يكتب: طارق الحميد العنوان أعلاه هو مانشيت رئيسي لإحدي الصحف المصرية يوم أمس، ولا يهمنا العنوان بقدر ما يهمنا مضمونه. فهل تكرم مصر أو تهان يوم الانتخابات؟ أعتقد أن هذا أمر مجحف ومنطلقنا هنا الوضع العربي برمته. وتحديدًا الدول التي تدعي الديمقراطية. فهل كرم العراق بعد انتخاباته الأخيرة؟ لا، فنتائج صناديق الاقتراع لم تحترم، بل تم حل الأزمة السياسية بتدخلات خارجية، ومن خلال عمدة بغداد السفير الأمريكي وهل كرم لبنان بعد انتخاباته الأخيرة؟ أيضا لا، فالحكومة اللبنانية توافقية، وتعريف توافقي في القاموس السياسي العربي هو: كل ما يؤخذ بالبلطجة تحت مظلة عربية، ولذا، فإن الانتخابات وتحديدا العربية لا تعني أن أمة تكرم أو تهان فمجرد القول بذلك يعني أن المهزوم في الانتخابات يري أن الأمة قد أهينت، والفائز بها يري أن الأمة قد كرمت، وهذا التفكير هو ضد الديمقراطية بكل معانيها، وهذا يذكرنا بالمقولة الشهيرة بأن الديمقراطية تحتاج في الأساس إلي ديمقراطيين. فالأمم لا تكرم بالديمقراطية، بل بالإنتاج، والاستقرار، وحفظ كرامة الإنسان، وتكرم عندما تكون مظلة للمواطن، بغض النظر عن جذوره، أوطائفته، أو ديانته، بل هو مواطن له كل الحقوق ما دام يحمل الجنسية. وبالتالي فأيا كانت عيوب النظام المصري اليوم إلا أنه من الظلم والإجحاف مقارنته بما سبقه، وتحديدًا عهد عبدالناصر فالحريات المكفولة للمصريين اليوم، وإن كانت غير كافية فهي لا تقارن بعهد عبدالناصر، والأخطاء لا يمكن أن تقارن أيضا بذلك العهد، والمطلوب ليس التهليل للنظام المصري، أو تنزيهه، بل المطلوب بكل بساطة هو الحفاظ علي ما تحقق، والبناء عليه، وليس الهدم والبدء من الصفر. فالدول، مثلها مثل المعرفة، دائما ما تبني بطريقة تراكمية. وخير مثال هنا إسبانيا، فإلي الستينات من القرن الماضي، أو بعدها تقريبا، كانت إسبانيا تعاني من أزمات وديكتاتورية. لكنها اليوم إحدي الدول الأوروبية الديمقراطية والمضيئة المشعة بالعمل والاستقرار، علي عكس الدول العربية التي تدعي الديمقراطية. وعليه، فإن مصر تكرم أو تهان في حال ما حافظت علي المنجز، وقامت بالبناء عليه من دون استعانة أو استقواء بالخارج تحت أي مبرر، سواء بالطواف في أروقة واشنطن، أو بالاستعانة بالمال والإعلام الإيراني، علي غرار ما يفعله «الإخوان» في مصر! فأمر محير أن يهاجم البعض النظام المصري بأنه عميل للأمريكيين، فالأوطان تبني بسواعد أبنائها، وليس بالتدخل الخارجي. فها هي واشنطن أسقطت نظام صدام حسين، ولكن عدد من قُتلوا إلي اليوم في ظل النظام العراقي الجديد أكثر ممن قتلوا تحت نظام صدام، وسرق من الأموال أكثر مما سرق تحت نظام صدام، والوضع الطائفي أسوأ مما كان عليه في ظل النظام البائد. ما نريد قوله هو: دعونا نحافظ علي أوطاننا ونمارس التغيير العاقل، والتراكمي، وليس الانفعالي، أو المتهور. فها هي الصين بلا انتخابات حرة، والعالم كله يتعامل معها بتقدير واحترام! ملخص القول إن أوطاننا تكرم عندما نحافظ عليها، وليس عندما نقامر بها، هذه هي الرسالة. نقلا عن جريدة الشرق الأوسط