أشهر زعماء العنف من قلب تنظيم الإخوان لماذا أصدر عبدالمنعم أبوالفتوح شهادته الآن، ما هي مبرراته، وهل هذا توقيته؟ الإجابة هنا تشير إلي حجم الصراع الطاحن الدائر داخل جماعة الإخوان بين الأجيال المختلفة.. ولا يمكن فصل تصرف أبوالفتوح من خلال النشر عن الاعتراضات والاشتباكات التي يخوضها آخرون مثل حامد الدفراوي وخالد الزعفراني وهيثم أبوخليل وخالد داود ضد قيادة الجماعة الحالية.. هذه كلها مظاهر للمشكلة الطاحنة بين جيل الستينيات المعروف باسم القطبيين الذي جاء ببديع مرشدًا ومحمود عزت نائبًا له.. وجيل السبعينيات الذي استبعد كل هؤلاء ومنهم أبوالفتوح وعلي رأسهم ممثلهم محمد حبيب. الإخوان تنظيم فيه تراتبية، وأقدميات، وقد وجد القطبيون أن من حقهم أن يستفيدوا وأن يقطفوا ثمرة هذا الكيان.. سياسيًا وماليًا وتنظيميًا وشهرة.. لأنه قد حل عليهم الدور.. ومن ثم فعليهم استبعاد جيل السبعينيات بأقصي درجة ممكنة.. علي أن يقتصر تمثيل هذا الجيل علي مقعد واحد تقريبًا في مكتب الإرشاد.. وقد قبل عصام العريان أن يكون هو صاحب هذا المقعد.. وضحي سياسيًا بكل مجايليه.. الذين لم يسكتوا.. لأنه قد تمر دورة الزمن دون أن ينالوا ترتيبهم.. فيفاجئوا بأن جيلاً تاليًا يأخذ مكانهم. هذه مسألة تحدث من حين إلي آخر في الجماعة.. لا الهدف له علاقة بالدين ولا بخدمة الناس ولا بالمواقف السياسية كما يزعم البعض في الأساس.. وإنما له علاقة بأن هناك مصالح فردية علي اتصال بأن تلك هي (المؤسسة السرية) التي ينتمي لها هؤلاء الناس وتحقق لهم الفائدة ويريدون أن يتولوا فيها موقع القيادة بكل منافعه وإفاداته. وفي هذا السياق تأتي شهادة أبوالفتوح لكي يقول إن جيله قد قام بعمل، وله تجربة وعنده خبرة ولديه تراث، وأنه عاني - وفق مقاييس الإخوان - وبالمرة فإنه يمحو من هذا التاريخ أي دور للقطبيين، ويركز علي أن جيل السبعينيات هو قوام الجماعة.. بل إن السبعينيين يرون أنهم هم الذين أنقذوا هذا التنظيم السري من الضياع والتلاشي.. ومن ثم فإن شهادته إنما تزايد علي القطبيين الذين يتفاخرون بأنهم ضحايا سجون الستينيات الناصرية. ما يهمنا هنا ليس الصراع بين المتنافسين، وإنما أن الاختلاف بين الفرقاء يكشف عن الأدلة ويميط اللثام عن بعض الغموض، وحتي لو كنا نعرف الحقيقة فإن المهم هنا في شهادة أبوالفتوح هو أنها تقدم دليلاً من داخل الإخوان علي الترابط الوثيق بين الجماعة وخلايا العنف.. حتي لو كان جيل السبعينيات قد تخلي عن العنف (شكلاً) لا (فكرًا).. فإن شهادة أبوالفتوح تقول إن هذا الجيل.. وغيره.. تربي في كنف (النظام الخاص) الذي كان اسمه في السبعينيات (الجماعة الإسلامية).. وقد كان (النظام الخاص) هو الجناح العسكري للإخوان في الأربعينيات. المؤامرة (القديمة - الجديدة) التي ينتهجها الإخوان هي أن يتم تقديمهم إلي الناس علي أنهم (الاعتدال).. ليس المقبول.. وإنما الذي يجب قبوله اتقاءً من شر أبعد.. بديلاً لتطرف هم صانعوه وراعوه وممولوه.. ومن عنف ابتدعوه كي يرعبوا المجتمع.. فلما يشعر بالخوف يعتبرهم بديلاً يمكن التعامل معه والارتضاء به. الجماعة هي التي قدمت (النظام الخاص) بكل عنفه ودمويته واغتيالاته.. ثم هي التي قالت (ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين).. باعوهم.. بينما هم الذين أنشئوهم.. وهي أيضًا التي قدمت جيلاً عريضًا إلي (الجماعة الإسلامية) وإلي بقية (التنظيمات الجهادية) في السبعينيات.. فلما أطلق هؤلاء الرصاص واستخدموا القنابل بناء علي ما تلقنوه في تربية الإخوان ورعايتهم وشحنهم.. تبرأ منهم الإخوان.. شكلانيًا.. ثم حاولوا أن يخدعوا الناس بأن الجماعة التي يمثلونها هي الاعتدال.. وهذا ادعاء يشير إلي خرافات. في بداية الثمانينيات وبعد اغتيال السادات كان محامو الإخوان هم الذين دافعوا حتي النفس الأخير عن كل المتهمين في تنظيمات الجماعة الإسلامية والجهاد المتورطين في اغتيال الرئيس الراحل وعمليات العنف التي شهدها شهر أكتوبر عام 1981 .. وقد كان هذا دفاعًا مجانيًا دون أتعاب.. ولهذا مدلوله الذي لا يمكن إنكاره. كما أنه لا يمكن إنكار أن الجماعة المحظورة حين تمكنت من أن تستولي علي النقابات المهنية في الثمانينيات وتسيطر عليها.. كان هذا ناتجًا عن أن جيل الطلاب الذي كان يدرس في جامعة السبعينيات هو الذي انضم إلي عضوية تلك النقابات.. أي أن جيل الجماعة الإسلامية العنيفة هو الذي منح للإخوان تلك السيطرة.. ومن جانب آخر فإن القيادات التي تولت تلك النقابات كان أن مارست دور الرعاية المنظمة الكاملة لكل أعضاء جماعات العنف المنتمين عمليًا لغير الإخوان من خلال جماعة الإخوان وباستخدام أموال تلك النقابات. لقد قال عبدالمنعم أبوالفتوح في شهادته: إن الجماعة الإسلامية في السبعينيات وظفت ميزانية اتحادات الطلبة في الجامعات من أجل التخديم علي أهداف الجماعة.. وكان اتحاد الطلبة المفترض فيه أنه مملوك لكل الطلبة وأنه مؤسسة عامة.. بمثابة (الجناح السياسي والاجتماعي) للجماعة الإسلامية.. وحين دخل هؤلاء النقابات فإنهم وفروا رواتب وخدمات وشققًا من ميزانية النقابات إلي كل أعضاء الجماعة الإسلامية والجهادية الذين كانوا قيد الاعتقال.. ما يعني أن الإخوان يرعون من يتبرءون منهم علنًا.. وأنهم يتعاملون سواء من خلال الدفاع القانوني أو من خلال الإعانات والتبرعات والخدمات النقابية مع المعتقلين المرفوضين في الظاهر علي أنهم من بين ظهرانيهم ومن داخل تنظيمهم.. لكنه توزيع الأدوار وتعدد المهام.. الذي يستغل أموال النقابات والمؤسسات العامة لصالح فئة كانت تدمر المجتمع. ثم لماذا نذهب بعيدًا.. هل تذكرون الدكتور الكفيف عمر عبدالرحمن.. الأب العلني لكل أعضاء الجماعة الإسلامية.. وزعيم التنظيم الذي حوكم معهم.. وكان مرشدهم وقائدهم ومتهما بينهم ووقف في القفص متقدمًا عليهم.. هذا الرجل هو نفسه كان المسئول عن جماعة الإخوان في الفيوم في السبعينيات.. وكان رئيسًا لجمعية النهضة التي يتولاها الإخوان.. وكان دوره التالي هو أن يقود هؤلاء الشباب المتطرف إلي تنظيم قيل فيما بعد أنه ليس علي علاقة بجماعة الإخوان في حين أنه ناتج من بين لحائها وتربي فيها وتلقي تعليماته من المحظورة. إن عمر عبدالرحمن عمليًا، وهو كفيف، لم يحمل سلاحًا، ولم يطلق رصاصة، ولكنه كان هو الذي دفع أتباعه من الشباب في الجماعات العنيفة إلي أن يطلقوا الرصاص وأن يقذفوا القنابل وأن يدمروا المجتمع.. وهنا تكمن العملية التي يقوم بها الإخوان.. ابتداع مجموعة أكثر تطرفًا وعنفًا يقولون إنها ليست لها علاقة بهم.. وينكرون عليها أفعالها علنًا.. بينما هم مرتبطون بها تنظيميًا وفكريًا وماليًا في السر. ونكمل غدًا www.abkamal.net [email protected]