كنت في طنطا دعما لابن أخي، مرشح انتخابات مجلس الشعب، جاء صوت زوجتي صارخًا.. «تعالي بسرعة» وفي غمرة ارتباكي نسيت مطبوعات وأوراقًا عائدا للإسكندرية في أول قطار لحقت به، وكان مميزا كله دخان، وباعه، كله ضجيج، لكن من يهتم.. والقلق يميت.. والوقت يمر بطيئا.. ويركن القطار «تخزينا» لمرور الديزل انتظرت.. لكنني لم أكن أهتم أيضا.. المهم العودة سريعًا.. وليس تجربة القطار «المميز»..!! مميز فعلا!! في القطار اسمع عمرو ابني عبر الموبايل يردد: تعالي علي مهلك، ما فيش حاجة، معي الأقارب والأصدقاء.. أخيرا وصلت البيت.. والحكاية أن أم العيال كانت نائمة عصر الساعة الثالثة.. يوم إجازة.. وعمرو نائما أيضًا بسرعة سمعت «المدام» القطة في حالة عصبية أزعجتها.. نهضت إلي الصالة كي تفاجأ برجل غريب يفتش في إدراج المكتبة.. لا شعوريا صرخت: إنت مين؟ وبتأثير النوم أو الصدمة أخذت تنادي علي عمرو وعلي أيضًا مع علمها بوجودي في طنطا، اندفع الغريب تجاه الحمام محاولا الهرب عبر نافذته.. لم يفلح فعاد سريعا تجاه باب الشقة، كان عمرو قد قفز خلفه ممسكا به قبل أن ينجح في النجاة.. وبدأت طقوس تحية الضيف والأم تصرخ فشل اللص في المقاومة، صعد حارس العقار وبعده الجيران واستمرت محاولات استدعاء ووصول شرطة دون جدوي حتي اضطر عمرو للذهاب بنفسه إلي نقطة الشرطة مصطحبا شرطيا معه لاستلام اللص، وعمل محضر وذهبوا به إلي القسم الذي رفض استلامه لأن المحضر غير مستوفي البيانات ومن ثم عادوا به إلي النقطة ومنها إلي القسم مرتين حيث بات اللص هناك بكل ترحاب. ما حدث حسبما ذكر الشاب «35 سنة».. وسوابق إدمان واتجار: أنه دق الجرس علي أكثر من شقة كان يريد سرقها من عمارة مقابلة، والشقة التي ترد.. يدعي أنه أخطأ في الاسم ويقصد صاحبه، حتي وصل طرفنا، ولم يرد أحد ومع وجود نافذة حمام مفتوحة وجد ضالته وقفز علي مواسير الغاز مقتحما الشقة نهارا، بعد مروره علي حجرة البواب ومقابلة ساكن أو أكثر، بعد الامساك به، وبعد التعارف مع عمرو، تم إخراجه إلي الممر خارج الشقة حيث كان الجيران في انتظار طلعته البهية، وبالطريقة المصرية «الحميمية» تشرفوا باللقاء حيث قام البعض بتقديم واجب الضيافة معه وتقديم واجب المجاملة معنا، والناس لبعضها علي أي حال و«سرقة هنية تكفي مية»!! كان مع المحروس بطاقة وكارنيه، وهو فني في شركة أو هكذا كان، لكن الأهم أنه كان يحمل شهادة خبرة في استعمال ذراع حديدي «عتلة» لزوم الإنجاز، لم تسعده الظروف في استعماله ضد الأم أو الابن وإن ظلت أداة إجرام اعترف سيادته بحيازتها.. ربما من باب الاعتراف بالحق أو الشهامة الأصيلة ربما باعتبار أن الكذب حرام، وليس من شيمة الرجال كمان، والراجل - مثل القطنة - ما يكدبش!! صباح اليوم التالي ذهبت مع عمرو إلي النيابة للتحقيق، حيث اعترف السيد اللص تفصيليا بكل ما قاله من قبل بمحضر الشرطة.. وعدنا كي نجد الأم كما كانت بالأمس مرتكبة متوترة وهي تتساءل ماذا كان لو أن عمرو في الخارج؟ أو أنني لم أستيقظ علي «خربشة» القطة في الأدراج؟ أو أن اللص لديه الجرأة أو الوسيلة للهجوم علي بالسلاح الحديدي! واستمر الارتباك حتي مع دعم الأصدقاء والجيران، أخذت بدوري أتساءل: لماذا يلجأ شاب «يفترض أنه سوي» لسرقة الشقق بينما صحته تساعده علي الكفاح بشرف؟ لماذا يعرض نفسه والآخرين لأخطار قد تصل للقتل؟ وقد تصل في أهون الحالات للسجن وضياع المستقبل بعد السمعة؟ لماذا تتكرر حوادث ترويع الناس؟.. السرقة بالإكراه، اقتحام البيوت، استخدام السلاح الأبيض أو الأسود؟ مع إزعاج المجتمع اجمالا!! الاجابات عديدة دون كثير بحث: الادمان، الجشع، التفكك الأسري، سيادة نظريات الكسب السريع والموبايل الأحدث، التهور المتزايد دون خوف كافٍ من عقاب رادع، مع عدم الرضاء بالمتوفر والطمع في ما في يد الآخر، وبالطبع مع البعد عن الإيمان بمبدأ أو عقيدة سماوية. كان لابد من العودة إلي طنطا.. لمواجهة أحداث غريبة أيضا. ليس هنا مجال شرحها.. حتي وأنت تقرأ وقد مرت أيام الانتخابات وأعلنت النتائج، سواء لصالح ابن أخي أو لغيره.. وأتذكر حادث الاقتحام والسرقة متعجبا: كيف لا تصل شرطة النجدة مع تكرار الاستدعاء ساعة أو أكثر؟ ومع صرخات «في بيتنا حرامي» كيف؟