول الثلاثة مرشحين الذين كانت برامج التوك شو ومقدموها الاشاوس يأخذون موقفا يكاد يكون عدائيا ضدهم على أعلى الأصوات وبخاصة المرشح الذى حاولوا أن يقنعوه بالانسحاب!
∎ فشلوا فمع مبارك وسليمان
لذلك فمن كان ينتظر أن يكون لتلك البرامج وقنواتها الفضائية دور فى زيادة فرص مرشح رئاسى بعينه أو تقليل حظوظ مرشح آخر كان يعطيها دورا وتأثيرا فى توجيه المواطنين فشلت على مدى عام ونصف أن تقوم به رغم أنه لم يعد لديها خطوط حمراء كما كان الحال أيام نظام مبارك بل لو كان لهذه القنوات تأثير كبير على المصريين لبقى نظام مبارك نفسه إلى الآن ولم يتغير فيه إلا نقل لقب الرئيس من حسنى مبارك إلى عمر سليمان حيث أيدت كل تلك البرامج نقل السلطة إلى عمر سليمان واعتبرته النجاح الأكبر للثورة وحاولت من خلال آراء مذيعيها والضيوف الذين استضافتهم أن تروج لفكرة أن وجود الرئيس مهم جدا لكى تنتقل السلطة بصورة هادئة فى سبتمبر 1102 بعد انتهاء ولايته وإجراء انتخابات رئاسية جديدة، بل قال هؤلاء بالنص إن عمر سليمان رجل عظيم ويستطيع أن يقود مصر فى مرحلة ما بعد مبارك على أفضل ما يكون.
كما روجت تلك البرامج لمن أطلقوا على أنفسهم وصف «لجنة الحكماء» التى كانت تضم إبراهيم المعلم صاحب جريدة الشروق ونجيب ساويرس صاحب قناة، اون تى فى ود. عمرو حمزاوى ود. أحمد كمال أبوالمجد والتى كانت تدعو لبقاء مبارك حتى نهاية فترته الرئاسية مع تفويض صلاحياته لنائب الرئيس عمر سليمان طبقا للمادة 931 من «دستور مبارك» ولم يفلح هذا الترويج الإعلامى المكثف فى إقناع المصريين بالإبقاء على مبارك حتى سبتمبر 1102 بعد أن صمموا على إكمال ثورتهم حتى النهاية لأن الموافقة على ما كانت تدعو له تلك اللجنة يعنى ببساطة استبدال جمال مبارك الذى كان سيرشحه الحزب الوطنى فى اتنخابات الرئاسة 1102 بمرشح آخر للنظام هو عمر سليمان وكأنك يا ثورة «لا رحتى و لا جيتى»!
فمن فشل فى الإبقاء على مبارك باستخدم جميع الأساليب الإعلامية وغير الإعلامية مثل البكاء والنحيب لا يمكن أن يكون له الدور الأبرز فى اختيار الرئيس الجديد.. صحيح أن لهذه البرامج وهؤلاء المذيعين تأثير فى قطاع معين من المواطنين لكنه غير مؤثر فى القضايا العامة لأنه لا يمثل الغالبية العظمى من المصريين الذين لم ينسوا العلاقة القوية التى كانت تربط رجال الأعمال أصحاب القنوات الخاصة بنظام مبارك وحزبه الوطنى ولجنة سياسات نجله جمال خاصة أنهم كانوا إما أعضاء فى الحزب أو لجنة السياسات أو على علاقة قوية بأعضائها الكبار وعلى رأسهم جمال مبارك.
ولولا المزايا الاقتصادية التى أعطاها لهم مبارك ونظامه ما حقق رجال الأعمال الثروات الطائلة التى جعلتهم يقيمون هذه القنوات ويدفعون ملايين الجنيهات سنويا لمقدمى البرامج الشهيرة فى قنواتهم للدفاع عن مصالحهم كما لم ينسوا أيضا علاقة هؤلاء المذيعين برموز نظام مبارك مثل إحدى المذيعات التى تقدم برنامجا ثوريا الآن وكانت تدير الحملة الإعلامية لحسنى مبارك فى انتخابات الرئاسة عام 5002 وكافأها أنس الفقى على مجهودها ببرنامج ملاكى فى التليفزيون المصرى والمذيعة الشهيرة الأخرى التى اعترفت صراحة مؤخرا باتصالها بقيادات الحزب الوطنى ولجنة السياسات المحبوسين الآن فى سجن طرة ولم توضح لنا لماذا تتصل المذيعة المناضلة بهؤلاء الفاسدين وماذا يدور فى تلك المكالمات السرية التى لم نكن نعرف عنها شيئا لولا ذلة لسانها على الهواء.
∎ الحياد نظريا
وقد يقول مقدمو برامج التوك شو إنهم كانوا يلتزمون الحيادية والموضوعية فى برامجهم، خاصة ما إذا تناولت قضايا مصيرية تحدد مستقبل مصر مثل انتخابات الرئاسة وأنهم وقفوا على مساحة واحدة من كل المرشحين وقد أعلن كلهم ذلك بالفعل وبنفس الكلمات تقريبا قبل بدء السباق الرئاسى حيث قالوا جميعا بالنص رغم اختلاف البرامج والقنوات «أن ميثاق الشرف الإعلامى يفرض علينا أن نقف على الحياد بين جميع المرشحين».
وهذا كلام صحيح نظريا ولكن الواقع الإعلامى المصرى أكد أن طريقة اختيار الضيوف وإدارة الحوار وتوجيه أسئلة بعينها تنم على انحياز المذيع والبرنامج لوجهة نظر محددة أو مرشح بعينه حتى طريقة تناول أخبار المرشحين تدل على الموقف منه وبل وطريقة عرض صور المرشحين وكلماتهم فى بداية البرامج، حيث كانت صور عبدالمنعم أبوالفتوح وعمرو موسى تتصدر برامجهم على التوالى وعندما دبروا وأعدوا لمناظرتهم جعلوها بين أبوالفتوح وموسى!!
∎ استفادة شفيق
وأخيرا نؤكد أن الفريق أحمد شفيق مدين لمقدمى هذه البرامج بخوضه جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة، حيث ساهموا بطريقة غير مباشرة فى زيادة شعبيته فى الشارع المصرى بين أن قدموا التغطية الإعلامية الكبيرة فى برامجهم والتى وصلت إلى حد الترويج للذين حرضوا على محاصرة وزارة الدفاع واقتحامها فقبل دعوة نحو 03 حركة وائتلافاً من المحسوبين على ثورة يناير للزحف إلى وزارة الدفاع لإنهاء حكم العسكر كما يقولون قبل ثلاثة أسابيع من إجراء انتخابات الرئاسة وتسليم بطريقة ديقمراطية منتخبة. لم يكن أحمد شفيق يحتل مركزا متقدما ضمن اهتمامات شريحة كبيرة من الناخبين المصريين ولكن بعد الاعتصام الذى بدأه أنصار المرشح المستبعد حازم صلاح أبوإسماعيل قبلها بأيام ثم انضم إليهم الحركات والائتلافات المحسوبة على الثورة أو تدعى ذلك مطورة الاعتصام إلى ما أطلقوا عليه جمعة الزحف أو النهاية فى 4 مايو ارتفعت أسهم شفيق بنسبة كبيرة فى الشارع بعد أن اعتبره الكثيرون المرشح القادر على القضاء على فوضى الاعتصامات والتى وصلت إلى الدعوة إلى اقتحام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.. وقد رد شفيق الجميل لهذه الحركات فى مؤتمره الصحفى الذى عقده مساء السبت الماضى عندما تعهد بأن يكون لهذه القيادات هذه الحركات دور قيادى فى المرحلة القادمة فى حالة فوزه بالرئاسة.
وننتظر أن يرد شفيق الجميل أيضا لرجال الأعمال أصحاب القنوات الخاصة ومقدمى برامج التوك شو فيها على دعمهم غير المباشر وربما السرى له بتركيزهم على الأحداث والاعتصامات والدعوات التى تنفر الناس من الثورة.