تحدث في الحلقة السابقة السفير باتل مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط الذي كان حتي مارس 1967 سفيرا لبلاده في القاهرة عن التطورات التي رافقت العدوان الإسرائيلي علي مصر في يونيو 1967 وموقف الرئيس الأمريكي جونسون المؤيد لإسرائيل ودعوة زكريا محيي الدين لزيارة واشنطون قبل الحرب.. يقول باتل إنه يعتقد أنه كان يتوجب علي الحكومة الأمريكية أن تخطر إسرائيل بأن محيي الدين قادم لزيارة واشنطون، وكان يظن أيضا أن علي محيي الدين ألا تصحبه عند مغادرته مصر دعاية واسعة إذ إن الهدف هو أن تتحقق الزيارة في النهاية حتي لا يشعر الإسرائيليون بأن واشنطون تتفاوض مع أعدائهم من وراء ظهرهم، ولذلك أصر باتل علي ضرورة إخطار إسرائيل وهو ما وافق عليه المسئولون الأمريكيون، يضيف أن البعض يشيرون الآن إلي أن الإعلان عن زيارة محيي الدين هو الذي أدي إلي نشوب الحرب، وهو مالا يوافق عليه قائلا إنه كلما عرفت معلومات أكثر عن أسباب الحرب تجعل المرأ يتساءل عما إذا كان الإسرائيليون يشعرون في قرارة نفوسهم بالسعادة لأن لديهم سببا وحجة لمهاجمة مصر، بل قد يكونون قد رحبوا بها. الحرب قد تكون فجرت في الظاهر بسبب زيارة محيي الدين ولكنه يعتقد أن ذلك كان عذرا وليس السبب للحرب، أدت الحرب إلي نصر كبير لإسرائيل وتمت في المقام الأول بسبب طائرات الميراج الفرنسية وبسبب الخطة الدقيقة التي وضعتها هيئة الأركان الإسرائيلية، ولكنها كانت حربا غير مواتية في كل الجوانب. يشير السفير باتل إلي أنه علي المدي الطويل فإن الحرب لم تخدم أغراض أي من الأطراف التي شاركت فيها، لقد كانت سيئة جدا لإسرائيل لأنها أثبتت عدم قدرتها علي استيعاب كل العرب في المناطق التي احتلتها خاصة أن مسألة يهودية الدولة كانت المسألة الرئيسية للحرب. ثانيا فإنها لم تكون مواتية للعالم العربي إذ أضرت باقتصادياتهم بسبب عمليات إعادة التسليح الذي تمت لمرات عديدة، لم تخدم الحرب أيضا مصالح الغرب أو الولاياتالمتحدة فلا تزال النتائج المرتبة عليها بدون حل، واجهت الولاياتالمتحدة صعوبات جمة في الفترة التي تلت الحرب، وشعر باتل بأنه لا جدوي من محاولة التوصل إلي حلول جزئية، ولكن يتوجب التوصل إلي حل شامل للمشكلة، بعد ذلك حاول هنري كيسنجر أن يتوصل إلي حلول علي أساس الخطوة بخطوة ولكن هذا تم في إطار مغاير تماما، رأي باتل فيما يتعلق بالحل الشامل أن التأييد العام لإسرائيل وهجومها كان كبيرا جدا في أوروبا والولاياتالمتحدة. إذ لأول مرة ظهر بوضوح مدي التأييد لإسرائيل الذي اجتاح الولاياتالمتحدة أساسا علي مقولة أسطورة دافيد وجوليات التي تشير إلي أن إسرائيل هي دافيد «أي الطرف الضعيف» الذي حقق نصرا علي جوليات «المارد العملاق أي العالم العربي»، ويبدي باتل دهشته من هذا الاتجاه العارم الذي اختفي من أوروبا بسرعة ولكن ليس في الولاياتالمتحدة إذ لا يزال مستمرا حتي الآن. وهذا بالطبع غير دقيق في رأي باتل إذ إن إسرائيل هي أكبر القوي العسكرية في العالم وهو أمر احتفظت به لمدة طويلة فالانطباع عن أن إسرائيل مجرد دولة صغيرة محبة للسلام ليست لديها أسلحة كافية خاطئ تماما وغير دقيق، وهذا هو السبب في عدم التوصل إلي حل، ومن ضمن أسباب المشكلة من وجهة نظره أنه خلال حرب 1956 التي شاركت فيها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في غزو مصر، قدمت الولاياتالمتحدة تأكيدات دولية بأنها ستستخدم مضايق تيران وأجبرت الحلفاء الثلاثة علي الانسحاب من الأراضي المصرية وهذا ما جعل الموقف الأمريكي أكثر صعوبة عام 1967 فبالرغم من أن عبدالناصر لم يبدأ الحرب إلا أنه هو الذي دفع إليها وبالتأكيد هددت أمريكا باستخدام إجراءات معينة تتعارض مع التفاهمات التي تم التوصل إليها في نهاية حرب 1956 . يروي باتل أنه بعد بداية الحرب طلب السفراء العرب في واشنطون مقابلته وسألوه لماذا لم تقم الولاياتالمتحدة بفعل نفس الشيء كما فعلت المرة الماضية أي أن تطلب من إسرائيل مغادرة الأراضي التي احتلتها، وفي الواقع لم يكن لدي الإسرائيليين أية نية لترك هذه الأراضي حتي لو طلبت منهم واشنطون ذلك، وعلي أية حال فإن غالبية الشعب الأمريكي بما فيهم قيادات الحكومة والكونجرس كانوا متعاطفين مع إسرائيل، لم يكن أمام أمريكا أي خيار سوي أن تدعو إلي التوصل إلي السلام الشامل وهو ما فعلته، حصلت واشنطون علي قرار مجلس الأمن رقم 242 «لاحظ هنا أن الذي دفع إلي صياغته هو آرثر جولدبرج مندوب الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن الذي كان جزءا من اللوبي اليهودي الإسرائيلي قبل الحرب وبعدها ومارس ضغوطا قوية علي البيت الأبيض، وفي الواقع لا يمكن وصفها بالضغوط إذ كان الرئيس جونسون متجاوبا بالكامل مع الموقف الإسرائيلي منذ البداية»، وهو القرار الذي اعتبرناه في هذه المرحلة بمثابة قرار عظيم.. حدثنا السفير في الحلقة المقبلة عن رأيه في تبعات حرب يونيو. أمين عام الجمعية الأفريقية