يتعرض حزب الوفد لحملة إعلامية تستهدف إظهاره، وكأنه يعقد صفقات مع الحزب الوطني تحت جنح الظلام، بإشاعة حصوله علي حصة في البرلمان القادم خصما من رصيد كتلة الإخوان التي تصل حاليا إلي 86 نائبا.. وللأمانة وللتاريخ أيضا فإن حزب الوفد الجديد منذ عودته للحياة السياسية عام 1978، ثم تجميد نفسه والعودة مرة أخري بحكم قضائي عام 1982 لم يدخل في صفقات مع الحزب الوطني، لكنه أبرم تحالفات متعددة مع قوي سياسية مختلفة. وللأمانة والتاريخ أيضا فإن الرئيس الراحل أنور السادات الذي أعاد التجربة الحزبية بعد أحداث يناير 1977 هو الذي حدد الأحزاب التي تعمل في الساحة السياسية، وقسمها إلي ثلاثة تيارات مختلفة: اليسار برئاسة خالد محيي الدين واليمين برئاسة مصطفي كامل مراد، والوسط الذي ترأسه رئيس الوزراء في ذلك الوقت ممدوح سالم. لكن الوفد كان أول حزب سياسي في التجربة الجديدة لا يخرج بقرار رئاسي، وإنما برغبة جماهيرية، وأمام الشعبية الواسعة التي عاد بها الحزب شعر الرئيس السادات بالضيق وبدأ في فرض قيود علي الوفد، بما في ذلك حرمان قادته القدامي الذين مارسوا عملا سياسيا قبل الثورة من مباشرة حقوقهم السياسية مما دعا الوفد لاتخاذ قرار تجميد نفسه بنفسه، ولم يدخل الوفد برئاسة فؤاد باشا سراج الدين في مفاوضات أو صفقات مع الحكومة لتقليل القيود التي فرضها الرئيس السادات. وحين قرر الوفد العودة مرة ثانية لممارسة نشاطه السياسي لم يلجأ إلي مفاوضات أو صفقات مع الحزب الحاكم، وإنما لجأ إلي القضاء وحصل علي حكم قضائي بالعودة لممارسة نشاطه العام، باعتباره حاصلا علي ترخيص رسمي ولم يصدر قرار بحله، لا من القضاء ولا من لجنة شئون الأحزاب. ويذكر التاريخ الذي يتناساه البعض أن الوفد خاض أول انتخابات برلمانية بعد عودته عام 1984، متحالفا مع الإخوان تحت شعارات ومبادئ الوفد، وليس تحت شعارات الإخوان كما حدث في انتخابات 1987، حينما فرض الإخوان شعاراتهم وبرنامجهم علي حزبي العمل والأحرار. وباستثناء الحزب الوطني الذي اجتاز نسبة 8٪ التي اشترطها القانون للتمثيل النيابي في انتخابات 1984، فشلت أحزاب المعارضة في تجاوز هذه النسبة، بينما حصل تحالف الوفد والإخوان علي 34 مقعدا كان معظمها لنواب من الوفد، مما جعله ممثل المعارضة الوحيد في البرلمان، ولم تشهد السنوات من 1984 حتي حل البرلمان بحكم من المحكمة الدستورية أية صفقات بين الوفد والوطني، لكن هذه الفترة انتهت بفض التحالف بين الوفد والإخوان، وعاد الوفد إلي البرلمان في عام 1987 منفردا. وخلال 23 عاما خاض الوفد ثلاث انتخابات برلمانية وقاطع واحدة حرص خلالها جميعا علي التنسيق مع أحزاب المعارضة كافة، ولم يمد يده لعقد صفقات مع الحزب الوطني، حتي أن رئيس الحزب محمود أباظة فاز في الانتخابات الماضية بشق الأنفس، ورشح الحزب الوطني لمنافسته شقيق رئيس ديوان رئيس الجمهورية.. ولم يحسم أباظة الانتخابات إلا في الجولة الثانية، بينما فشل سكرتيره العام منير فخري عبد النور في الحفاظ علي مقعده النيابي أمام مرشح الوطني. ووفقا لهذه القراءة التاريخية، المستندة لمعلومات يعرفها القاصي والداني وإلي قربي من الوضع الحزبي في مصر، فإن حزب الوفد سواء اختلفت أو اتفقت معه، ليس من نوعية الأحزاب التي تتآمر بليل علي إرادة الأمة، حتي وإن تآمر عليه آخرون هذه الأيام.