نفتقد لهيبة الدولة في بعض شوارعنا، خاصة في وسط العاصمة، حيث يفترش الجائلون أرصفة الشوارع بل تمتد معروضاتهم إلي عرض الشارع وتتحدي تلك المجموعات الغزيرة العدد والكثيرة المعروضات وأصنافها ومنشئها، حيث يقف القانون أمام تلك الظاهرة، خاجلا ً، من عدم تطبيقه وهذا يقودني إلي ظاهرة السفالة والبلطجة التي تعرض لها كثير من كتابنا وأدبائنا وعلي رأسهم المرحوم الأديب نجيب محفوظ، حيث البلطجي أو الفتوة المحاط بمريديه " ومرتزقيه " وعصابته، يفرض سيطرته وسلطانه علي كل كائن حي في المنطقة التي يسودها " الفتوات " زمان كانوا يتميزون (بالمرجلة) وبصفات المحارب، حيث يأخذ الفتوة منصبة (بذراعه وعصاه) وليس بقلة الأدب !! ومع ذلك فإن الحروب التي كانت تقوم بين فتوات الأحياء، مثل حرب فتوة الحسينية ضد فتوة الجمالية شيء يشبه الحروب الأهلية، إلا أن الإنتصار كان دائماً لصاحب السطوة، وكانت الهدنة تتم علي ما يقدمة العقلاء من حكماء المنطقة للفتوات المتنازعين من أفكار وإتاوات زيادة وتقسيم جديد لمناطق النفوذ حتي يستتب الأمن والسلام في الحي . ولقد استطاعت المحروسة بعد حكم "المماليك" أن تتخلص نسبياً من هذه القوي الغاشمة (الفتوات) ليحل محلها (التمن) أو نقطة الشرطة، حيث قسمت القاهرة إلي ثماني مناطق إدارية وكل ربع في هذا التقسيم يوجد به قسم بوليس تتبعة نقطة (تمن)! وفي بداية انتشار الشرطة كانت الاستعانة بالفتوة أمراً لازماً وحيوياً، حتي تم الإستغناء عنهم رسمياً، واستمرت ثقافة "الفتونة والبلطجة" منتشرة في بعض أحيائنا الشعبية بصورة غير رسمية، ولكنها مازالت حتي الآن تلقي بظلالها علي المجتمع، ولعل "البلطجة" قد تطورت مع الزمن ومع التكنولوجيا الحديثة حيث إنتشرت وتعددت مظاهرها القبيحة دون خجل، ودون " خشي " !! فنري "بلطجية" علي صفحات بعض الجرائد وخروجًا عن اللياقة وعن الآداب العامة، وتحولت العصي في يد البلطجي (الفتوة) إلي (قلم) يذبح ويقطع ويتعرض للأعراض وللشرف بغية الابتزاز والتكسب من خلال حملات ظالمة دون سند من الحقيقة، ورغم أن القانون المصري قد طور من أدواته، بحيث شرع المشرع مواد تعاقب علي (السب والقذف)، إلا أن هناك التفافات كثيرة تحدث حول القانون لتحول دون وقوع الجريمة، ومانري من بعض السفلة علي شاشات التليفزيون والفضائيات، حيث أصبح كل شئ مباحًا تحت إسم الحرية، وحرية الرد وكفالة التعقيب وكلها (شرشحه)، (وقلة أدب) وتهجم بالألفاظ والاتهامات والسباب، شيء أصبح لا يمكن احتماله، بالضبط مثل التعدي علي شوارع العاصمة، وعدم الانصياع لقرارات إدارية لإغلاق المحلات وفتحها في مواعيد محددة والاقتداء بالعواصم العالمية المحترمة، ولكن إيضاً "بالبلطجة" تقف الحكومة مكتوفة الأيدي دون التجرؤ علي إتخاذ قرار لتطبيق القواعد والقوانين والسهر علي تنفيذها بدقة . إن ظاهرة "السفالة والبلطجة " في المجتمع أثبتت هذه الأيام عنوانها ومحل إقامتها وأنه ليس فقط في عشوائيات المدينة، يعيش هؤلاء الخارجون عن القانون، بل العكس تثبت الظاهرة أن الأخطر هم هؤلاء البلطجية من سكان الفيلات والقصور والفضائيات!!