أعادتها معاناة وطنها العراق إلي الكتابة والإبداع مرة أخري، بعدما كانت قد توقفت لسنين طويلة عنها لانشغالها بالدراسة وممارسة الطب، لتصدر الشاعرة هناء القاضي الحاصلة علي درجة الماجستير في طب فسيولوجيا الأعصاب، بالاشتراك مع القاص والروائي الفلسطيني غريب عسقلاني، كتابها الذي حمل الجزء الأول منه عنوان "الأميرة والنورس" والجزء الثاني "سبع حالات للوردة"، بعد إصدارها ديوانها الأول بعنوان "سيدي البعيد" بجزءيه عن دار "شمس" أوائل العام 2009، وديوانها الثاني "كم ساذج أنت" في 2010 عن نفس الدار. روزاليوسف التقت بالشاعرة هناء القاضي علي هامش مؤتمر الرواية الماضي وكان هذا الحوار: كيف دخلت عالم الشعر وكيف استطعت تحميله آمالك وآلامك وأحلامك؟ - في مرحلة دراستي الإعدادية بدأت أنجذب للغة العربية والشعر، في سن الثالثة عشرة وقع بين يدي ديوان لنزار قباني، فبدأت أقرأه بشغف، ومن ثم تملكني ولع بأشعاره، وأعقبتها محاولات أولية في كتابة النثر والشعر، والقصة أحيانا. توقفت لسنين طويلة عن الكتابة لانشغالي بالطب والدراسة وكذلك حياتي العائلية. بعد سقوط بغداد ومغادرتي للوطن، عاد لي الحنين للكتابة وترجمت في أشعاري الغربة وحياة المنافي والوحدة بعيدا عن عالم جميل كان يوما هو كل ما أملك. "الأميرة والنورس" هو عنوان الجزء الأول لكتابك، لماذا اخترت هذا العنوان؟ - لقد توافقت علي العنوان مع شريكي في كتابة النصوص القاص والروائي الفلسطيني غريب عسقلاني، وهو يعكس مضامين ومناخات النصوص ذات البنية الأسطورية، التي تحمل سمات عوالمنا المتشابكة في منافينا القسرية، وإحساسنا العميق باغترابنا عن آمالنا وطموحاتنا.. فلا عادت الأميرة أميرة، ولا عاد النورس الذي يملك فضاء عشقه..وقد كان الجزء الأول علي غرار "ألف ليلة وليلة"، لكن في الجزء الثاني "سبع حالات للوردة" تختلف النصوص في فحواها، وتميل أكثر إلي الوقت الحاضر. ما الذي جمع بينك وبين الروائي الفلسطيني غريب عسقلاني لتتشاركا في كتاب واحد؟ - كلانا يعيش غربته، فهو الفلسطيني الذي أبعد عن مسقط رأسه إثر نكبة فلسطين الأولي، ليعيش المنفي داخل أحد مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، ومدينته عسقلان علي مرمي النظر، وما زال يحاول الوصول ولا وصول.. وأنا التي تعاني الغربة القسرية بفعل ما طرأ علي عراقي الحبيب، وما يهاجسني من كوابيس وأحلام استعادة ذاتي باستعادة العراق الذي كان وكنته. باختصار مناخ الغربة والفقد هو ما حرك كيمياء سحرية وغامضة، أخذتنا إلي عزف مشترك ومتكامل، أعدنا من خلاله حالتنا وظفرنا جديلة من السرد والشعر في كيان جديد اختار شكله الفني!! هل يمكن اعتبار "الأميرة والنورس" نصا مفتوحا خارجا عن التصنيفات الأدبية؟ - في تقديري أن النص المفتوح ما زال عصيا علي التوصيف، وعليه فهو بيئة رحبة وخصبة للتجريب واختبار القدرات وتقديم المبادرات، وما نقدمه أنا وغريب عسقلاني هو نص مفتوح علي فنون الشعر والسرد القصصي والروائي، يستفيد المسرح والحكاية الشعبية والأسطورة والكتابة البصرية. كيف تؤثر الحرب في الأنثي خاصة المبدعة؟ - الحرب تدمر الحياة والموجودات، وتخلف حالة من الوحشة والخوف والذعر والهروب من الموت إلي الموت تحت سطوة حب البقاء، وقد زرعت الحرب في كامرأة شعور الخوف من الجفاف، والحرمان من اللهفة والعشق والاستمرار في التواصل البيولوجي، وهو ما يعني الاحتضار طويل الأمد، وعلي المستوي الأدبي، أطلقت الحرب العنان للمخيلة، لترتيب ما بعثرته، وجمع ما تستطيع من أشلاء الحياة ونثار النفس. كشاعرة هل تجدين اهتمامك بالوطن هو نفس اهتمامات السياسيين؟ - الشاعر معذب بعذاب الوطن الساكن حتي النخاع وعلي مدار الوقت، أما السياسي يعتبر الانشغال بالوطن وظيفته اليومية يعمل فيها عقله ما استطاع سبيلا، وعليه أجد الوطن عند الشاعر هو الأنقي والأطهر والمجلل بالبهاء، ولا يقبل بالممكن المتاح الذي ربما ينحني أمامه السياسي لأكثر من سبب، الشاعر يحمل وطنه ويموت ليحيا الوطن، والسياسي يعمل جاهدًا لإنقاذ الوطن من الموات.. علاقة جدلية ظاهرها التكامل وباطنها الألم ولكل وسيلته. من الأول لديك الشاعرة أم الطبيبة؟ - ليس هناك من تعارض بين المهنة والشعر، الطبيب المحايد يعرف حدود الألم المصاحب للمرض أما الطبيب الشاعر فيكون أكثر إحساسا بالآم المريض ولعلنا نذكر في هذا المقام الدكتور ابراهيم ناجي الطبيب إمام الرومانسيين والدكتور عبد السلام العجيلي الشاعر ورائد القصة القصيرة في سوريا والدكتور يوسف إدريس والدكتور محمد المنسي قنديل والقائمة تطول. برأيك .. هل استطاع جيل الشباب العراقيين امتلاك زمام المبادرة الإبداعية والثقافية بما يتناسب وإنجاز جيل الستينيات والسبعينيات العراقيين؟ - في العراق شعراء بعدد نخيله، لكن تشظي الحالة أخذ الكثير من فسائل الشعر إلي المنافي وحرمهم من رطب العراق وعسله، فانشغلوا بالهموم اليومية والحفاظ علي الذات لفترة، ولكنهم نهضوا إلي القصيدة بكافة التوجهات، وكما نلاحظ هناك فيض لافت من الشعر العراقي النازف حنينا، والراغب نحو التجديد والإضافة، ولعل الباحث المتتبع يدرك ذلك ويقدر ملامح الزخم الجديد لشعراء يسيرون إلي مراكزهم بثقة علي خارطة الشعر العربي.