بعد أشهر قليلة من توليه وزارة الإعلام وجد الوزير أنس الفقي نفسه أمام استحقاقين بالغي الأهمية الأول الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر 2005، والثاني انتخابات مجلس الشعب التي جرت في نفس العام، وتعامل الوزير إعلاميا معهما بشكل مختلف، حيث أقر مبدأ الحياد الإعلامي، ومنح كل المرشحين والأحزاب وقتا متساويا في الظهور الإعلامي، وشكل لجنة لمتابعة الأداء الإعلامي، لمراقبة مدي التزام تليفزيون الدولة وإذاعاتها بهذا الحياد. وأعاد الوزير أنس الفقي نفس التجربة في انتخابات مجلس الشوري التي جرت قبل عدة أشهر، لكنه ضم إلي لجنة مراقبة الأداء الإعلامي ممثلين عن الفضائيات الخاصة، إضافة إلي ممثلي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ليزيد من صلاحيات هذه اللجنة وقدرتها علي متابعة أداء وحياد كل ألوان الإعلام المصري المسموع والمرئي. ونحن علي أبواب انتخابات جديدة ينتظر أن تنطلق دعايتها الرسمية خلال أيام، لا نناقش الحياد الإعلامي المفترض من تليفزيون الدولة وإذاعاتها، وإنما ينبغي مراجعة قضية الوقت المتساوي الذي يمنح للأحزاب كافة، في ظل سؤال مهم هل الحياد يعني المساواة الكاملة بين أحزاب سياسية غير متكافئة القوة والعدد والتمثيل النيابي؟ أعرف أن حكماً قضائياً صدر أمس بالمساواة بين الأحزاب في الإعلام لكن خلال انتخابات مجلس العموم البريطاني قبل أشهر قليلة خصص تليفزيون "بي بي سي" الذي تموله وزارة الخارجية البريطانية الكثير من أوقاته لتغطية الانتخابات علي مختلف شبكات الخدمة بكافة اللغات التي تبث بها «بي بي سي»، لكن الملاحظة المهمة أن الأحزاب التي حصلت علي أوقات أكثر في التعبير عن نفسها هي العمال والمحافظين والأحرار، بينما حزب النائب جورج جالاوي الذي كان له نائب واحد في مجلس العموم لم يحصل علي مساحة متساوية مع أي حزب من الأحزاب الثلاثة الكبيرة. وفي كل بلاد العالم التي تجري بها انتخابات نيابية بشكل ديمقراطي، لا تكون هناك مساواة كاملة في إعلام الدولة أو الإعلام الخاص للأحزاب كافة، فبعض الدول تمنح المساحة علي أساس التمثيل النيابي، ودول أخري علي أساس قوة الحزب في الشارع، لكن لا توجد مساواة إعلامية كاملة بين الأحزاب كافة. وفي ضوء ذلك أتمني مراجعة المساحات الزمنية المتساوية بين الأحزاب كافة، ففي مصر 21 حزبا تخوض الانتخابات، منها خمسة أحزاب فقط ممثلة في البرلمان الحالي، بينما 16 حزبا لم تفلح في الوصول إلي مقاعد البرلمان من قبل.. فهل يجوز منح أحزاب مثل الوطني والوفد والتجمع وحتي الناصري والغد.. نفس المساحة الزمنية مع أحزاب أخري لا يعرف أحد في الشارع أسماءها؟ الحياد لا يعني المساواة بين كيانات غير متساوية، وبعد خمس سنوات من التساوي الكامل بين الأحزاب في الإعلام، أعتقد أنه آن الأوان ليحصل كل حزب علي حقه في الإعلام، حسب حجمه وقوته في الشارع وتمثيله النيابي.