إرجاء الجلسة العامة ل«النواب» لإعلان برنامج الحكومة نصف ساعة    محافظ أسيوط يستقبل الأنبا «بيسنتي» والأنبا «ثاؤفيلس» بعد تسلم مهامه    وفد رفيع المستوى من التعليم العالي والجامعات المصرية يزور الجامعات الألمانية    شيخ الأزهر لسفراء الدول العربية والإسلامية بتايلاند : عليكم مسؤولية كبيرة في فضح الانتهاكات التي يتعرَّض لها أبناء غزة    انخفاض الدواجن وارتفاع الحديد وثبات البنزين..خريطة أسعار السلع اليوم الاثنين 8-7-2024    محافظ أسوان: الاهتمام بالمواطن وتسخير الإمكانيات لتلبية مطالبه من أولويات الدولة    النائب أمين مسعود: المصريون يأملون الكثير من الحكومة الجديدة في ملف الإسكان    قطع المياه عن مركزي مغاغة والعدوة والقرى التابعة لهما.. تعرف على السبب    الأمم المتحدة: تدهور الوضع الإنسانى فى أوكرانيا وتعطل إمدادات الطاقة والمياه    رئيس وزراء فرنسا يتوجه إلى قصر الإليزيه لتقديم استقالته رسميا لماكرون    تراجع عدد النساء المنتخبات داخل البرلمان الفرنسى    «الأسرع في البطولة».. مبابي يسجل رقمًا قياسيًا ب «يورو 2024»    مودرن سبورت يعلن الامتناع عن أي أحاديث إعلامية حول أحمد رفعت انتظارا للتحقيقات    «اللي إيده في الميه».. رد مثير من عضو اتحاد الكرة بشأن طلب إلغاء الدوري    «بيخطفوا التليفونات».. ضبط 6 لصوص بالقاهرة    تزامنا مع الموجة الحارة.. ارتفاع نسبة إشغال شواطئ الإسكندرية إلى 80%    حبس السائق المتسبب فى سقوط سيارة بالنيل فى المعادى    المنيا: ندب الطب الشرعي لتشريح جثة خمسيني عثر عليه في حالة تعفن في سمالوط    بلاغ للنائب العام ضد حسام حبيب لنشره فيديو لشيرين عبدالوهاب داخل شقته    علاء عابد ل"اكسترا نيوز": ملف النقل شهد نقلة كبيرة فى عهد الرئيس السيسى    وزير الصحة يصدر قرارا بشأن صرف العلاج المجانى للمترددين على العيادات الخارجية    «مجاور» يتفقد المخازن اللوجستية بالعريش ويؤكد: سنعمل على ملف المساعدات طبقًا لتوجيهات القيادة السياسية    مستشار رئيس وزراء المجر: زيارة أوربان لروسيا وأوكرانيا كانت لبحث إمكانية وقف إطلاق النار    بورصة الكويت تغلق تعاملاتها على ارتفاع مؤشرها العام 68.46 نقطة    رابط نتيجة تنسيق رياض الأطفال بالرقم القومي 2024 محافظة الإسكندرية    7 نقاط تلخص التعاون ببن مبادرة «ابدأ» والوكالة الأمريكية للتنمية    محمود فوزي: الحكومة ستحضر بكامل تشكيلها لعرض الملامح العامة لبرنامجها    «لا تحزن إن الله معنا».. موضوع خطبة الجمعة القادمة    مهرجان العلمين يبهر الزوار.. اقتراب الحدث الترفيهي الأكبر بالعالم العربي (فيديو)    حزب الله يعلن مقتل أحد عناصره فى غارات إسرائيلية على بلدة القليلة جنوب لبنان    غداً.. مكتبة الإسكندرية تناقش مستقبل التعليم في عصر الثورة الرقمية    وزير الإسكان: المشروعات القومية وراء تزايد أنشطة القطاع العقاري السنوات السابقة    وزير الصحة يعقد اجتماعا لمناقشة مشروع التطوير المؤسسي للوزارة بالتعاون مع «الصحة العالمية»    الكشف على 1385 حالة في قافلة طبية مجانية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    أشرف عقبة: يجب التخلي عن الرغبة في الحصول على المناعة القوية.. «نريدها متوازنة»    القبض على عاطلين سرقا مشغولات ذهبية من داخل مسكن بالسلام    لطلاب الشهادة الإعدادية 2024.. شروط الالتحاق بمدرسة المتفوقين بعين شمس    روما يحسم أولي صفقاته الصيفية    لمواليد برج الدلو.. ماذا يخبئ شهر يوليو لمفكر الأبراج الهوائية 2024 ؟ (التفاصيل)    وزير الرياضة يكشف آخر مستجدات التحقيق في أزمة أحمد رفعت    مصر تتأهل للدور قبل النهائي فى بطولة الأهرامات الدولية للمكفوفين    الجارديان: إسرائيل متهمة بمحاولة تقويض اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة    السيسي يشهد عددا من الأنشطة والتدريبات الرياضية بالأكاديمية العسكرية    كامل الوزير: حان الوقت لإزالة كافة التحديات والمعوقات التي تواجه توطين صناعة السيارات    تنسيق الجامعات 2024، كل ما تريد معرفته عن كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة حلوان    طارق الشناوي يكشف تطورات صادمة عن أزمة شيرين عبدالوهاب: تتعرض لعنف وسادية    28.6 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم جوازة توكسيك في 5 أيام عرض (تفاصيل)    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية رشوة وزارة التموين ل 5 سبتمبر    عقب قصف مدرسة للنازحين.. الكويت تطالب بمحاسبة الاحتلال على جرائمه في غزة    مواجهة جديدة بين الأرجنتين وكندا في كوبا أمريكا 2024    ضوابط توزيع درجات الرأفة على طلاب الثانوية الأزهرية 2024    "توافر".. تفاصيل خدمة رسمية لتوفير الأدوية الناقصة (رابط وبيانات)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8-7-2024 في المنيا    احتفالات الأطفال بالعام الهجري الجديد.. «طلع البدرُ علينا»    الأزهر العالمي للفتوى يوضح 4 فضائل لشهر المحرم.. «صيامه يلي رمضان»    خبير تحكيمي يوضح مدى صحة ركلتي جزاء الزمالك أمام الإسماعيلي في الدوري    دعاء في جوف الليل: اللهم يا صاحب كل غريب اجعل لنا من أمورنا فرجًا ومخرجًا    هل العمل في شركات السجائر حرام؟ مبروك عطية يجيب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلمان تيسير.. دفع حياته ثمنا لتسامحه

يبدو أن المشتركات القليلة ما بين الهند وباكستان من تلك الناجمة عن جذور البلدين والشعبين التاريخية والثقافية والاجتماعية الواحدة، قد أضيف إليها الآن مشترك جديد هو تصفية الرموز السياسية بالطريقة ذاتها، فما حدث في الرابع من شهر يناير الجاري في باكستان، حينما تمت تصفية «سلمان تيسير» حاكم إقليم البنجاب «منذ عام 2008» والعنصر القيادي البارز في حزب الشعب الباكستاني الذي يترأس الائتلاف الحاكم في إسلام آباد، بدم بارد علي يد حارسه الشخصي «مالك ممتاز قدري» بإطلاق الأخير تسع رصاصات «من أصل 29 رصاصة داخل سلاحه الآلي» علي المجني عليه في منطقة الصدر والرقبة، يذكرنا بما حدث في أكتوبر من عام 1984 حينما قام اثنان من الحراس الشخصيين لرئيسة الحكومة الهندية الأسبق السيدة أنديرا غاندي من طائفة السيخ «ساتوان سينغ وبين سينغ» باغتيالها داخل حديقة منزلها.
بل إن الدوافع - رغم بعض الاختلافات- والأصول العرقية للجناة تكاد أن تكون متشابهة أيضا، فالسيدة غاندي دفعت حياتها ثمنا لقرارها الحازم بالتصدي للانفصاليين السيخ «في ولاية البنجاب الهندية» الذين كانوا يسعون وقتذاك إلي تأسيس «جمهورية خالستان» وذلك حينما أمرت الجيش الهندي باقتحام قدس أقداسهم وهو معبد «أمريستار» الذهبي وبالمثل دفع تيسير حياته ثمنا لتبنيه موقفًا مضادًا لحركة طالبان الأفغانية وأشياعها من الميليشيات والتنظيمات الباكستانية المتشددة الساعية إلي ضرب وحدة باكستان وتوتير علاقاتها مع دول الجوار ونشر المزيد من الفوضي والاحتقانات المذهبية البغيضة في هذه البلاد المنكوبة بألف علة وعلة، هذا ناهيك عن تسامح الرجل الذي تجسد بأروع صورة في دفاعه عن «آسيا بيبي» وهي امرأة باكستانية مسيحية اتهمت في وقت سابق من العام الماضي بازدراء الأديان، ثم تجسد لاحقًا في حمله للواء المعارضة والتنديد الشديد بالقانون المثير للجدل والمتعلق بالتجديف، بل المطالبة بإدخال تعديلات جوهرية عليه.
وتأتي أهمية حادثة مقتل تيسير «66 عامًا» ليس فقط من كون الرجل أحد أكثر الأصوات المعتدلة في بلاده، وأحد أكثر قادة «حزب الشعب الباكستاني» كاريزما وعصامية «صنع ثروته من عمله في مجال المحاسبة قبل أن يؤسس شركات استشارية وأخري عاملة في مجالي البورصة والاستثمار العقاري» وأحد أكثر ساسة باكستان جرأة في اتخاذ المواقف الصريحة حيال أعمال التمييز والتجاوزات، وإنما أيضا مما يشكله رحيله من خسارة لأقليم البنجاب الذي يعتبر سلة الغذاء للبلاد «بسبب جريان أنهار البلاد الخمسة الرئيسية وفروعها في أراضيه» والأقليم الأكثر كثافة لجهة السكان «يعيش فيه أكثر من نصف العدد الإجمالي للسكان»، والأعظم لجهة الأهمية الجيوسياسية «يمتد علي طول الحدود الغربية للهند، ويحتضن ثاني أهم المدن الباكستانية وهي لاهور»، والأقل لجهة التنوع الديني «حيث لا يسكنه من أتباع الديانات الهندوسية والمسيحية والبوذية والمجوسية سوي نسبة قليلة مقارنة بالأقاليم الباكستانية الأخري، والأبرز لجهة تزويد مؤسسة الجيش النافذة بكوادرها ومنتسبيها «نصف إجمالي عدد عناصر الجيش والأمن والمخابرات ينحدون منه».
ومثلما جاءت عملية اغتيال السيدة غاندي في وقت عصيب، كانت فيه الهند تشهد اضطرابات داخلية وأزمة سياسية تهدد وحدتها ونظامها الديمقراطي، فإن اغتيال تيسير جاء هو الآخر في ظروف مشابهة بالنسبة لباكستان وربما أكثر مدعاة للخوف والقلق.
فالحكومة الباكستانية الحالية بقيادة رئيس الوزراء سيد يوسف رضا جيلاني» لا تخوض فقط حربًا صعبة في إقاليمها الشمالية الغربية، وسط تذمر من رموز ومنتسبي مؤسسة الجيش، ولوم وتقريع من حليفها الاستراتيجي الأول أي الولايات المتحدة الأمريكية، وتصاعد للاحتقانات المذهبية بين الغالبية السنية والأقلية الشيعية، وتنديد من طهران لما يقال عن تسترها علي حركة «جند الله» السنية البلوشية وتنديد آخر من كابول لسياستها المتساهلة مع عناصر حركة طالبان وتنظيم القاعدة، ومصاعب اقتصادية جمة كنتيجة لهروب الاستثمارات، علاوة علي تداعيات كارثة الفيضانات المدمرة في عام 2010، وإنما فوق هذا كله تواجه حكومة «جيلاني» الائتلافية احتمالات السقوط بسبب عدم امتلاكها الآن للأغلبية البرلمانية «172 مقعدًا» بعدما قرر حزب «الحركة الانسحاب من الائتلاف الحاكم، كما تواجه ضغوطًا لتقديم استقالتها من شريكه السابق حزب «جمعية علماء الإسلام» الذي له ثمانية مقاعد في المجلس الوطني، ومن حزبي المعارضة الرئيسيين ممثلين في «الرابطة الإسلامية- جناح نواز» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق «نواز شريف» «له 91 مقعدًا»، و«الرابطة الإسلامية - جناح قائد أعظم» بزعامة «تشودري شجاعت حسن» له 50 مقعدًا.
إن اغتيال تيسير يؤكد مجددًا تنامي النزعة الدموية المتشددة في المجتمع الباكستاني، وهذه النزعة لئن كانت أحد تداعيات «ثقافة الكلاشينكوف» التي وطدت أقدامها في باكستان في سنوات الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، بفضل تشجيع ومباركة ودعم نظام الرئيس الأسبق الجنرال ضياء الحق «1977-1988» وحلفائه فحصدت أرواح الآلاف من الأبرياء، فإنها في صورتها الحالية قد تجاوزت كل الحدود، وباتت تشكل منحي مرضيا يصعب علاجه، أو حالة من التحوش والانسلاخ عن العقل.
وإذا كان المدعو «ممتاز قدري» هو الذي سفك دم تيسير مباشرة، فإن القتلة غير المباشرين كثر وأكثر من أن يحصوا ذلك أنه خلال السنوات الثلاث الماضية لم يضع اليمين الباكستاني المتطرف بالتحالف مع قوي الإسلام السياسي المتشددة أدني فرصة للتحريض ضد تيسير، وتلطيخ سمعته والتشهير به، تارة عبر الإشارة إلي علاقاته الشخصية المتينة مع زعيم باكستاني العسكري السابق الجنرال «برويز مشرف» الذي عينه كحاكم للبنجاب، وتارة أخري عبر التنقيب في سيرته الشخصية، مع إبراز حقيقة أصول والدته الألمانية، والتوقف مليا عند اقترانه بحسناء سيخية من نجوم التليفزيون الهندي، ومرارًا عبر التذكير بعلمانيته من أجل تأليب البسطاء والعامة ضده، علي اعتبار أن العلمانية كفر وإلحاد، أي علي النحو الذي فعله ويفعله رجال الدين وأئمة الجوامع في أوطاننا العربية ضد كل من لا يلتقون معه فكريا.
باحث ومحاضر أكاديمي
في الشأن الآسيوي من البحرين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.