العلاقة الوثيقة والمستمرة مع العنف لم ولن يرد أحد من جماعة الإخوان علي أن الدكتور عمر عبدالرحمن المسجون حتي الآن في الولاياتالمتحدة كان إخوانيا ومسئولاً عن فرع الجماعة في الفيوم، قبل أن يصبح مفتيا معروفًا ومعلنًا للجماعة الإسلامية التي قامت بتدبير عمليات العنف الدموية في حق مصر في بداية الثمانينيات واستمرت فيما بعد حتي نهاية التسعينيات تقريبًا. مثل هذه الحقائق التي يتجاهلها التنظيم المحظور لأنها تثبت بطرق مختلفة علاقته الوثيقة مع عمليات العنف إلي اليوم، هي بعض أوجه حقائق التاريخ والواقع التي لا تدع مجالاً للشك في أن الجماعة التي تدعي إيماناً حالياً بالديموقراطية ليست سوي مثال متجسد للخديعة ودليل متجدد علي الاحتيال الفكري والسياسي والأكاذيب. لقد تلطخت أيدي الإخوان علي مدي مسيرتهم المدمرة بالدماء في مناسبات عديدة.. وليست المشكلة في الوقائع المؤكدة والتي تتخطي الأربعينيات والخمسينيات، وإنما في أن الجماعة تقوم بذلك إلي اليوم.. حتي لو كانت تدعي غير ذلك.. إن مجرد متابعة تصرفات الطلاب الإخوان الذين يتظاهرون في الجامعات وكيف تكون علي قدر مهول من الشراسة والعنف والميل إلي الاصطدام بالسلطات تثبت بما لا يدع مجالاً لأي شك أن تربية الإخوان للكوادر الشباب إنما تشحنهم بما يكفي لتفجير العنف في أي لحظة.. لولا أنهم يخشون من عقاب القانون الآن.. ولو تحينوا أي فرصة ولو وجدوا أن الظرف مناسب فإنهم سوف يفعلون ذلك بالتأكيد.. ووقتها سوف يجدون ما يكفي من الفتاوي لكي يساندوا موقفهم من العنف والدماء. في شهادته عن الجماعة الإسلامية، أو كما يسميها إجمالاً وتعمدا، الحركة الاسلامية فيما بين 1970 و1984، فإن عبدالمنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد السابق يقول ما يلي من مباديء ووقائع تثبت ما نذهب إليه: - ( كان حسنا الجهادي يدفعنا إلي أن نقوم بتغيير المنكر باليد، وذات مرة نظمت حفلة من تيارات أخري، فاحتللنا المدرج كله ومنعنا إقامة الحفلة، وفي المرة التالية فإنهم قرروا أن يكون دخول المدرج مسموحًا به لمن معهم تذاكر فقط فكان أن نظمنا مسيرة ضخمة واقتحمنا الأبواب بالقوة ودخلنا المدرج وتعالت التكبيرات). - ( لقد خاض جيلنا معارك طاحنة حول العلاقة بين الرجل والمرأة وضرورة الفصل بينهما في المدرجات بل وفي المدارس الابتدائية، وكانت هناك أفكار خاصة حول وجوب إنشاء مستشفيات للرجال يديرها الرجال ومستشفيات للنساء يديرها النساء.. وكنا نناقش أيضًا قضية جواز رؤية خال أو عم المرأة لكفيها ووجهها). - ( كنا نؤمن بجواز استخدام العنف بل وجوبه في بعض الأحيان من أجل نشر دعوتنا وكان العنف بالنسبة إلينا مبرراً بل شرعياً وكان الخلاف بيننا فقط علي توقيته ومدي استكمال عدته فحسب.. وكانت الفكرة المسيطرة علي مجموعتنا هي أن نعد أنفسنا لاستخدام العنف حين تقوي شوكتنا ونصبح قادرين علي القضاء علي هذا النظام الممسك بالحكم). - ( ظلت هذه الفكرة - العنف - مسيطرة علينا حتي بعد أن دخلنا جماعة الإخوان المسلمين.. لولا أن الأستاذ عمر التلمساني أقنعنا بالتوجه السلمي نحن وكثير من أعضاء الإخوان من أجيال سابقة علينا ومنهم جيل 1965 الذي عرف بتنظيم سيد قطب). الفقرات الأربع الأخيرة المنقولة نصًا من كتاب أبو الفتوح.. تشير إلي ما يلي: - القوام الأساسي للجماعة الآن ومنذ بداية الثمانينيات هو من بين جيلي السبعينيات والستينيات، هؤلاء هم الذين يتصارعون الآن علي القيادات العليا والوسيطة.. هذان الجيلان.. مارسا العنف وشرعاه وبرراه.. ولا يوجد ما ينفي أن القناعات السابقة لم تزل موجودة.. وأن التخلي المؤقت عن العنف له مبررات تتعلق بالظروف المحيطة وانتباه الدولة.. بمعني أنه في لحظة إذا استشعرت الجماعة أن هناك قدرة علي تنفيذ أيديولوجيتها في العنف فإنها سوف تفعل.. أضف إلي ذلك أن الجيل المؤسس للجماعة والذي لم يزل موجوداً هو جيل تربي في النظام الخاص الذي ارتكب جرائم العنف في الأربعينيات. - التربية في كنف العنف، التي عاشت فيها هذه الأجيال، مشكلتها الجوهرية هي أنها تؤثر في الأجيال التالية، خصوصا أن المواد الفكرية والعقيدية التي تدرس لهم ويتدربون عليها لم تتغير من جيل إلي آخر.. وكما قلت وأكرر فإن كتب سيد قطب هي المنهاج الأساسي في التنظيم وهي مؤلفات تكفيرية لم تنقضها الجماعة ولم ترفضها بل وصل المؤمنون الأساسيون بها إلي صدر التنظيم الآن (القطبيون). - كون أن العنف مؤجل فإن هذا لا يعني أنه غير موجود.. وبين فترة وأخري تكشف الجماعة عن كلمات وتصريحات تقود إلي إظهار المكنون.. ومن ذلك ما قاله المرشد الحالي منذ أسابيع حين وصف المجتمع بأنه نجس والحكومة بأنها نجسة.. وقال إن هم الإخوان أن يطهرونا من تلك النجاسات. - لم تتغير نظرة الإخوان للفن، كما لم تتغير نظرتهم للعلاقة بين الرجل والمرأة، والدليل ليس ما يقولونه، بل ما يطبقونه في عائلاتهم وما يردده دعاتهم بعيداً عن السياسة في الأشرطة وعلي مواقع الإنترنت وفي أبواب الفتاوي في مواقع الإخوان.. إن نظرة عابرة علي أزياء مرشحات الإخوان في الانتخابات ومناقشتهن في موضوعات العلاقة بين الرجل والمرأة سوف توضح إلي أي مدي لم يزل هذا الفكر الذي يسخر منه أبو الفتوح الآن مازال مستمراً ومقيماً في العقول. هذه جماعة لا يمكن أن تخدعنا.. كما أنها لا يمكن أن تدلس علي المجتمع بأنها الاعتدال في مواجهة تطرف آخر.. ببساطة لأنها ربت التطرف واحتوته بعد أن ربته.. والعلاقة فيما بينها وبين جماعات العنف وشبابه هي علاقة ترابطية وثيقة.. ناهيك عن أنها تعد الأجيال الجديدة بنفس الطريقة.. وليس استعراض ميليشيات الأزهر ببعيد.