لغط، نزاع، اعتراض، مخاوف، حول مصير اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور. فالقوى السياسية «المعارضة» وأهم الكيانات فى المجتمع مصممة على رفض استحواذ أغلبية من تيار واحد على كتابة الدستور، والأغلبية تهدد إما القبول بالحلول التى طرحتها أو المضى فى كتابة الدستور بحكم أنها تملك الشرعية القانونية والدستورية.
على الرغم من أنه الجهة السيادية التى ستدعو الشعب للاستفتاء على الدستور حال الانتهاء من كتابته.
هل سيدعو الشعب للاستفتاء على دستور كتبته أغلبية من تيار واحد، ولم تشارك فيه القوى والطوائف الأخرى، أم سيتدخل فى اللحظة الأخيرة قبل نزول الستار لحل الخلاف ورأب الصدع.. خاصة أن كل سيناريوهات الحل التى طرحها الإخوان على القوى المعارضة مازالت مرفوضة، واليوم الثلاثاء هو الموعد النهائى إما القبول بها أو المضى فى كتابة الدستور رغما عن الجميع.. «القوى السياسية، الشعب، المجلس العسكرى».
وهو ما يطرح التساؤل: هل هناك صفقة بين المستحوذين على الدستور وبين من سيدعون للاستفتاء عليه؟
طرحنا هذا التساؤل على مجموعة من الخبراء ورجال القانون والسياسيين.
∎ على طريق الحل
الفقيه الدستورى الدكتور يحيى الجمل بدا متفائلا جدا بعد الاجتماع الذى أقيم بمقر حزب الوفد بخصوص الجمعية التأسيسية حيث قال: «لقد ضم الاجتماع العديد من رؤساء الأحزاب ونقيب المحامين وبعض المفكرين والواضح أن المناقشات مثمرة وكلها تصب فى خانة الدستور الذى نريده معبرا عن كل طوائف الشعب وليس فصيلا واحدا، وأرى أن الإخوان بدأوا يدركون ما يجب فعله ويفهمون قدر الصلاحيات المفترض أخذها، وهذا الاختلاف سيتم حله سريعا ولن نصل لأزمة فى كتابة الدستور ولن يستمر هذا اللغط حول كتابته.
∎ نوعان من العوار
أما الدكتور أحمد كمال أبوالمجد فيحلل الموقف قائلا: أنا كرجل أفهم بالسياسة أعرف أنه عندما يحدث خلاف بين طرفين أو خصومة نجد كل طرف له جمهوره ولا يرضى أن يظهر ضعيفا أمام هذا الجمهور لأنه يضره سياسيا، فيريد أن يصل لحل «توافقى» مع أن هذه الكلمة مبتدعة وليس لها معنى دقيق ولكن يجب أن يعطى كل طرف إحساس أنه كسبان شىء من التفاوض، أما لو خسر كل شىء فهو طرف أحمق والطرف الثانى أكثر حماقة، وغضبى ولومى الشديد على جميع الأطراف لأن العديد منهم تصرف بعدم مسئولية لينجح أچندته نجاحا كاملا ويخفى الآخر، وذلك غير موجود فى الحياة الواقعية وإلا ستصير كارثة على جميع الأطراف ويندم جميع الأطراف على تحويل القضية الوطنية إلى قضية ثأر، والرأى الذى يرى أننا قد نصل لطريق مسدود وأن الإخوان سيستمرون فى كتابة الدستور هو من الممكن لأن المشكلة فى موقفهم الذى يختفى منه القدر الضرورى من المرونة بل تظهر به المغالبة مما أخرج الجمعية التأسيسية بنوعين من العوار أولهما أنه لا يوجد أى عدد من المختصين دستوريا أو سياسيا.
وثانيهما أن بعض الفئات مثلت تمثيلا ضعيفا أو لم تمثل من الأساس وهو السبب فى انسحاب الأزهر والكنيسة والمحكمة الدستورية، ولكن دعونا نبذل جهدا مسئولا للوصول لحل توافقى فيه تنازلات من الطرفين أولا لنعبر المرحلة الانتقالية والدخول فى وضع دستورى للنظر فيما وراءنا من تصدير واستيراد وخزينة مفلسة، والحل من وجهة نظرى أن نضيف على الوضع القائم ما يتدارك العوارين بإدخال عشرين فقيها ومتخصصا وأشخاص من الفئات التى لم تمثل وسيمثلون لجنة فنية للإعداد والصياغة، بالإضافة إلى الجمعية التأسيسية القائمة فلا يعاد انتخابها، وهذا الحل سيكسب الجميع وأولهم الإخوان أنفسهم حتى ولو لم يدركوا ذلك فسنساعدهم للقيام من عثرتهم وإلا فعليهم مواجهة الشعب وغضبه، فلقد تم «شتيمة» الإخوان الأسبوع الماضى أكثر مما هوجموا وشتموا على مدار 05 سنة مثلا.
وعن دور المجلس العسكرى من كل ذلك يقول الدكتور أبوالمجد: التساؤل عن موقف المجلس العسكرى تساؤل وجيه يوجه له، خاصة إنه هو الذى سيعلن عن الاستفتاء إذا ما تم المضى فى الدستور بالوضع الحالى ولكن نحن لانعلم مقدار الضغوط التى تقع على المجلس العسكرى أو حجم الارتباك أو التطاول عليه، ولكن يجب أن نسأل إذا استمر المجلس العسكرى فى هذا ودعا للاستفتاء على هذا الدستور رغم كل الهجوم على الشكل الحالى للجمعية التأسيسية لماذا رفض الحل الذى قدمناه لتوافق الأطراف كلها؟ ولكن أكيد أن احتمالا قويا أن يتم الأخذ بهذا الحل لكنه يحتاج لطول نفس إلا إذا كانت هناك اتفاقيات أو أچندات لانعلم عنها شيئا ولم نسمع بها وهنا ستصبح «مصيبة ثقيلة».
∎ هل هناك صفقة مع المجلس العسكرى؟؟
تساؤل يطرحه الدكتور مصطفى يونس عميد كلية الحقوق الأسبق جامعة حلوان قائلا: لماذا يسكت المجلس العسكرى ولا يتدخل فى أزمة الجمعية التأسيسية التى يسيطر عليها 06٪ أو 07٪ من فصيل واحد فقط مع أن من صلاحياته وسلطاته القدرة على التدخل وهو من سيدعو للاستفتاء على الدستور؟ هذا سؤال ملح جدا خاصة أن المجلس العسكرى يتدخل فى العديد من المواقف فى المجتمع مثل نقل الرئيس المخلوع إلى سجن طرة مثلا: وعندما يسكت ثم يدعو للاستفتاء فمعناه موافقته على ذلك الوضع.. والسؤال الذى يفرض نفسه: هل هناك صفقة بين المجلس العسكرى والبرلمان؟ فهناك أمور عن عدم المساءلة وميزانية الجيش ممكن أن تكون هى من عناصر تلك الصفقة.. ولماذا يتمسك الإخوان بهذا الموقف، خاصة أن المادة الثانية لا اختلاف عليها وباقية فى الدستور حتى ولو كان حزب النور يريد استبدال كلمة «أحكام» الشريعة «بمبادئ» الشريعة.
∎ الرفض الشعبى
ويضيف الدكتور مصطفى يونس: أعتقد أن الضغط الشعبى هو الذى لن يسمح بهذا الموقف السلبى من كل الطوائف وسيعاد تشكيل اللجنة من جديد خاصة بعد انسحاب الأزهر والكنيسة، أو من الممكن أن يظهر هذا الرفض الشعبى ورفض الرأى العام للاستفتاء إذا لم يخضع الإخوان واستمروا فى كتابة الدستور ولم يتدخل المجلس العسكرى، بل دعا لهذا الاستفتاء والذى بهذا سيوضح أن المجلس العسكرى موافق على ما تم، ففى رأيى أن مشاركة الإخوان كانت يجب ألا تزيد فى لجنة وضع الدستور على 03٪ ولكنهم يريدون أخذ البرلمان والحكومة ومنصب رئيس الجمهورية.
أما الدكتورة فوزية عبدالستار أستاذ القانون بكلية الحقوق بجامعة عين شمس فتقول: تشكيل لجنة وضع الدستور بالصورة التى وضعها أعضاء البرلمان هو تشكيل يتعارض مع الإعلان الدستورى الذى صدر فى 03 مارس 1102 خاصة المادة 06 منه لأنها لم تعط البرلمان إلا الحق فى انتخاب اللجنة، ولكن دخوله فى اللجنة التأسيسية بنسبة 05٪ ليس له سند من النصوص سواء تشريعيا أو دستوريا وأعتبره تشكيلا باطلا، والطريقة المثلى لتشكيل اللجنة هى تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة لجنة بصياغة الدستور باعتباره الجهة التى تدير البلاد ويمثل مجموعة الأعضاء بصفتهم وليس بأشخاصهم وعدد من كبار أساتذة القانون الدستورى فى الجامعات المصرية وكبار المستشارين فى محكمة النقض ورؤساء النقابات والأحزاب ويمثل فى اللجنة المرأة والأقباط تمثيلا مناسبا لنسبتهم فى المجتمع وأيضا تمثيلا لشباب الثورة.
∎ رضا المجلس العسكرى
يرى الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن المشكلة فى السيناريو الثانى الخاص باستمرار الجمعية التأسيسية على شكلها الحالى هو أنه يتوقف على رضا المجلس العسكرى والحكومة فيقول: هذا المشروع للدستور الذى ستضعه الجمعية لا يمكن أن يكون نافذا إلا بطرحه على الاستفتاء، وتنظيم هذا الاستفتاء مهمة الحكومة، ولابد أن يوافق المجلس العسكرى على قيام الجمعية التأسيسية بهذا التشكيل بوضع الدستور، ولو وافق عليه سوف يأمر الحكومة بإقامة الاستفتاء وإذا لم يوافق يمكنه أن يطالب الجمعية بإعادة النظر فى مشروع الدستور، وفى هذه الحالة لابد للجمعية أن تعيد النظر أو تصر على موقفها، ووقتها سيكون الاستفتاء غير محتمل الحدوث، وأعتقد أنه بعد انسحاب عدد مهم من الأعضاء من الجمعية التأسيسية ستتجنب الجمعية القضايا الخلافية لتتحاشى أى ردود أفعال غاضبة من جانب المجلس العسكرى وباقى القوى السياسية مثل بقاء المادة الثانية من الدستور وأعتقد أنه لم يتدخل للآن المجلس العسكرى لأنه لا توجد خلافات من حيث المضمون بين المجلس والجمعية التأسيسية، فرغم كل شىء هناك جوانب اتفاق واختلاف بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين، هناك توافق بينهما، ومن ثم لا أعتقد أن هناك صراعا حقيقيا بينهما.