أدي التفاعل بين جيل السبعينيات السلفي وأفراد التنظيم الخاص برؤيتهم المحافظة إلي نشوء ما يمكن تسميته بالأرثوذكسية الجديدة (المصطلح يعني أصحاب الطريق المستقيم) وهي المرحلة الحالية والأخيرة لتطور السلفية وسيطرتها علي تنظيم الجماعة.. تجلي ذلك خلال برنامج الجماعة السياسي المتشدد الذي طرحته عام 2007 إضافة الي آرائها في مسائل مثل النقاب والموقف من الشيعة، وهي قضايا لم تكن محل اهتمام الجماعة في السابق.. هكذا يلخص الباحث حسام تمام المتخصص في شئون الحركات الإسلامية الواقع الحالي لجماعة الإخوان المحظورة، في كتابه الصادر مؤخرا تحت عنوان "تسلف الإخوان". يرصد الباحث تآكل الأطروحة الإخوانية وهيمنة الفكرة السلفية المحافظة علي الرؤية الحالية للجماعة، ويخالف التصور القائل بأن الرؤية المحافظة التي سيطرت علي الجماعة ظهرت مع ما سمي بانتخابات مكتب الإرشاد في نهاية 2009 مرجعا ذلك إلي حقبة الخمسينيات التي شهدت الحملة الناصريه ضد الجماعة ولم يجد اعضاؤها مفراً سوي الهجرة إلي دول الخليج حيث معقل الفكر السلفي ومع عودة رؤوس الجماعة في سبعينيات القرن الماضي محملين بالفكر السلفي وبفائض مادي ضخم يمكنهم من نشر هذا التوجه وهو ما أطلق عليه تمام " تسلف هادئ". تسلف الجماعة لم يتم علي دفعة واحدة، بل سار في خطوات حيث حاول من هاجر من رموزهم الي الخليج التواجد من خلال نشاط ديني تمثل في طباعة كتب إسلامية ذات صبغة سلفية مثل كتب ابن تيمية وابن القيم.. أما "التسلف المتسارع" فهو العنوان الذي أطلقه تمام علي المرحلة الثانية في سياق تحول الجماعة الي السلفية المحافظة في السبعينات، حينما توسعت انشطة الجماعة الاقتصادية في مصر والسعودية وفي مقدمتهم المرشد السابق مهدي عاكف الذي شارك فيما عرف "الندوة العالمية للشباب الاسلامي" وهي المؤسسة ذات المزاج السلفي، وتوفيق الشاوي وكمال الهلباوي وعبد الستار فتح الله سعيد وأحمد العسال. أسفر دخول مصر في حلقة العنف الذي تبنته الجماعة الإسلامية الي ظهور تيار قطبي مزدوج -كما يشير المؤلف- الأول ظهر داخل التنظيم بعد قتل سيد قطب فقاموا بمراجعة فكر الجماعة وفق التصور القطبي وابرز ممثليه احمد عبد المجيد عبد السميع وعبد المجيد الشاذلي، أما التيار الثاني فاقتنع بفكر قطب الانعزالي لكن ظل خاضعا لسيطرة الجماعة رافضا الخروج منها وابرز ممثليه جمعة أمين عبد العزيز وصبري عرفة الكومي، وهكذا استقرت السلفية المحافظة في فكر الجماعة. أعقبت فترة السبعينيات مرحلة كمون في الثمانينيات نتيجة المتغيرات الاقليمية والدولية وبروز مشايخ مثل الشعراوي وكشك والغزالي وغيرهم، الأمر الذي تراجعت معه الفكرة السلفية داخل الجماعة لكن مرحلة الكمون سرعان تنتهي في التسعينيات مع مناخ الديمقراطية الذي شهدته مصر، وسرعان ما تحركت القواعد الاخوانية المعبأة سلفيا لنشر هذا التوجه المحافظ بين أفراد المجتمع، ومن بين أبرز الأسماء التي اسهمت في ذلك محمد حسين عيسي القيادي الاخواني في الإسكندرية وجمال عبد الهادي، ثم نشأ ما عرف باسم سلفية الاسكندرية التي مدت الرافد السلفي الإخواني علي استقامته واستتبعه ظهور إخوان سلفيين مثل صفوت حجازي وراغب السرجاني وحازم صلاح أبوإسماعيل مرشح الجماعة في دائرة الدقي عام 2005 م . بروز أسماء ذات عقلية سلفية مثل محمود غزلان وجمعة أمين واختيار محمد بديع مرشداً واستبعاد أسماء مثل عبد المنعم أبوالفتوح من مكتب الإرشاد أدي إلي انتقال هذه الأفكار إلي موقع الصدارة ويشير تمام إلي كون كل أعضاء مكتب الارشاد ملتحين بل وتحول عصام العريان ومحمد مرسي للذين لم يكونا ملتحيين من قبل، معتبرا ذلك تحولاً في فكر الجماعة وانتقالها من مجابهة الفكر الوافد في الثلاثينيات والاربعينيات إلي التمركز حول فكرة الحاكمية في مواجهة الدولة والمجتمع.