عندما صرخ المهردار صرخته المعتادة معلنا عن وصول مولانا الذى هو محدثكم - وجدتنى فجأة أجرى فزعا عائداً إلى السيارة ولولا أن اثنين من مريدى حملانى وأجلسانى مؤكدين أن صرخة المهردار ليس لها علاقة بعودة النظام البائد وأنه لا مخبرين يقفشون فى الناس كما ظننت وأنى لست على رأس قائمة المطلوبين كما وهمت.. عندها فقط هدأت نفسى واستجمعت رباطة جأشى. فأسندت عصاى وتربعت على مقعدى فاتحا دفتر مختصر تاريخ المحروسة لأقرأ منه على أهلها ما تيسر لعل فيه حل لأمرها الذى تعثر، إلى أن أومأ لى كاتبى بأن الناس قد أتعبوه بالسؤال قبل مجيئى عمن سيرشح مولانا ومن سينتخب مولانا وأن هذا الأمر قد صار هاجسهم وأنهم ارتأوا أن الحل عند مولانا حيث إن التاريخ الذى يحدث به هو فى أصله علم ما سيكون بما قد كان.. وأن مولانا عنده نفحة من الغيب وأنه يعلم كل مرشح وما به من عيب، فطلبوا من كاتبى أن يطلب منى أن أصف لهم صفة المرشح الذى سيخرجهم من عتمة ليل المحروسة إلى نور صباحها، وأن أكشف لهم عن اسمه وهيئته ورسمه وألح القوم فى الطلب، فقلت اعلموا أن للكلام نشراً وطياً فإذا تم نشره علم طيه.
وأنى محدثكم برسمه وهيئته بكناية تعرفونها وصفات تفهمونها فمن ظن منكم أنه يروم جوادا لا يبخل وصدوقاً لا يكذب ووفياَ لا يغدر وحليماً لا يعجل وعدلاً لا يظلم فقد شط فى الطلب وما بلغ لعمرى فى مبتغاه الأرب، ومن كان طلبه عن الصفات الآنفة والهيئات السالفة فليبحث عنها فى سماء الأرض لا فى بسيطتها ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله.. اعلموا أن لمرشحيكم من الألوان الثلاثة ومن الأقسام مثلها، فأما الغابرون ممن نفضوا عنهم تراب الأمس القريب، وتعطروا بعطر ثورتكم وتلونوا بألوانها فلا خير فيهم يرتجى، لايد لهم عليكم فتشكرونها، ولاهمة لهم تمتدحونها، هم كمسلمة الفتح لم يؤمنوا حتى رأوا الحق فوق رءوسهم والرايات فى ساحات دورهم ومن شارك ظالمنا الأمس بصمته فلا يليق أن يرفع لنا اليوم صوته، وهو مع اشتعال قلبه غيظا من الثورة فإن له على ركوب الأمواج قدرة، فلا تصدقوه إن ادعى كراهية للبائدين وإن أقسم بأغلظ الأيمان فصمته حين البأس برهان ويمينه عليه بيان.
فمتى رأيتم فى مرشحكم هذا فانصرفوا عنه وهذا النوع ممن لا يخفى عليكم اسمه ولا يغيب عن أذهانكم بالأمس رسمه وأما القسم الثانى فهم المتثورون أساليبهم مستنفدة وحريتهم مستوردة مليوناتهم فى البنوك وان دعوا لها فى الميادين لهم أصوات عالية وبزات غالية بين حناجرهم تكمن خناجرهم فإذا رأيتم هذا الصنف فانصرفوا عنه غير باكين هم محمول بغير شحن وجعجعة بلا طحن فلا خير فيهم للبلاد ولا للعباد.. فمن بقى؟
بقى أهلها وعدة أمرها فمن عاقبه ظالم الأمس بالحبس حق له أن يكون اليوم على الرأس هذا قضاء حقكم وإجابة مسألتكم.. ذهب من الليل أغلبه وبانت تباشير الفجر فقوموا عنى وخلونى لخلوتى رحمكم الله.