النائب الذي حرّض الطلاب علي الموت يتساءل كثيرون عن مدي ارتباط الإخوان بالعنف، والتساؤل يحمل قدرا من الشك.. في ظل التأثر بدعاية الجماعة التي تدعي أنها جماعة دعوية.. وفي ظل توهم أن ما ارتكبته الجماعة في القرن الماضي لم يكن مرتبطا بسياقها.. وأن عمليات الاغتيال التي نفذتها إنما كانت أحداثا عابرة لم تتكرر. ولست أشك لحظة في أن المواطن العادي يمكن أن يقع في الالتباس متأثرا بالدعايات، خصوصاً أننا نجد أن بعضا من المثقفين يقعون في نفس الالتباس.. بل ويكتبون أن العنف كان عابرا في تاريخ الإخوان.. وأنهم أنكروه وكانت له ملابسات خاصة.. إن من بين هؤلاء كتاباً مرموقين يكتبون ذلك حتي ما قبل أيام.. ومن المؤسف أن استنادات تحليلاتهم تقوم علي فراغ وهشاشة. لم يكن اغتيال النقراشي باشا حدثا عابرا، بل عمل انتقامي، موثق، نتيجة لأن رئيس الوزراء الراحل أصدر قرارا بحل الجماعة، كما أن اغتيال القاضي الخازندار لم يكن صدفة.. بل عمل مخطط ومرتب ومقصود.. وحين تدبرت عملية محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في 1954، فإن هذا لم يكن لسبب سوي أن الجماعة رأت أنها لم تحصل علي نصيبها من الثورة والمناصب التي حصل عليها الضباط الأحرار.. وفيما بعد ذلك بسنوات وفي 1965، كان أن دبرت الجماعة عملية لقلب نظام الحكم.. والتاريخ لا ينسي هذه الأمور. إن محاولة ربط العنف الذي لجأت إليه الجماعة بالجهود التي كان يقوم بها المصريون دفاعا عن فلسطين وإقصائه عن سياقه المستمر حتي اليوم.. هو تدليس في التحليل.. أو بناء لنتائج في الهواء الطلق.. فحتي العمليات التي قامت بها الجماعة مباشرة ضد المصالح اليهودية في مصر أدت إلي مصرع عديد من الزبائن والعمال المصريين في المحلات التجارية التي كان يملكها اليهود وكانوا وقتها مواطنين مصريين. كما أن الاستناد إلي أن النظام الخاص - الجناح العسكري للجماعة - كان علي غير هوي قيادات الجماعة وتم رفضه من مؤسسها حسن البنا هو كلام ضد حقائق الأمور.. وحتي لو قبلنا بفرضية الرفض.. فإن البنية الأيديولوجية للجماعة.. وطريقة التربية في داخل دهاليزها السرية إنما قادت إلي نشوء هذا النظام.. كما قادت إلي أعمال عنيفة متتالية قام بها الإخوان.. وصولاً إلي استعراض الطلبة في جامعة الأزهر عام 2006 .. هؤلاء لم يكونوا جوالة ولا كشافة، وإنما شباب تم تأهيلهم علي أن يتماهوا مع ظاهرة حماس.. ومن ثم كان أن تصوروا بزي أسود وعصابات علي الرءوس أمام الكاميرات بكل ثقة وبسفور كشف عن تدريبات من غير الممكن القول بأنها مجرد عمل رياضي لا قيمة له. ولنا أن نتخيل لو أن كل مجموعة سياسية أو حزب أقام هذه البرامج التدريبية للعناصر الشابة في معسكرات مغلقة مع حشد العقول بأفكار أيديولوجية معقدة وتكفر الآخرين.. كيف ستكون حال مصر وما هي نتائجه؟ هذا لو استسلمنا لتحليلات ساذجة تعتبر أن هذا عمل رياضي.. ولم يكن إعلاناً عن ميليشيات ينقصها السلاح. إن الإخوان أنفسهم هم الذين ينقضون كل تلك التحليلات الواهية بأنفسهم ومن خلال مواقفهم المعلنة وتصريحاتهم التي لا يمكن إنكارها.. وقبل أيام.. وليس قبل سنوات أو عقود، كان أن وقف النائب في مجلس الشعب محمد البلتاجي في ندوة نظمتها لجنة الحريات في نقابة الصحفيين لكي يحرض الطلبة الإخوان بوضوح مذهل علي الموت.. وقد قال بصراحة وعبارات لا تحتمل اللبس ما يلي: «إن الطلاب داخل الجامعات يجب أن يثأروا مما يتعرضون له من اعتداء، وعليهم أن يواجهوا حرس الجامعة مقابل أي ثمن ولو كان الثمن هو الموت.. إن علي الطلاب أن يواجهوهم.. حتي لا يتحولوا إلي ضحية للنظام مثل القضاة الذين تركوا القاضي محمود حمزة بعد الاعتداء عليه». لا أعتقد أن هذا كلام يحتاج إلي تعليق.. هذا تحريض سافر.. تلته مظاهرات ضد حرس الجامعة في مواجهة وزارة التعليم العالي.. وقد كتبت «روزاليوسف» بالأمس أن طلبة الإخوان في الجامعة قد اقتحموا بالقوة مدرجات عدد كبير من الجامعات.. ما كشف عن أن التلقين العلني لم يكن في الفراغ.. وأن ما قاله النائب الأستاذ الجامعي لم يكن يعبر عن موقف فردي وإنما عن توجيه جماعة، وأنه فقط كشف عنه في مؤتمر عام.. لا أعرف كيف عقد في نقابة الصحفيين.. وتحت مسمي الحريات.. لكي يضمن توزيعه علي أوسع نطاق. إن الطلاب المدعوين إلي الموت، لأن فيهم من تم إبعاده من كشوف المرشحين للانتخابات، ليسوا وحدهم الذين وجهت إليهم هذه الدعوة، بل إن توجها من هذا النوع هو الذي عبر عنه النائب الإخواني سليم زعرور الذي قال بوضوح قبل أيام إنه يدعو الإخوان إلي حمل السلاح لمواجهة الحزب الوطني ومرشحيه في الانتخابات.. ولا أعتقد أنه هنا كان يتحدث عن باقات ورد.. وإنما تلك دعوة صريحة جدا للعنف والدموية. لقد كانت الجماعات الدينية المتطرفة في السبعينيات والثمانينيات هي أحد أوجه النظام الخاص الذي تأسس في أربعينيات القرن الماضي لدي جماعة الإخوان.. وقد كانت عمليات الانتقال بين الإخوان والجماعات معروفة.. بل إن بعضا من قيادات تلك الجماعات في الجامعة في السبعينيات أصبحوا فيما بعد قيادات في جماعة الإخوان.. ولم يعلنوا نقضا أو انتقادا لأفكارهم السابقة في الجماعات المسلحة.. بل إنه حين أعلنت تلك الجماعات مبادرة وقف العنف قبل سنوات، كان أبرز الإخوان هم الذين يهاجمونهم علي ذلك وفي مقالات مكتوبة (راجع مقالات القيادي السابق في الجماعات الإسلامية والقيادي الحالي في الإخوان د. عصام العريان). ولا يفوت علي أي محلل مدقق الحقيقة التي لا ينبغي الفرار منها وهي أن الأساس العقيدي للعنف الذي يضرب العالم من خلال تنظيمات تابعة للقاعدة أو أية جماعات جهادية أخري هو ناتج من وثائق الإخوان وتفكير منظريهم - وعلي الرأس من ذلك كتب سيد قطب - التي كفرت المجتمع واعتبرته جاهليا.. إذ لا يوجد تنظيم لجأ أو يلجأ إلي العنف في أي مكان في العالم لم تكن كتابات سيد قطب من بني أفكاره الأساسية.. بدءاً من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وحتي عبدالحميد أبوعقرب.. ولا بد أن الجميع يدرك أن الإخوان الآن يخضعون لسيطرة المجموعة القطبية.. وعلي رأسهم المرشد محمد بديع الذي اعتبر قبل أيام أن المجتمع نجس وأن الحكومة نجسة.. وأن الإخوان سوف يطهرون المجتمع من تلك النجاسات. إن ما قيل صراحه وعلنا وأمام القنوات الفضائية في نقابة الصحفيين قبل أيام ليس سوي دليل جديد علي ارتباط هذه الجماعة بالعنف.. وإصرارها علي الدموية.. ليس هذا من صفحات التاريخ، وإنما هو أيضا من ثمرات الحاضر وواقعه الذي لا ينبغي تجاهله. www.abkamal.net [email protected]