التعليم كان.. أهم أسباب الحراك الاجتماعي في مصر في أغلب سنوات القرن العشرين، ومنذ 30 عاماً أصبح التعليم عبئاً بلا عائد لدي الأسرة المصرية والاقتصاد المصري أيضاً، فالمؤسسات التعليمية تضخ 800 ألف شاب وفتاة في سوق العمل سنوياً، أغلبهم بلا مواهب أو إمكانيات حقيقية تؤهلهم لانتزاع مقعد دائم ومستقر في سوق العمل بسبب منهج الحفظ والتلقين، الذي أفرز في النهاية مواطنا سلبيا، غير مبادر.. ينتظر أوامر..!! وتحول التعليم من فرصة للحراك الاجتماعي إلي أعلي.. إلي عجز، والمفروض أن هذه الأجيال هي التي ستقود عملية التنمية، ولكن لا توجد تنمية حقيقية بدون كوادر قادرة علي التفكير والإبداع والتحليل والعمل الجماعي وقبول الآخر، لهذا فالتنمية تحتاج لنظرة جديدة وتعليم جيد، لأن التعليم هو مفتاح التنمية، والمستقبل يبدأ بإصلاح التعليم، فالنهضة التي تشهدها ماليزيا حاليا أساسها التعليم، وهو المشروع الأساسي الذي نفذه مهاتير محمد هناك منذ مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، وعندما قام التعليم بتفريخ أجيال متتالية لأكثر من ربع قرن قادرة علي التفكير والإبداع والابتكار، انتعشت كل القطاعات في ماليزيا وخاصة الاقتصاد، فالمصانع تجد كوادر قادرة علي العمل والإبداع. لهذا نحن نحتاج لرؤية جديدة ننظر من خلالها للمستقبل، يدرك القطاع الخاص خلالها دوره الحقيقي ومسئوليته الاجتماعية تجاه المجتمع ودعم المؤسسات التعليمية لتطوير التعليم وهو المستفيد الأول من التطوير وتخريج كوادر مدربة متعلمة جيداً، وأيضاً مستفيد من استقرار المجتمع، نحتاج بقوة لترسيخ مفهوم المسئولية المجتمعية لرجال الأعمال والقطاع الخاص الذي يقود حالياً 80% من الاقتصاد المصري، حيث مازال البعض يطبق مبدأ اخطف واجري، لهذا مصر اليوم في أشد الاحتياج لرأسمالية ذات قلب حنون علي المجتمع، تتفاعل وتتكامل معه لأن الاستقرار يعود بالفائدة علي التعليم، والدولة أخلت الساحة للقطاع الخاص لقيادة الاقتصاد، وعليه أن يتولي مسئوليته كاملة ويعي أهمية البعد الاجتماعي لحماية إنجازاته ومصانعه وشركاته وأمواله، وليكن التعليم علي رأس أولويات المسئولية المجتمعية من أجل مستقبل أفضل، ولكن السؤال هل يدرك القطاع الخاص المصري فعلاً حقيقة دوره الاجتماعي، الإجابة قلة قليلة تدرك أهمية هذا الدور، والأغلبية خاصة الكبار منهم يتدللون علي الحكومة، ويمارسون ضغوطاً كبيرة للحصول علي المزيد باستخدام جميع الأوراق، كثيرون دخلوا البرلمان وملأوا اللجان التي تساهم في رسم السياسات الاقتصادية المصرية لفرض المزيد من الضغوط وحلب البقرة إلي آخر نفس، وهنا مكمن الخطورة لأن هذا المناخ يولد الفساد والتذمر بين شرائح المجتمع، وهذا التذمر يخرج في عنف متبادل في الشارع أو في ملاعب الكرة أو في صورة صدامات طائفية.. إلخ ومن هنا تتضح ضرورة خلق وعي اجتماعي جديد وفتح قنوات بين قطاع الأعمال ورجاله مع المجتمع المدني لحل مشاكل المجتمع من فقر وبطالة وصحة وتعليم من أجل المستقبل، والمستقبل يحتاج لمجهود شاق من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والسلام الاجتماعي، فهل ندرك قبل أن يتسرب المستقبل من بين أيدينا!!