أرعدت السماء فى تلك الليلة على قلة البرق والرعد فى سماء القاهرة وامتنعت رياح تلك الليلة أن تحمل سحابها فضلا عن أن تحتضنه فامتنع القطر.. ولو بكت.. لأراحتنا واستراحت.. ولكنها أبت إلا كظما فاحمر لونها وكثر رعيدها.. وكنت أنا والمريدون فى حال من السكون التام إلا عن الحوقلة والبسملة مما نسمع من زئير الرعد والتماع البرق خارج المجلس.. إلى أن قطع ذلك السكون وقوف أحد المريدين قائلا يامولانا لقد طلب منى القوم والحال كما ترى فى هذه الليلة الغائب قمرها والمزمجر برقها أن تؤنس قلوب الحاضرين بحديث نطلبه وطرفة نسأل عنها وفائدة نرجوها ثم تتمة لكل هذا.. أما الحديث فهلا حدثتنا يامولانا عن قدس أقداس المسلمين ومسرى نبيهم ومحج أهل الكتاب ومهد رسولهم القدس الشريف.. وأما الطرفة فنطمع منك أن تتبع هذا الحديث بطرفة عن بدء العمل بالإفتاء فى ديار المحروسة.. ثم تختم لنا بفائدة عن ليلة الاسراء والمعراج للرسول الكريم وأما التتمة فإن تتم هذا كله بتبيان هل كانت رحلة الإسراء أمرا فعله النبى الأعظم بإرادة بشرية أم بمشيئة إلهية؟ أدام الله لنا فضل مولانا وعلمه.. وحفظه لمصر المحبوبة.. ولم يفرغ له ساعة الغداء إمبوبة.. استمعت إلى سؤال المريد وكنت قد اعتدت ألا أشق صدور السائلين بحثا عن نواياهم أو أشغل فكرى فى اهداف أسئلتهم وإن مزجوا بين مالا يمزج أو تحروا عن أمرين لايبدو بينهم ارتباط.. كنوع من الاستعباط.. قلت: أما الحديث عن القدس الشريف ومسجده المبارك فقد كفانا وصفه صديقنا اللاوتى الطنجى أبوعبدالله المشهور بابن بطوطة وذلك فى زيارته للقدس الشريف فى أواسط القرن الثامن الهجرى قال: ثم وصلنا إلى بيت المقدس شرفة الله ثالث المسجدين الشريفين مصعد النبى الكريم ومعراجه إلى السماء.. ثم وصف المسجد المقدس فقال: هو من المساجد العجيبة الرائقة فائقة الحسن وعلى نشز منه «مرتفع» قبة الصخرة يصعد إليها فى درج رخام لها أربعة أبواب وأكثر ذلك مموه بالذهب مما يعجز الواصف فهى تتلألأ نورا وتلمع فى لمعان البرق.. أما عن بدء الإفتاء فى المحروسة فاعلم أن أول قاض استقضى فى مصر بعد الإسلام هو قيس بن أبى العاصى وتوفى عام 42 للهجرة وقيل انه عرض بعده على كعب بن ضنة فأبى والفرق بين القضاء والإفتاء أن القاضى يفتى فيلزم بالحكم والمفتى يفتى فلايلزم بحكم وتاريخيا فإن أول مفتى للديار المصرية يعد الليث بن سعد بتكليف من الخليفة أبو جعفر المنصور ورسميا فإن أول مفتى للديار المصرية كمنصب مستقل كان الشيخ محمد عبده وذلك فى عام 9981م صدر بذلك أمر الخديو عباس حلمى بعد أن كانت مهمة الإفتاء تضاف إلى أعمال شيخ الأزهر.. هذا ماكان من أمر الإفتاء فى ديار المحروسة وبقى لك مسألتان أما الإسراء والمعراج فمعلوم أن الكيفية للأمة وسبحان الذى أسرى بعبده.. بمشيئة إلهية لا بإرادة بشرية.. أما آخر هذا كله فقد علمت أيها الخبيث مدار سؤالك وبغية مقالك.. نعم يود البعض أن يذهب إليها مرتين.. ولن يكون.. فإما أن يذهب وحده أو أن ينتظر قومه.. فالذئب لايأكل إلا من الغنم القاصية كما قال الحديث هذا الرعد قد سكن وأقبل الليل فقوموا عنى وخلونى لخلوتى رحمكم الله.