ليس أدل علي ذكاء المرء من ردوده السريعة، ومن استجابته الفورية لكل ما يستجد من أفعال، أو يطرأ من أمور.. وكثيراً ما قتلت الكلمات أصحابها، عندما لا تأتي في السياق المطلوب.. ويعرف المصريون "أولاد البلد" عادة بأنهم "يفهموها وهي طايرة"، دلالة علي سرعة البديهة، ودلالة علي أن أجهزة استقبالهم مهيأة لالتقاط الأفكار مهما كانت تحلق في سماوات بعيدة، ومهيأة للاستجابة لها مهما كان الرد يحتاج إلي فطنة وحكمة.. والرئيس مبارك كما أشرنا في مقالات سابقة، وكما أشار في تعليقه يوماً ما "ما أنا واحد منكم"، هو واحد من هؤلاء "أولاد البلد" الحقيقيين.. يسافر بطائرته إلي عنان السماء شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، ولكن هذه الطائرة مرتبطة بطين الأرض المصري، ومعجونة بطعم الخضرة في الريف.. ولذلك تأتي ردوده الفورية وكأنها تخرج من رحم هذه الأرض، وإن أصقلتها الحياة، وأكسبتها رقيا وعلواً وخبرات الحياة.. في خطابه أمام مجلسي الشعب والشوري يوم الأحد الماضي، أراد أحد نواب الشعب أن يلفت انتباه الرئيس إلي ما تعانيه بعض الشرائح في المجتمع المصري من انخفاض في مستوي المعيشة، ومن فقر في الموارد والإمكانات، وكان رد الرئيس الفوري واستجابته السريعة التي حملت أكثر من معني، ونقلت أكثر من دلالة.. إذ رد الرئيس بقوله: "ما كلنا كنا فقرا"! نعم سيادة الرئيس، كلنا كنا فقرا.. فقد خرج المجتمع المصري من عدة حروب "قصمت ظهره" وجعلت الغني فينا من يستطيع بالكاد أن يوفر الحاجات الأساسية لبيته.. وكانت مرحلة الرئيس مبارك هي مرحلة البناء والخروج من الفقر المدقع إلي بحبوحة العيش النسبي، وإلي الاتساع في مصادر الرزق.. صحيح أن الغني لم يصب جميع الشرائح في مجتمع تجاوز عدد سكانه الثمانين مليوناً، وتعدت نسبة الأمية بين أفراده أكثر من ثلاثين في المائة، ولكننا نسير "علي الطريق الصحيح"، والمسألة مسألة وقت، وقد يبدو قصيراً. نعم سيادة الرئيس، «كلنا كنا فقرا».. غير أن فينا من ينسي أصله بمجرد العبور من حالة إلي أخري.. وكثيراً منا من يقطع أي صلة له بالماضي، ويقيم جداراً فولاذياً بينه وبين من يذكره بهذه الأيام، ويقول مثلما قال السابقون: "إنما أوتيته علي علم عندي".. ذاكرة بعض الناس في بلادنا يا سيادة الرئيس مثقوبة، وتميل إلي تناسي مواقف وأحداث هي الأساس الذي يجب أن نقارن به هذا الواقع الذي نعيشه، وأن نتذكره لنعرف أين كنا وأين نحن الآن! نعم سيادة الرئيس، «كلنا كنا فقرا».. وليس هذا بعيب نتواري منه أو نخجل من ذكره.. فما دام الأصل سليماً فلا يعيب معه فقر مقيم أو عوز مستمر.. المهم أن نسعي إلي تغيير الواقع ولا ننساه وننسي أهله بمجرد عبوره، المهم أن نكون "أولاد بلد حقيقيين"!