شهادة القيادي الإخواني عبدالمنعم أبوالفتوح قد تستوقفك عمليات الدفاع القانونية التي قام بها محامون ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة بحكم القانون عن متهمين في قضايا من النوع الخطير.. وعلي رأسها مؤخرًا قضية (تنظيم حزب الله) وقضية (خلية الزيتون الإرهابية) التي استولت علي ذهب من محل جواهرجي وقتلت صاحبه.. لقد قام ثلاثة محامين ينتمون لتنظيم الإخوان بمهمة الدفاع عن ثلاثة متهمين فلسطينيين.. واثنين من المتهمين المصريين.. وفي القضية الثانية تشارك اثنان من الإخوان في الدفاع عن المتهمين المصريين بالإرهاب. هذا ليس مصادفة.. هناك تحالف أصيل ومتجذر بين الإخوان وجماعات الإرهاب، الثانية تخرج من عباءة الأولي، والأولي تقوم بأداء أهداف الثانية.. وقد كان (النظام الخاص) الذي قتل رموز مصر ومارس التدمير فيها كيانًا إرهابيا منتميا لجماعة الإخوان وتحت رعاية مرشدها وإن أنكره، وإن راحت قيادات التنظيم فيما بعد تعلن رفضها له. وكثيرًا ما ذكرت في مقالات سابقة أن جماعة الإخوان هي منبع أي تكفير ومنشأ أي جماعة تحارب المجتمع بالعنف.. وإذا كانت الإخوان تنفي وجود (النظام الخاص) لديها الآن، وتعزي وجوده في الأربعينيات - خداعًا - بأنه كان يقاوم الاحتلال.. وهذا كلام فارغ تاريخيا.. فإن أحد قيادييها يكشف - ربما دون قصد- في كتاب صدر مؤخرًا عن أن الإخوان هم الذين أسهموا في تأسيس الجماعة الإسلامية التي مارست الإرهاب ضد المجتمع سنوات طويلة.. وقبل أن تفرغ من ذلك كان أن تحول عدد من قياديي تلك الجماعة ومؤسسيها إلي جماعة الإخوان نفسها. إن تلك حقيقة معروفة بالنسبة لي، ولعلها كانت مصادفة أن أذكر ذلك قبل أن أقرأ الكتاب منذ يومين.. ولكن قيمة الكتاب أنه شهادة من داخل الجماعة.. ومن قيادي فيها.. وممن تبدلت مواقعه جيئة وذهابا بين الجماعة الإسلامية والإخوان. الكتاب الذي صدر عن دار الشروق لعبدالمنعم أبو الفتوح القيادي الإخواني بعنوان (شاهد علي تاريخ الحركة الإسلامية في مصر- 1970 - 1984م).. يروي فيه كيف كان من بين من أسسوا الجماعة الإسلامية في الجامعة في بداية السبعينيات.. في كلية الطب وغيرها من كليات جامعة القاهرة وعديد من الجامعات الأخري.. وبغض النظر عن تفسيراته المختلفة لوقائع معروفة تاريخيا وموثقة، فإن ما يذكره هو علي أنه حقائق يقبلها بل شارك فيها إنما يدل علي العلاقة الوثيقة بين الإخوان والجماعة الإسلامية التي حملت السلاح فيما بعد ذلك.. وحين تراجعت عن العنف كان أن لقيت انتقادات من الإخوان. قال عبدالمنعم أبو الفتوح إن الراعي الأول لحركة الشباب الذي سعي إلي إعلان النشاط الديني في مناخ جامعة السبعينيات كان هو الدكتور محمد عبدالمنعم أبوالفضل، وقد وصفه بأنه (الأب الروحي للحركة الوليدة).. وقال عنه: (كان أستاذًا في كلية الطب، ودرس في إنجلترا وعمل في السعودية، وهو ابن وفي للحركة الإسلامية، انتظم عضوا في حركة الإخوان، لكنه لم يكن معروفا إبان حل الجماعة في 1948 فلم يلق القبض عليه، وصلَّي صلاة الغائب علي حسن البنا حين علم باغتياله يوم دفن أبيه). ويضيف أبو الفتوح في وصف الأب الروحي لحركة الجماعة الإسلامية: (ظل وفيا لجماعة الإخوان، وكان في الهيئة التأسيسية الجديدة للجماعة، وظل يعمل لها، بل إنه كان يدعو الدعاة للحديث بين الطلاب في المدرجات فلما يجد الإقبال ضعيفًا فإنه يحشد طالبات مدرسة التمريض لملء المدرجات). نحن إذن أمام قيادة إخوانية أصيلة كانت ترعي هذه الحركة الطلابية التي تضخمت فيما بعد وكانت تستخدم الجنازير في الفصل بين الطلاب والطالبات في المدرجات . تلك واقعة ذكرها أبوالفتوح وهو نفسه الذي ذكر أن هذا الجيل تربي علي يد محمد الغزالي القيادة الإخوانية.. وقال أبو الفتوح: (اجتذبنا الشيخ الغزالي واجتذب الإخوان أيضًا وكان يصلي خلفه ويحضر دروسه الأستاذ حسن الهضيبي - مرشد الإخوان بعد البنا) ويقول أبوالفتوح: (أذكر في هذا الصدد أن د. أحمد الملط - نائب المرشد مصطفي مشهور- رحل بعد أن أدار عملية تنظيم سفر الشباب للحرب في أفغانستان،- سأل الشيخ الغزالي ذات يوم بعد إحدي خطبه: وماذا بعد؟! فكان رد الغزالي: هذا سؤال عليكم أنتم الإجابة عنه.. وكان يقصد بقوله (أنتم) الإخوان. في هذه الشهادة قال أبو الفتوح أنه تربي علي كتب سيد قطب بكل ما فيها - حسب نص ما قال - من (حيوية ثورية)، وكتب أبو الأعلي المودودي.. بل إنهم أطلقوا علي رئيس الجماعة لقب «أمير» اقتداء بالجماعة الإسلامية التي كان يقودها المودودي في باكستان.. وتلقي تعليمات حسن البنا.. بالأساس رسالة (واجبات الأخ العامل) من الإخواني فتحي الرفاعي.. وقال أبو الفتوح: لقد طبعناها ووزعناها علي الطلاب في الكلية. كتاب أبوالفتوح يؤصِّل لمسار مجموعة كبيرة من قيادات الجماعة الإسلامية التي أصبحت فيما بعد أغلبها قيادات وسيطة أو عليا في جماعة الإخوان نفسها.. ومنهم، حسبما يروي أبوالفتوح: سناء أبو زيد، عصام العريان، محمد عبد اللطيف، حلمي الجزار، وآخرون. وقد سيطر هؤلاء علي اتحاد كلية الطب بدءا من 1973، ومن ثم اتحاد الجامعة، ثم بقية اتحادات الجامعات، ويقول أبوالفتوح: (تضاعفت قدرتنا علي الحركة نظرًا لميزانية الاتحاد الكبيرة.. وقد يسرت لنا تلك الميزانية أن ننشر زي الحجاب بين الطالبات ببيعه لهن، واستخدمناها في إصدار نشرات وكتيبات، ومنها طبعنا رسالة المؤتمر الخامس لحسن البنا، وكتب سيد قطب والمودودي، وناصر الدين الألباني). ومن المدهش أن قيادات جماعة الإخوان هم الذين درَّبوا هؤلاء الشباب وثقفوهم، في مخيمات طلابية تم استغلالها من أجل نشر دعاية الجماعة الإسلامية، ويذكر منهم أبوالفتوح: (الشيخ الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي)، ويضيف: (كانت تلك المخيمات فرصة لإفراز القيادات بطريقة عفوية رغم أنها كانت تضم خليطًا من الاتجاهات الإسلامية المختلفة، وكانت مسألة الطاعة شبه العمياء للأمير تسيطر علي الجميع). هذه المفاهيم التي يرددها أبو الفتوح هي نفسها التي تطبقها الجماعة الإخوانية حتي اليوم، وتلك الطرق الملتبسة في الاستيلاء علي أموال المؤسسات التي يديرونها - ومنها اتحاد الطلبة - للتخديم علي أهدافهم وليس من أجل خدمة الطلبة، هي نفسها التي تجري حتي اليوم في النقابات وغيرها من اتحادات الجامعة، ومن المذهل أنه يكشف أنه في هذا الكيان الذي كان اسمه (الجماعة الإسلامية) تم الفصل بين قيادة الاتحاد وقيادة الجماعة بحيث - كما ذكر - أصبح الاتحاد هو (الجناح السياسي والاجتماعي للجماعة). ولكن هذه قضية أخري لها علاقة وثيقة ليس فقط بالطلبة في الجامعة، وإنما أيضًا بانتخابات مجلس الشعب. ونكمل غدًا . www.abkamal.net [email protected]