الفلاحون السويسريون رأوا أنه كان يجب أن يحصل «فرش» علي جائزة نوبل في قلة الذوق وقلة الأدب.. الحقيقة الفن دائما اخلاقي. أقصد الفن الحقيقي ومن يتصور أن قصة «هوموفابر» هي قصة غير أخلاقية فهو لم يفهم القصة ولم يفهم معني الأدب الرفيع ولا رسالته.. قبل ماكس فرش بما يقرب مائة سنة كتب شارلس بودلار أجمل ديوان شعر في اللغة الفرنسية يصف جمال الشر وكان الديوان عنوانه «زهور الشر» كنت أتكلم يوما مع صديق فيلسوف بلجيكي الذي قال لي أن ديوان «زهور الشر» هو أكبر عمل أخلاقي في تاريخ الشعر. قهر الصدفة هو حقيقة لا يمكن اخفاؤها تصور أنك تجلس في مقهي وبحركة عشوائية تقع نظارتك من علي الطاولة وتنحني لكي ترفع النظارة وفي هذه اللحظة تمر الفتاة التي لو رأيتها لاحببتها وتزوجتها وعشتما حياة زوجية مثالية مليئة بالأطفال والحب والسعادة. ولكن بسبب سقوط النظارة لن تقابلها ولن تراها وممكن أن تتزوج امرأة أخري سيئة إلي أقصي حد وتنتهي الحياة ربما بجريمة كل ذلك بسبب سقوط نظارة. إذا رأيت فيلما مصريا عن موضوع مشابه سخرت منه علي أنه مفتعل إلي حد التفاهة ولكن «هوموفابر» لم يكن مفتعلا بل عمل أديب عبقري ثائر علي كل ما هو مسلم به.. وثائر علي بلده سويسرا علي الرغم من أنه سويسري حتي النخاع. مات ماكس فرش وبموته فقد العالم أديبا فريدا من نوعه كان فرش إلي جانب الكاتب المسرحي «فريدرش دورنمت» من أهم كتاب سويسرا الوطن الذي يحكم نفسه بنفسه دون الحاجة إلي حكومة بالمعني المتعارف عليه، لا يمكن أن يفهم الإنسان سويسرا بدون أن يعي إلي أي حد كانت سويسرا دولة فقيرة. الحقيقة كانت سويسرا من أفقر دول أوروبا والعالم ولكن الحاجة أم الاختراع.. مع الوقت تعلم السويسريون كيف يهزمون الفقر وتحولت سويسرا إلي أحد أكثر بلاد العالم ثراء وتقدما. وهذا ما سأكمله غدا