حينما تحالف رئيس الوفد الأسبق الراحل فؤاد سراج الدين مع الإخوان في انتخابات 1984، وضع شروطاً مشددة خلال المفاوضات التي باشر جانبا كبيرا منها نقيب المحامين الراحل أحمد الخواجة، وفي مقدمة شروط الباشا، عدم رفع شعارات دينية، وعدم خوض الانتخابات باسم الإخوان، وأن يتصدر الوفديون رؤوس القوائم الانتخابية. وعاد نفس الرجل بعدها بثلاث سنوات ليقرر فض هذا التحالف، وخوض الوفد الانتخابات منفرداً، ولجأ الإخوان إلي تحالف ثلاثي مع حزبي العمل والأحرار، وتصدروا معظم القوائم الانتخابية، ووصلوا إلي البرلمان علي حساب مرشحي الحزبين الآخرين في كثير من الدوائر. وسقط حزب العمل في الفخ الذي هرب منه سراج الدين، فلم يخلط بين حزبه والإخوان، ولم يسمح للجماعة بالتسلل إلي الحزب والسيطرة عليه، وتغيير توجهاته، وهو ما سقط فيه حزب العمل، الذي كان اشتراكياً قبل الإخوان، واصطبغ بصبغة دينية بعد التحالف أدت في النهاية إلي القضاء علي حزب العمل من الداخل قبل أن يتم تجميده. الإخوان لا يزالون أكبر خطر ليس علي الساحة السياسية فقط، وإنما داخل حزب الوفد الليبرالي العريق، فرغم أن رئيسه السيد البدوي أعلن في مؤتمر صحفي عدم التنسيق مع الإخوان في الانتخابات المقبلة، لكنه أعطي الضوء الأخضر لمرشحيه بالتنسيق مع الجماعة في الدوائر. وحسب التقارير التي تأتي من المحافظات يبدو التنسيق بين الوفد والإخوان علي أشده في معظم الدوائر، وهو أمر لا يبدو ظاهراً للعيان، لكن قراءة التحالفات الانتخابية تشير إلي ذلك التحالف المعلن علي الأرض، والذي تنفيه القيادة في القاهرة. ويمثل هذا التحالف مخاطر عدة علي الوفد منها أنه يضرب ليبرالية الوفد وعلمانيته في مقتل، إذ يؤدي إلي إثارة سؤال غاية في الأهمية عن الثمن الذي يدفعه الوفد، وهو حزب مدني، من تحالفه مع جماعة دينية تؤمن بالدولة الدينية، وتعمل جهاراً نهاراً علي القضاء علي مدنية الدولة. وفي ضوء خبرات تحالفات الإخوان السابقة كانت شكوي مرشحي حزب العمل في انتخابات 1987 أن الإخوان لا ينسقون إلا مع المرشحين الذين يتمتعون بشعبية في دوائرهم، لدرجة أن حزب العمل علي سبيل المثال رشح المرحوم عبد السلام النحاس علي المقعد الفردي في دائرة المحلة وسمنود، لكن قائمة التحالف التي سيطر عليها الإخوان في هذه الدائرة كانت تمنع حضوره المؤتمرات الانتخابية.. رغم أنه مرشح رسمي للحزب الذي منح الإخوان الأرضية السياسية لخوض الانتخابات. وفي الانتخابات التالية التي جرت عام 1990 بالنظام الفردي بعد عدم دستورية القوائم، صدرت تعليمات صريحة لقواعد الإخوان بالتصويت لمرشح الجماعة فقط، وعدم الالتزام بمرشح العمل، وبجواز إجراء تحالفات مع مرشحين حزبيين وآخرين مستقلين حسب قوة كل مرشح الانتخابية. الوفد لن يخسر من جراء هذه التحالفات القاعدية أهم أسسه، لكنه سيتحول إلي جسر يستغله الإخوان للعبور إلي البرلمان.. ثم يرمون ما تبقي منه للشارع.